إسهام في التأريخ للتجربة الإعلامية بالمغرب يحضر في كتاب جديد، من خلال شهادات حول مسار قائد جريدة “الاتحاد الاشتراكي” إلى حدود 1995، الذي صير صحيفة أبرز الأحزاب المعارضة آنذاك أكثر الجرائد مقروئية بالبلاد، ومؤسس أولى “اليوميات الخاصة” بالبلاد عام 1998، جريدة “الأحداث المغربية”.صدر هذا الكتاب في إطار تكريم موسم أصيلة الثقافي في دورته 42 للصحافي البريني، الذي حضرته وجوه إعلامية بارزة، وهو مؤلف جماعي أعده الصحافي والباحث جمال المحافظ، وصدر عن مؤسسة منتدى أصيلة.
ويضم هذا العمل إسهامات صحافيين وأكاديميين ووزراء سابقين ومدراء نشر ورؤساء تحرير ومشتغلين في مجالات مرتبطة بالصحافة، هم: محمد الأشعري، محمد بن عيسى، عبد الله البقالي، خليل الهاشمي الإدريسي، عبد الإله التهاني، محمد عبد الرحمن برادة، نور الدين مفتاح، آسية أقصبي، مصطفى العراقي، محتات الرقاص، المختار الغزيوي، سعيد خمري، يونس دافقير، حكيم بلمداحي، عبد اللطيف بن صفية، نادية المهيدي، جمال المحافظ، ومحمد بوخزار.وكتب معد الكتاب جمال المحافظ: “يبقى الحضور القوي للبريني في محطات العمل الإعلامي ببلادنا، منذ أواسط عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، بإيجابياته وسلبياته وعنفوانه وانكساراته، مناسبة للوقوف على مسار هذا الرجل الفذ من خلال شهادات صحافيين ينتمون إلى أجيال متنوعة”.
وتحدث المحافظ عن “الأدوار الطلائعية” للبريني في مجال الصحافة؛ “من خلال التجارب المتنوعة التي راكمها، سواء من خلال مساهمته في صحيفة ‘المحرر’ التي تأسست سنة 1974، وتم توقيفها سنة 1981، أو شقيقتها ‘ليبراسيون’، الصادرة باللغة الفرنسية، قبل أن يعين مديرا لصحيفة ‘الاتحاد الاشتراكي’ منذ تأسيسها عام 1983 إلى غاية 1995”.
وواصل المحافظ: “لم تتوقف تجربة البريني الإعلامية مع مغادرته يومية ‘الاتحاد الاشتراكي’، بل بادر إلى فتح أفق جديد لمساره، إذ عمل في أواخر عقد التسعينيات من القرن الماضي على تأسيس صحيفة ‘الأحداث المغربية’، التي شكلت جيلا جديدا من الصحف التي توصف بـ’المستقلة’ أو ‘الخاصة’، وكان لها تأثير كبير على تحولات المشهد الإعلامي المغربي”.
وسجل الصحافي والباحث أن محمدا البريني “تمكن من الحفاظ على المسافة والخيط الرفيع القائم بين الالتزام السياسي ومهنة الصحافة، ما جعل منه أحد المساهمين الرئيسيين في التشجيع على الانتقال من صحافة حزبية مناضلة إلى صحافة مهنية مستقلة”، بعدما ساهم خلال 12 سنة من إدارة جريدة “الاتحاد الاشتراكي” في “جعل الصحافة الحزبية مدرسة قائمة الذات، وأن تحظى بثقة جمهور القراء، وتتصدر المشهد الإعلامي لمدة تناهز عقدين من الزمن”.
وفي تقديم الكتاب، كتب محمد بن عيسى، أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة الذي سبق أن أدار تحرير جريدتي “الميثاق الوطني” (بالعربية) و”المغرب” (بالفرنسية)، أن هذا العمل يصدر “وفاء لزميل وإعلامي وكاتب، ورمز من رموز إعلاميي المغرب المعاصر”.
وبعدما كانا “زميلين على طرفي نقيض في انتماءاتهما الفكرية والسياسية”، في وقت كان يشهد المغرب “احترابات نكدة بين الحكومات المتعاقبة والمعارضة، وتجاذبات لم تكن لتترك إمكانيات اعتراف بالمشترك، أو فسحة حوار بين الفرقاء المتنابذِين”، قال بن عيسى: “مع مرور السنوات سأتعرف على الوجه الأصيل لمحمد البريني، ما بين سعيه إلى تحويل جريدة حزبية إلى منبر إعلامي، يلتزم بالمقومات الأساسية للصحافة، ومواجهته لعوائق شتى، وصموده في وجه انتقادات من كل حدب وصوب”.
وتابع التقديم: “كان يضع اللبنات الأولى لتحول لا مفر منه من الجريدة ‘العقائدية’ إلى الصحيفة المفتوحة”؛ ولهذا، زاد المقدم: “أعتبر أنه مثل مسارا استثنائيا ليس فقط في الكتابة المتوازنة، وإنما في السعي إلى ترسيخ نموذج إعلامي لم يكن من السهل تقبله في ذلك الزمن.. لقد كان البريني داخل المتواضع عليه حزبيا وخارجه، في آن، وحين جاءت لحظة الشقاق كان مترفعا ونزيها ومنسجما مع مبدئيته الصادقة”.وفي شهادة محمد الأشعري، وزير الثقافة سابقا، التي عنونها بـ”الصحافة التي خرجت من الجنب”، تحدث عن انغمار البريني بـ”كل قواه في بناء التجربة من الداخل (…) حتى إننا لم نعرف له (عدا حمام يوم الأحد) أي مساحة صغيرة أو كبيرة من حياة خاصة (…) وفي هذه التجربة أرسى قواعد تحرير جديد يهتم بالخبر والتحقيق والجدال والتعدد”.
كما تحدث الأشعري عن فترة إدارة البريني للجريدة حتى صارت “على نحو غير متوقع، بين سنتَي 1983 و1995 (…) أكبر من الحزب”، قبل أن يغادرها في “ظروف مؤلمة”.
ومن بين ما تناولته كلمة خليل الهاشمي الإدريسي، صحافي مدير عام لوكالة المغرب العربي للأنباء، الحديث عن انخراط محمد البريني في مسارين: “الأول كمناضل سياسي يساري اشتراكي، والآخر كصحفي مهني”، مضيفا: “هما نهجان لا يلتقيان، لكنه حاول الجمع بينهما حتى لم يعد ذلك ممكنا”، وانتصر في تجربته “الصحفي المهني على المناضل السياسي دون أن يتنكر لقيمه أو يخون قناعاته”.
وكتب نور الدين مفتاح، مدير أسبوعية “الأيام” رئيس فدرالية الناشرين، عن البريني الذي ظل “مناضلا يساريا حداثيا، سقط في غرام الصحافة فتمزق بين العقلية الحزبية المفهومة في سنوات الجمر والدم، وما بين عوالم الإخبار والتحقيق والموضوعية”، والذي “عرف السجون، ومُنِع كأديب رقيق باللغة الفرنسية، (حتى) أصبح المنع في جريدة ‘المحرر’ خبزه اليومي، وظل مدافعا شرسا عن الديمقراطية وعن حرية التعبير والوحدة الترابية”.
وشهد مفتاح على الفترة التي كان فيها صحافيا يغطي محاكمة النقابي نوبير الأموي المعروفة بـ”المنغانطيس”، لما استدعى وزير الداخلية والاتصال إدريس البصري مدراء الصحف قائلا إن الاستمرار في تغطية المحاكمة مناف للقانون، ليقرر البريني عدم الانصياع، فكانت النتيجة “بدل دعوى واحدة للأموي في الرباط، أصبحت دعوى أخرى ضد الجريدة في الدار البيضاء لذات السبب”.
وضم نص عبد الله البقالي، رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، شهادة له تقول: “حينما قرر القضاء في إحدى المرات عدم النشر في قضية معينة تتعلق بقضايا النشر كانت رائجة أمامه لم يمتثل (البريني) للقرار، وانتصر لبعد التضامن المهني ومناصرة حرية الرأي والتعبير والصحافة، وهو ما تسبب له في محاكمة. وحينما سأله القاضي عن الصحافي الذي نشر المقال وخرق به القرار القضائي لتتم متابعته كشريك كان جواب محمد البريني في موقف سيحفظه له التاريخ أنه هو الذي يتحمل مسؤولية النشر وليس شخص آخر”.
كما كتب البقالي عن “الأدوار البارزة والطلائعية التي قام بها وأنجزها محمد البريني في النقابة الوطنية للصحافة المغربية، حيث قاد العمل النقابي رفقة هامات نضالية شامخة، نذكر منهم محمد اليازغي، والراحلين علي يعتة، وعبد الكريم غلاب، ومصطفى العلوي، ومحمد العربي المساري، ومصطفى اليزناسي، ومصطفى القرشاوي (…) في ظروف صعبة اتسمت بالمنعرجات الخطيرة، حيث يعود إليهم الفضل جميعا في جزء مهم جدا مما حازته حرية الصحافة من مكاسب في بلادنا”.
قد يهمك ايضـــًا :
تعليق الأنشطة التنظيمية المقررة للنقابة الوطنية للصحافة المغربية
هيئة عربية تصف العلوي بشيخ الصحافة المغربية
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر