إسبانيا تستلهم التراث العربي في السير الشعبية والمسرح
آخر تحديث GMT 19:10:11
المغرب اليوم -

إسبانيا تستلهم التراث العربي في السير الشعبية والمسرح

المغرب اليوم -

المغرب اليوم - إسبانيا تستلهم التراث العربي في السير الشعبية والمسرح

المسرح والشعر
موسكو - المغرب اليوم

يسلط الباحث سامح كُريم الضوء على قضية التأثير الإيجابي للحضارة العربية الإسلامية على أوروبا في القرون الوسطى، في الأدب وفنونه، لا سيما الملاحم والمسرح والشعر.
ويذكر كريم في كتابه «كتب عربية ألهمت العالم»، الصادر حديثاً في القاهرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، أن الأندلس كانت هي البداية؛ فقد شكلت نقطة التلاقي العبقرية بين الفكر العربي وهو في كمال تطوره والعقلية الأوروبية الناشئة وهي بسبيل يقظتها وتلمس طريقها، لا سيما في تلك البقعة من عالم ما وراء البحار القديم التي أصبحت اليوم إسبانيا.

ويلاحظ المؤلف أن التأثير العربي على أوروبا انطلاقا من الأندلس كان نتيجة طبيعية لحالة من التعايش والتناغم الثقافي والسياسي بين مختلف المكونات الدينية على مدار قرون عدة، مشيراً إلى أن هناك إجماعاً بين المستشرقين المهتمين كافة بالحضارة العربية الأندلسية على أن العرب استعانوا في إسبانيا باليهود إلى جانب استعانتهم بالمسيحيين في إدارة شؤون البلاد، فاستوزر الحكام العرب هناك عبد الرحمن الناصر الطبيب اليهودي ابن شبروط، كما استوزر حبوس، أمير غرناطة، الطبيب اليهودي صموئيل نجدله، وانعكس ذلك في طمأنة غير المسلمين من أهل البلاد على مستقبلهم في ظل الحكم، لا سيما بعد أن تزوج موسى بن نصير أرملة الملك رزدريكالتي والتي عرفت بـ«أم عاصم»، كما وُلد عبد الرحمن الناصر نفسه لأم مسيحية.

ويوضح المؤلف، أنه في هذا المناخ امتزجت الدماء العربية والإسبانية مما كان له نتائج لافتة، من أهمها أنه عندما بدأ الملوك الإسبان يستعيدون أرضهم من العرب لم يعطلوا التراث العربي، أو حتى يكتفوا بما نقلوه منه، وإنما عمدوا إلى تنظيم حكمهم على أساس مشابه للحكم العربي والمفاخرة بذلك حتى كان بدرو الأول لا يحسن إلا العربية تحدثاً وكتابة.

ويشير المؤلف إلى أن أول باحث أوروبي أشاد بأثر العرب في الحضارة الأوروبية، ونوّه بفضلهم على ثقافة عصر النهضة الأوروبية، ربما كان هو القس الإسباني خوان أندريس، فقد نشر هذا القس كتاباً مهماً باللغة الإيطالية في سبعة مجلدات عنوانه «أصول كل الآداب وتطورها وأحوالها الراهنة»، ثم أعاد نشره عام 1799 في روما بعد أن نقّحه وتوسع فيه فجاء في ثمانية مجلدات. وفي هذا الكتاب أكد القس أندريس، أن النهضة التي قامت في أوروبا في كل ميادين العلوم والفنون والآداب والصناعات إنما كانت بفضل ما ورثته عن حضارة العرب. ويلفت الكتاب إلى «أن ما كتبه الباحث الأوروبي حول هذا الموضوع كان أشبه بإلهام عبقري؛ إذ لم تكن المراجع والأصول تعينه على إثبات ما يقول، فقد كانت الدراسات الاستشراقية في ذلك الوقت تخطو أولى خطاها، ولم يكن قد نشر من آثار الفكر العربي ما يعين على الموازنة أو البحث العلمي الدقيق».

كانت حصيلة الأب أندريس من القراءات العربية، حسب المؤلف، لا تتجاوز ما اطلع عليه من المخطوطات حديثة العهد بالفهرسة، ومع ذلك استطاع أن يلقي الكثير من الأحكام حول فضل العرب على الحضارة الأوروبية، وكشف عن تأثير الشعر العربي في بواكير الشعر الغنائي الأوروبي وكان رد الفعل بين الباحثين المعاصرين له عنيفاً ولم يأخذه أحد مأخذ الجد، غير أن المستشرقين بدأوا منذ منتصف القرن التاسع عشر يهتمون بمسألة النفوذ العربي المحتمل في الأدب الغنائي الأوروبي.
- تأثير الملاحم

وحول تأثر الملاحم الأوروبية بالأدب العربي يتوقف المؤلف عند ملحمة «السيد»، وهي من أشهر الملاحم الإسبانية القديمة التي ترجمت إلى كل لغات العالم الحية. وفي أدبنا العربي كانت هناك إشارات إليها حتى نقلها إلى العربية الدكتور الطاهر أحمد مكي مع تقديمها بدراسة قيّمة تكشف عن أن العلماء اتفقوا على نحو يكاد يكون قاطعاً بأنها قيلت في النصف الأول من القرن الثاني عشر وبالتحديد 1140، وإجمالاً تدور الملحمة حول السيد ومغامراته وانتصاراته وحربه. و«السيد» هو لقبه، أما اسمه الحقيقي فهو رودر يجوديات دي بيار. وهذه الملحمة تتشابه مع الملاحم اللاحقة في عدد من الخصائص، كأن تدور حول شخصيات تاريخية حقيقية وتعبر عن أحداث وقعت بالفعل، كما تدور الحرب فيها بصفة عامة حول قضايا داخلية أو لصراعات عائلية، والأهم أن خصائص الإنسان العربي البطولية تبدو واضحة فيها. وتقدم تلك الملاحم صوراً للتعايش بين المسلمين والمسيحيين في محبة وإخاء.

- مصدر إلهام
يشير الباحث إلى أن التاريخ العربي يشكل مصدر إلهام للكثير من كتب المسرح الإسباني المعاصرين، لا سيما أنطونيو جالا، لكن ما الذي جعل جالا أو غيره من الإسبان يهتمون بالتراث العربي ثم يوظفونه بعد ذلك؟ يجيب المؤلف بأن أسباباً كثيرة تقف وراء ذلك، لعل أبسطها تبدأ بتأمل اسم «مدريد» نفسه، وهي المدينة التي أنشأها العرب وأطلقوا عليها في البداية اسم «ماء جليد»؛ نظراً لاندفاع المياه العذبة النقية من مرتفعات الجبال المكسوة بالجليد إلى الأودية والأنهار، ثم تطور الاسم إلى «مجريط» ثم «مدريد» حسبما تذهب نظرية شهيرة في هذا السياق.

ومن بين أعمال جالا المسرحية يتوقف الباحث عند عمل مهم بعنوان «ابن رشد» يجسد فيه نكبة هذا الفيلسوف العظيم لوجوده في عصر اتسم بضيق الأفق وحقد النفوس نتيجة لشهرته العالمية والفكرية إلى جانب تقدير الخليفة له فيدسّون له ويرمونه بالمروق ويتهمونه بالاجتزاء على الحاكم حتى يوغروا قلبه عليه. ويجري جالا حواراً على ألسنة شخوص المسرحية، ويختتمه بما جاء على لسان ابن رشد «وداعاً أبنائي يا أبناء لحمتي وأبناء نفسي، أعني أنه في يوم ما ستنتهي حمى الاتهام هذه، وتزول هذه البلادة وذلك الخوف، وسوف تستمرون من بعدي تحكمون وتعملون، وآسفاً عليك يا قرطبة حين هجرت الشروع في الفهم، وأسفاً عليّ حين أكون على عتبة الموت يقصونني عنك، وداعاً سأسقي أرضاً أخرى بدموعي!».

ومن بين سير الحكام العرب، يستفيد جالا من تاريخ المنصور بن عامر بشكل خاص في مسرحية بالاسم نفسه. والمنصور أتى قرطبة طالباً للعلم، وبدأ حياته كاتباً عاماً أمام قصر الخليفة، وسرعان ما استطاع بطموحه وحيلته أن يتسلل للقصر ويتولى إدارة أملاك زوجة الخليفة الحَكم وأم ولي عهده هشام المعروفة عربياً باسم صبح، ويعتلي بعد ذلك أكبر المناصب حتى وفاة الحَكم فيعمل على مبايعة ابنه الطفل الصغير خليفة للمسلمين لحاجة في نفسه. ورغم صعود نجمه؛ فإن مخاوفه كانت من اثنين، حاجب الدولة المصحفي، والآخر غالب، أمير بني سالم. ولا يهدأ إلا بعد التخلص منهما، لينفرد بالسلطة في وجود خليفة صغير. وتركز المسرحية على مشاعر الحسرة لدى أم الخليفة الصغير وهي ترى الحكم يقع في قبضة شخص سبق أن رأته لا يملك قوت يومه!

قد يهمك ايضا 

 تحية العطور للحضارة العربية

جولة لـ"المغرب اليوم" داخل المتحف الأثري بباردو في الذكرى 125 لتدشينه

 

almaghribtoday
almaghribtoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إسبانيا تستلهم التراث العربي في السير الشعبية والمسرح إسبانيا تستلهم التراث العربي في السير الشعبية والمسرح



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 17:34 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"
المغرب اليوم -

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 06:07 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صادرات الحبوب الأوكرانية تقفز 59% في أكتوبر

GMT 06:23 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صندوق النقد يتوقع نمو اقتصاد الإمارات بنسبة 5.1% في 2025

GMT 06:50 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح لتحديد أفضل وقت لحجز رحلاتكم السياحية بسعر مناسب

GMT 04:32 2020 الإثنين ,23 آذار/ مارس

ستائر غرف نوم موديل 2020

GMT 15:48 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتسرّع في خوض مغامرة مهنية قبل أن تتأكد من دقة معلوماتك

GMT 05:27 2015 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تشن حملة ضد ممثلة نشرت صورها دون الحجاب

GMT 07:16 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

الهاتف "ري فلكس" يطوى ليقلب الصفحات مثل الكتاب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib