قضية الطفل المغربي ريان بين أهمية القصة الإنسانية إعلامياً وأخلاقيات المهنة
آخر تحديث GMT 19:14:59
المغرب اليوم -

قضية الطفل المغربي ريان بين أهمية القصة الإنسانية إعلامياً وأخلاقيات المهنة

المغرب اليوم -

المغرب اليوم - قضية الطفل المغربي ريان بين أهمية القصة الإنسانية إعلامياً وأخلاقيات المهنة

الطفل المغربي ريان
الرباط ـ المغرب اليوم

أثار رحيل الطفل المغربي ريان أورام، بعد تمضيته خمس ليالي عالقاً في بئر جافة بعمق 32 م، في قرية إغران بمحافظة شفشاون (شمال المغرب)، اهتمام وتعاطف وتضامن مختلف بلدان العالم. وتحولت المأساة من حادثة محلية إلى قصة عالمية، تصدرت اهتمامات كبريات وسائل الإعلام، وفرضت نفسها أولويةً على الصحافة العالمية.

ولكن، إذا كانت قضية ريان قد طويت بعدما وُري الثرى بقريته عقب جنازة مهيبة، فإن أسئلة حارقة بشأن تعاطي وسائل الإعلام ووسائط التواصل مع هذه القضية، ومدى تقيدها بمبادئ أخلاقيات المهنة، ظلت مفتوحة. هذه أمور ما زالت تسيل المزيد من المداد وتثير الكثير من النقاش، ليس فقط ما بين المهنيين وهيئاتهم التمثيلية، بل أيضاً في أوساط الرأي العام المحلي والدولي، خصوصاً في ظل ما رافق لجوء بعض المنابر الإعلامية والوسائط إلى بعض أساليب التضليل واختلاق الأخبار الزائفة والإثارة والتهويل والتعتيم.

الإعلامي المغربي عبد العزيز كوكاس قال لـ«الشرق الأوسط»، معلقاً على التعامل الإعلامي مع مأساة ريان، إن هذه الواقعة «أبرزت انحرافات كثيرة شابت عمليات التغطية الإعلامية للحادث، كانتشار الأخبار المضللة وصور ومقاطع فيديو، وتصريحات مفبركة، حظيت برواج كبير في صفوف مستعملي مواقع التواصل الاجتماعي». بيد أنه، في المقابل، نوه بالدور الإيجابي الذي قامت به العديد من وسائل الإعلام المغربية التي كانت حاضرة في قلب الحدث، ودأبت على مد الناس بالأخبار والمعلومات والتطورات المصاحبة لجهود إنقاذ ريان.

القيَم المهنية مهددة

ولكن، لئن كان هذا الوضع يفرض على الصحافي ووسائل الإعلام إعادة مراقبة أسلوب تعبيرهم واحترام الحقائق، فإن هذا الأمر لم يعد مقتصراً على الصحافيين، بل يشمل كل أساليب النشر في الإنترنت. فهي مطالبة بدورها باحترام الحقيقة ومحاربة الأخبار الزائفة، لأن القيَم المهنية للصحافة، ومنها الموضوعية والحياد والتمسك بالحقائق، وإجلال الروح الإنسانية واحترام الآخرين والشفافية، غدت مهددة بسبب لعنة «الخوارزميات» والبحث عن السبق والربح السريع.

وهنا حكيم بلمداحي، مدير تحرير صحيفة «الأحداث المغربية» في لقاء مع «الشرق الأوسط»، يقول إن حادثة الطفل ريان شهدت تغطية إعلامية واسعة وربما غير مسبوقة بالنظر إلى حجم الواقعة. إذ تقاطرت وسائل الإعلام إلى مكان الحادث، بدءاً من بعض المواقع الإلكترونية وبعض الصحف المغربية والمنصات الرقمية، وسرعان ما توسع الحضور ليشمل كبريات الشبكات الإعلامية العالمية من تلفزيون وصحف ومواقع إخبارية.

وأوضح بلمداحي استناداً إلى دراسة لـ«المرصد الوطني للرأي العام الرقمي» جرى تقديمها الأسبوع الماضي في العاصمة المغربية الرباط. وذكر أنه كشف عن أن التفاعل الاستثنائي على الشبكات الرقمية مع مأساة ريان لامس حوالي مليار ونصف مليار شخص عبر العالم، وذلك من خلال 127 ألف تدوينة جرى نشرها، سواء على شكل مكتوب أو صورة أو فيديو.

وأضاف الإعلامي المغربي أنه «لا يمكن إغفال الطابع الإنساني في مأساة الطفل ريان، فكل عناصر التأثير والإثارة متوفرة: طفل صغير يسقط في بئر مهجورة، فيتجند شعب بكامله لإنقاذه، مع التفاصيل الدقيقة للعملية وما يحيط بها من معطيات جيولوجية وتقنية وعلمية وغيرها... كل هذا زاد من حجم الاهتمام بالحادث».

من جانب آخر، قال بلمداحي إن الانتباه إلى أن فاجعة الطفل ريان بيّن مجدداً أهمية الإعلام... سواءً في نشر المعلومة أو خلق حالة تحدٍ أمام المسؤولين. وكشفت أيضاً عن جانب آخر يخص أخلاقيات مهنة الصحافة. ويخلص إلى القول «إذا كانت الصحافة الجادة تشتغل وفق القواعد المهنية، وأدت دورها بالشكل المطلوب، فإن بعض المواقع الرقمية وما يسمى بصحافة المواطن خلقت وضعاً مؤسفاً يجب معالجته من طرف الهيئات الصحافية المهنية، لا سيما لجهة انتشار الأخبار الزائفة والسلوكيات التي لا تحترم الخصوصية».

تعامل مهني وخروقات

بدوريهما يتقاسم كل من عبد الصمد مطيع، الأستاذ الباحث في المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط ومنسق ماستر إنتاج المضامين المسموعة والمرئية والرقمية، ونادية المهيدي الأستاذة الباحثة في المعهد ذاته، الرأي بكون وسائل الإعلام العمومي «توفقت في مواكبتها لحادث الطفل وتعاملت بمهنية، واستندت في نقلها لمجريات الأحداث على المصادر الموثوقة». فقد رأى مطيع أن الإعلام العمومي «كان حاضراً، وواكب عن كثب عملية الإنقاذ... وأثبت بالتالي قدرته على تغطية قضية الطفل ريان التي أظهرت مجموعة من نقاط القوة للوسط الإعلامي والمؤسساتي المغربي». وذهبت المهيدي في المنحى عينه، حين اعتبرت أنه كما كان الشأن في جائحة «كوفيد - 19»، «تمكن الإعلام العمومي من التعامل بجدية، ولم يبث أي خبر حول الحادث قبل أن يجري التأكد منه، وهذا بعكس الإعلام الإلكتروني الذي جعل حادث ريان المأساوي فُرجة بهدف الرفع من عدد النقرات».

ولفت مطيع إلى أن الإعلام الرقمي المحلي «أصبح مصدراً لمجموعة من القنوات الدولية التي كان بعض مراسليها مرابطين في الميدان، إلى جانب الإعلام العمومي، الذي قدم خدمات للتبادل الإعلامي مع قنوات منخرطة في التقديم والاستفادة من هذه الخدمة، وهو ما ساهم في تعبئة الرأي العام الوطني والدولي». إلا أنه استدرك قائلاً: «ولكن، لا يمكن أن ننكر أن هناك مجموعة من الأخطاء والخروق، سواءً من قبل بعض الصحافيين أو المؤثرين، أو حتى المواطنين العاديين المبحرين في الشبكة العنكبوتية... ومن هذه الخروق نشر الأخبار الكاذبة والمضللة، والمس بالحقوق المرتبطة بالحياة الشخصية والحق في الصورة».

الحاجة لتكوين أفضل

في سياقٍ موازٍ، بغض النظر عن الأفق الجديد الذي يفتحه هذا الحادث، خصوصاً على مستوى اهتمام وسائل الإعلام بتحويل مثل هذه الأحداث إلى قصص إنسانية، يلاحظ أن هذه القصص الإخبارية، تستأثر بشكل متزايد باهتمامات واسعة من لدن الجمهور مهما اختلفت درجات تطوره وتباعدت أمكنة وجوده الجغرافي. فهذا ما أبانته قضية الطفل ريان وقبله محمد الدرة، الصبي الفلسطيني الذي راح ضحية رصاص الاحتلال الإسرائيلي يوم 30 سبتمبر (أيلول) 2000 في قطاع غزة، إذ خلف نشر صورته إلى جانب والده لحظة مقتله استهجاناً وإدانة واسعة عند الرأي العام الدولي، وساهمت أيضاً في إثارة الانتباه للاضطهاد الذي تمارسه قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني.

وفي هذا الصدد، يقترح مطيع والمهيدي إيلاء المزيد من الاهتمام بمسألة التكوين (الإعداد) بتنظيم دورات تكوينية للقائمين على العملية التواصلية خلال الأزمات، سواءً كانوا إعلاميين أو مسؤولين عن عمليات التواصل، وإعداد بهذا الشأن دلائل للتغطية الإعلامية، تتضمن الممارسات الفُضلى، والأخطاء الواجب تفاديها أثناء التغطيات الإخبارية للأزمات. ولاحظ مطيع أن المحتويات التي أنتجت في هذا المجال «كانت محتشمة ومحدودة، في حين كانت ستكون متطورة بشكل أفضل لو أن الصحافيين تجاوزوا الشق الإخباري إلى الشق التحليلي... باعتماد تفسيرات علمية لما يحدث بعين المكان، كالطبيعة الجيولوجية والفيزيائية لمنطقة الحادث، والتداعيات الصحية التي يمكن أن يتعرض لها الطفل ريان في قعر البئر والظروف المناخية وتأثيرها على عملية الإنقاذ».

أما المهيدي فشددت على «ضرورة أن ينخرط البحث العلمي في دراسة هذه الظاهرة، وطرح الأسئلة الحارقة حول أداء الإعلام الجديد ومستوى تأطيره مع الاهتمام بالتربية على الإعلام الجديد وبالتكوين، وذلك بهدف تملك آليات العمل الصحافي». ولاحظت في هذا الشأن، أن العديد من شبكات التواصل ساهمت في «تناسل الإشاعات وفبركة أحداث مصطنعة وغير دقيقة»، خصوصاً في ظل غياب ناطق رسمي، وتأخر السلطات المعنية في تنظيم العملية التواصلية، رغم تسجيل بعض إيجابيات هذه الشبكات في مجال التواصل.

عودة إلى عبد العزيز كوكاس، فإن ما تقدم وإن كان يتجاوز دور الإعلاميين، فإنه يفرض بالمقابل تربية مواطنة اتجاه المجتمع ذاته وليس فقط الصحافيين المهنيين. المهيدي بقولها إن البعد الإنساني يعد عنصراً ومكوناً أساسياً في تعاطى الإعلام مع الأحداث، أكانت ذات طبيعة سياسية أو رياضية، وينسجم كثيراً مع الحوادث وتنمحي خلالها الخلافات والصراعات... مهماً كان نوعها وحجمها ومصدرها.

قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ :

داعش تَنْتَقِد الاهتمام العالمي بقضية الطفل المغربي ريان

 

السلطات المغربية تَتَوعَّد مُسْتغِلِّي وفاة الطفل ريان

almaghribtoday
almaghribtoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قضية الطفل المغربي ريان بين أهمية القصة الإنسانية إعلامياً وأخلاقيات المهنة قضية الطفل المغربي ريان بين أهمية القصة الإنسانية إعلامياً وأخلاقيات المهنة



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:33 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
المغرب اليوم - أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 16:17 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"القوس" في كانون الأول 2019

GMT 21:52 2019 السبت ,03 آب / أغسطس

"الفيل الأزرق 2" يعيد قوة موسم الصيف

GMT 16:19 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

انتبه لمصالحك المهنية جيداً

GMT 14:20 2019 السبت ,29 حزيران / يونيو

طارق مصطفى يساند المنتخب أمام ساحل العاج

GMT 00:51 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

إسعاد يونس تعدّد صفات شريف مدكور برسالة دعم

GMT 09:39 2019 السبت ,06 إبريل / نيسان

أفضل الطرق لتسريحات الشعر الكيرلي في المنزل

GMT 05:32 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

قطر تُقرر مقاطعة نجوم " روتانا " بسبب الأزمة الخليجية

GMT 03:41 2015 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

ستيفن كاري يشيد بجهود ليونيل ميسي مع "برشلونة" في الدوري

GMT 01:31 2018 الإثنين ,31 كانون الأول / ديسمبر

أحمد صلاح حسني يشيد بشخصيته في مسلسل "أبواب الشك"

GMT 18:51 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الديكورات الفرنسية الكلاسيكية لمنزل أكثر أناقة

GMT 14:23 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

ميلان الإيطالي يبدأ التفاوض مع لاعب تشيلسي فابريغاس
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib