رواية حياة باي حائزة على جائزة البوكر الشهيرة
آخر تحديث GMT 19:58:53
المغرب اليوم -

رواية "حياة باي" حائزة على جائزة البوكر الشهيرة

المغرب اليوم -

المغرب اليوم - رواية

أوتاوا ـ المغرب اليوم

"وحده الخوف يمكن أن يهزم الحياة". عبارة كتبها الروائي الكندي يان مارتل في روايته "حياة باي" الحائزة على جائزة البوكر الشهيرة، تجسّد الحيرة التي يقع فيها القارئ وهو يغرق في ثنايا صفحات الرواية الأخاذة التي تمازج بين الأسطورة والروح. لم تكن رواية "باي" أول عمل للروائي الكندي، فقد نشر أعمالاً لم تنجح في لفت النظر، وعكف على كتابة رواية أخفق في إكمالها. نقطة التحول التي دفعته إلى إنتاج رواية "حياة باي" كانت مزيجاً من تجواله بين إيران وتركيا والهند، ودراسة الفلسفة، وقضاء 13 شهراً في الهند زائراً مساجد وكنائس وصوامع وحدائق حيوانات، وعامين في قراءة كتب دينية متعددة المصادر. يظهر يان مارتل تأثراً كبيراً برواية "روبنسون كروزو" للروائي البريطاني دانيال دافو، مع وجود مفارقات وتباينات الحقبات الزمانية، بين الأولى الأكثر كلاسيكية و"حياة باي" الأكثر حداثة. فالشخصية المحورية "باي" الفتى الهندي في السادسة عشرة من عمره، هو اختصار اختاره البطل المحوري لاسمه "بيسين" بمعنى حوض سباحة باللغة الفرنسية، يعيش هوساً بالأديان والعلوم اللاهوتية دفعه إلى اعتناق كل من الهندوسية والإسلام والمسيحية. يشعر "باي" بأنه يتحرك داخل رحم كوني مقدّس، وبأن الإيمان بالله هو انفتاح كامل، انفلات مطلق في ثقة عمياء، يصاحب ذلك إحساسه الدائم بالسمو والابتهاج والفرح. ما يناقض البيئة التي تربّى فيها بوالدين أكثر "عقلانية" مستنكرين تدينه واختياره أكثر من دين، ويشبّه هو قناعته بأن "الدين منزل يحمل غرفاً عديدة." ويهتف ببساطة إنسان غارق في الإيمان "أريد فقط أن أحب الإله". حين غرقت السفينة التي كان على متنها، واختفت في ثقب صغير على خريطته. بات إنساناً منذوراً للموت، فقد كل شيء وتعلّق بزورق نجاة شاركه فيه نمر بنغالي شرس يدعى ريتشارد باركر. لم تعد تظهر عليه تلك الثقة العمياء التي كان يواجه بها معلم الأحياء الملحد كومار وقوله إن "الدين سينقذنا". يتخيل مزيجاً من شخصيات مقدسة كان يستمد قوة معتقده منها، الأم العظيمة المباركة، وإلهة الخصوبة في بونديتشيري، جميعهم لا يعرفون شيئاً عن البحر سوى مناجاته. يرقب ريتشارد باركر النمر الشرس الذي يشاركه القارب بعين، ويرقب بالعين الأخرى النجوم، ويشهد عظمة صور الطبيعة مما يزيد من تعمقه الروحي، ويفشل في مدّه بمعرفة جغرافية واستدلال موقعه بواسطة النجوم. يشعر بضآلة موقفه. "قد تظن أنني فقدت كل الأمل في تلك اللحظة، وقد فعلت. وكنتيجة شعرت بانتعاش وبأنني أفضل كثيراً". فـ "باي" لديه قصة "ستجعلك تؤمن بالله"، وإن كان في الجزء الأول من الرواية يستمد قوّته ويتغلب على ضجر حياته الروتينية بالغوص في المعتقدات والأديان المختلفة، إلا أن التطرق إلى الإيمان يتضاءل تدريجياً في سياق أحداث محاولته مواجهة الموت. فيصف الشك متنكراً في هيئة شكوك صغيرة، وتولد العتمة فيه رهاب الاحتجاز في مكان ضيق. كما أنه خشي "أن يغرق إيمانه في قاع المحيط". يعيش حالة من السأم الكثيف يتخلله هذيان وتخيل لحوارات مع آخرين "عثرت لنفسك على قارب نجاة كبير، وملأته بالحيوانات.. أتظن نفسك نوح أو شخصا من هذا القبيل؟" يظهر إيمان "باي" كهذيان قائم على خلاصة ما تعلّمه في حياته قبل أن يضيع في وسط المحيط، وكأنه أشبه ببرهان الفيلسوف الفرنسي باسكال الذي يشير إلى ضرورة الإيمان بوجود الخالق. تظهر معجزات توثق من إيمانه كارتطام قطيع من الأسماك الطائرة بقاربه كوليمة طازجة. يشعر بالانبهار وهو يشهد صاعقة يصفها بالمعجزة، في محاولة لإخماد قلق النمر المتوثب بجانبه. وفي أوقات خلوده للراحة كان يتمتم ببضع أدعية إسلامية بحثاً عن السلوى. كل ذلك لا يسهم في إنقاذه. فهو يقاتل حتى الرمق الأخير بسبب "نهم أحمق للحياة". لم ينقذه إلا التفاصيل العملية المباشرة للبقاء على قيد الحياة، وتعلّق بكتيب مبلّل يحمل إرشادات للنجاة، في مشاركة "ريتشارد باركر" يا لها من رحلة تعيسة في مصارعة الموت وسط محيط شاسع، ومواجهة أحوال طقس وجغرافية مرعبة لا يمكن للمرء أن يتجاوزها دون أن يفارق الحياة، تتخللها عواصف وأمطار وأسماك قرش. كما ساعده انشغاله بتفاصيل كالصيد وتخطّي العطش وإطعام النمر وترويضه. فقد لجأ إلى استخدام المنطق في "كل لحظة" متطرقاً إلى أهمية المنطق للبحث عن الطعام والمأوى. يتساءل القارئ إن كان فعلاً بطلاً ذكياً استفاد من ظروف حياته وخبرته في علم الحيوان، أم أنه بطل "دون كيشوتي" اختلق أسطورة وهمية ليتجنّب أحداث بشعة واجهها مع بشر متوحشين اضطروا في ظروف خانقة إلى تناول لحم بشري وتشويه جثّة بسادية مفرطة. ومن جهة أخرى، قد يرمز يان مارتل إلى الغريزة الحيوانية داخل "باي"، التي ظهرت إلى الوجود في محاولة مستميتة للعيش تحت ظروف قاهرة، أجبرته على أن يتنازل عن مبادئه التي تمقت القتل وأكل اللحوم، حتى أن بيسين تطرّق في سياق هذياني في زورق النجاة بأن من الممكن أن يعتاد المرء أي شيء حتى القتل، ساعده النمر ريتشارد على البقاء حياً ثم اختفى كلياً، ليفقد بيسين وحشيته التي اضطر إلى إظهارها وقت الحاجة. وتزيد نهاية الرواية من تشكيك القارئ في حقيقة تلك الرحلة الخرافية. فحين عجز المحققان اليابانيان اللذان يبحثان عن سبب غرق السفينة، عن تصديق قصته بلجوئهما المطلق للمنطق، وانحياز القصة إلى خيال لا يمت للواقع بصلة. في نهاية المطاف لا يكترث "باي" بعدم تصديق من حوله لوقائع ما جرى من أحداث بعجائبيتها، فقد كان دافعاً ليكافح اليأس الذي كاد ينتابه، وليسافر عبر طريق الحياة، وترك البحر يجرفه حتى وصل إلى الجزيرة اعتبرها ملاذاً له على الرغم من شراستها، فكل موجة تمتصها الجزيرة ولا تترك إلا بعض الزبد. وعلى أية حال هو يرى أن الحياة رائعة إلى حدّ أن الموت واقع في غرامها. وأن "من نلتقيهم يمكن أن يغيرونا وأحيانا يكون التغيير عميقاً إلى حد أننا لا نعود الأشخاص ذاتهم بعد ذلك". سواء كان الذي التقى به نمراً بنغالياً، أو إنساناً آخر متوحشاً أو حتى ذاته.

almaghribtoday
almaghribtoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رواية حياة باي حائزة على جائزة البوكر الشهيرة رواية حياة باي حائزة على جائزة البوكر الشهيرة



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:16 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
المغرب اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 17:56 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
المغرب اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 17:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 08:18 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج القوس الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 17:18 2022 الأربعاء ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

« بكتيريا متطرفة » لإزالة التلوث النفطيِ

GMT 23:41 2018 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

هامبورغ أكثر الأماكن المذهلة لقضاء شهر العسل

GMT 14:14 2017 الإثنين ,05 حزيران / يونيو

اتحاد طنجة يخطط لضم نعمان أعراب من شباب خنيفرة

GMT 16:18 2024 الخميس ,04 كانون الثاني / يناير

الإتحاد الأوروبي يطلّق تحقيقاً مع تيك توك ويوتيوب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib