في الطريق إليّ
آخر تحديث GMT 10:42:36
المغرب اليوم -

في الطريق... إليّ

المغرب اليوم -

المغرب اليوم - في الطريق... إليّ

نداء عادل

قدرنا الكبير هو أن نتدرب باستمرار على الفقد، و هو ما يجعل الحزن أقل وطأة وأسهل تقبلاً مع مرور الوقت... كان الواقع أطلال ماض قريب وبعيد، اجتمعا في محيط واحد، جعل المشهد منعدم الإتزان، ولم تكن هي ترغب في إضافة الألوان على تلك الأحجار الرمادية من ذاكرتها، لكنها حاولت أن تفعل شيئًا مغايرًا، حاولت أن تضع سورًا حول أطلالها القديمة، بغية أن تفصلها عن البناء الجديد، علّها تنجح هذه المرة بإستكمال البناء وإبعاده عن سور الأشلاء.. مراراً حاولت استنكار حزنها على نفسها، لكن فقد جنينها الأول، الذي رغبت به بطريقة لا تشبه الرغبات الأخرى في حياتها، جعلها تستنكر على نفسها الفرح بخبر إنتظارها الفرحة المقبلة، جعلت منها الكآبة إنسانة غير قادرة على الأمل رغم ما تحاول التشبث به من بواقي حياة. لم يكن ذلك محض صدفة، بل كل ما في محيطها ساهم في صنع تلك الكآبة، تخبطت كثيرًا، وتألمت أكثر، شعرت وكأنها نذرت يوم مولدها للحزن لا للحياة، ألم تكن هي قاتلة والديها؟ تساءلت ولكنها من باب إيمانها بالقدر برّرت لنفسها رغم الصراع واليقين المتعاظمان في روحها أنها لم تكن لتختار دربًا غير دربها الملعون هذا... صدمة تلو الأخرى جعلت من الفرحِ أمراً مستحيلاً عادت بالذاكرة بضع سنين.. في ورشة النجار تعلّمت كيف تطعم الخشب بالصدف، هناك تعلّمت كيف تتحوّل الأشياء الصمّاء إلى جماليات، تغيّر شكل الحياة ومضمونها، أعجبتها الفكرة، لم لا تتحول إلى شيء أصم، وربما أبكم، قد يفقد المرء الحياة بهذا الشكل، ولكنه سيستمتع بطريقته الخاصة بما لديه، فلا يجرحه أحد، ولا يؤذي هو أحد بكلمته، ولا يبقى منه إلا ما يقدّمه من فعل ملموس... كان بين يديها لوح خشبي، بدا لها وكأنه لوح سحري، وهي الجنيّة التي تغيّر معالمه، بدأت برسم الصورة الأولى في ذهنها، وأمسكت بالإزميل وبدأت العمل، نقلت حلمها على الخشب، وتنقلت بين أجزائه وزواياه، حفرته هناك وبدأت تتخيل ألوانه، ترى كل زاوية منه، وكل قطعة من تاريخها تتلاشى في رسمها، نثرت الأصداف، صقلت أطرافها بمبرد ناعم، وكأنها تصقل ذاكرتها، وتختار ما ستبقي عليه من ملامحها. الألوان كثيرة، و هذا اللوح لن يكون باللون الخشبي والصدفي، هذا اللوح سيكون بكل ألوانها، وبدأت تفكر بالألوان، كان وحيها أسود اللون عقيم، دب بها الخوف فتوقفت عن الحلم والكتابة الخيالية، أمسكت بمقود عجلتها الهوائية وانطلقت نحو الغابة على أطراف البلدة،  والوقت على مشارف الخريف، بحثت هناك عن الألوان، ركضت بين الأوراق المتساقطة، وقفزت في أكوامها، رأت الفراشات الملونة، وتذكرت طفولتها، وألبومات الفراش المجفف التي كانت تقتنيها، طمعت في طفولتها، أحبت ذلك الهاجس، تتبعته، حتى تشبعت روحها بالطفولة وألوانها الأمينة، قرّرت أن تمنح لوحتها، أو ذاكرتها، ذاك الطيف، عادت مسرعة نحو الورشة، وبدأت تلوّن القطع الصدفية، لوّنتها بما بقي من ذكريات العمر، لوّنتها بألوان الطفولة، والسعادة، والأمان، لوّنتها بالدفئ الذي كانت تمتلك، وبدأت بتوزيعها على أجزاء لوحها الخشبي. مارست صمتها بابتسام، مارست صممها بتصميم، تخلّت عن نظراتها إلى اللوح بينما تنظر في ذاكرتها للحياة والرسم، ساعات أخرى مرّت، وانتهت من ممارسة السحر على لوحها الأصم، ولحظات مرت حتى أدركت أنَّ الأصم ينطق ببريق الحياة وألوان الفراشات، ونسائم الخريف. أدركت أنها في روحها تمتلك نبضًا قديمًا لم يتوقف بعد. أدركت أنَّ لها في مكان ما طيف من حياة.

almaghribtoday
almaghribtoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في الطريق إليّ في الطريق إليّ



GMT 13:16 2023 الأربعاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

القلب الممتلىء بالوجع

GMT 08:05 2023 الإثنين ,30 تشرين الأول / أكتوبر

لم يعد مهمّاً بعد اليوم أن يحبّنا أحد

GMT 11:49 2023 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

فلسطين والقدس الأبية

GMT 06:45 2023 الأحد ,01 تشرين الأول / أكتوبر

لماذا أكتب لك؟؟ وأنت بعيد!!

GMT 06:41 2023 الأحد ,01 تشرين الأول / أكتوبر

أنا النزيل الأعمى على حروف الهجاء ( في رثاء أمي الراحلة)

GMT 11:34 2023 الخميس ,07 أيلول / سبتمبر

السقيفة الملعونة

GMT 10:22 2023 السبت ,26 آب / أغسطس

أنت الوحيد

GMT 13:49 2023 الأربعاء ,23 آب / أغسطس

سأغتال القصيد

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:51 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

شهر حزيران تميمة حظ لمواليد برج السرطان

GMT 13:31 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

السفير المغربي سمير الدهر يتعرض إلى السرقة في حي يسيشيكو

GMT 19:54 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

والد حمزة منديل يرفض الرد على اتصالات نجله

GMT 02:43 2015 الإثنين ,14 أيلول / سبتمبر

حلى الزبادي بالأوريو

GMT 08:36 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

شركة "تسلا" تبني مصنعًا لإنتاج السيارات الأجنبية في الصين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib