الرئيسية » تحقيقات

الدار البيضاء - سعيد بونوار

يميز المفكر آتون بين الفقير والغني بالقول "الفرق الوحيد بين الفقير وصاحب الملايين، أن الأول يتعب من أجل وجبته التالية، أما الثاني فيتعب بسبب وجبته السابقة"، يبدو الموضوع أكثر غموضا لو أن هذا الفقير هو نفسه الغني، ويبدو بسيطا في الفهم إذا قلنا إن الفقير المغني هو البخيل. هم ليسوا بخلاء، ولا هم فقراء، ولا بأثرياء يجوبون شوارع المدينة على سيارات فارهة، هم أجساد آدمية "مرعبة" لا تظهر إلا في الليل حاملة أكياسا على ظهورهم، هم ليسوا لصوصا ولا أشباحا توزع الخوف، وإنما مواطنون قادتهم ظروف الحياة إلى النبش في النفايات. خيالات بشرية تجوب شوارع المدن بحثا عن أشياء في القمامة، يبدؤون في التجوال مع منتصف الليل، تبدو ملابسهم متسخة، لا يكلمون أحدا، ويتظاهرون بالحمق والعته لزرع الرعب في المحيطين بهم أو نسج رباط تعاطف، ومنهم من يخفون وجوههم حتى لا يتعرف عليهم الأصدقاء أو الجيران أو أفراد من العائلة، فمهنة "النباش" أحقر وظيفة يمكن أن تلتصق بأحد، ومنهم من دفعتهم حقارة المهنة إلى "التخدير". هم شيوخ وشباب وأكثرهم نساء مهنتهم البحث في القمامة عن بقايا متسللة من مواد معدنية أو زجاجية أو أشياء نفيسة، منهم آخرون يجمعون بقايا الخضر والفواكه لإطعام ماشيتهم، ومنهم آخرون يجمعون ما تبقى من خبز، وهم آخرون متخصصون في جمع بقايا "البلاستيك"، يبحثون في القمامة دون استعمال قفازات يسابقون شاحنات جمع القمامة. ولكن من هم؟ كيف يعيشون؟ هل هم فعلا أثرياء المزابل؟ أم هم سواعد فقيرة تجمع القمامة لخدمة صناع إعادة التصنيع؟. ما إن تخلو شوارع العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء من المارة، ويخلد السكان في منازلهم بحثا عن الراحة، حتى تتحرك أجساد أخرى تنتمي إلى فئة الباحثين في القمامة، نساء ورجال يبدؤون يومهم قبل منتصف الليل، يتوزعون في الأزقة باحثين في حاويات عن مواد ورقية أو "بلاستيك" أو زجاج أو خبزاً يابساً، وقد تبتسم الأقدار فيعثر بعضهم على حلي أو جواهر أو أموال، ينتمون في أغلبيتهم إلى أسر فقيرة تقطن في الأحياء القصديرية المحيطة بالمدن الكبرى. حتى وقت قريب كانت الأسر المغربية تخوف أبناءها الصغار إذا رفضوا النوم، أو حاولوا التسلل خارج البيت ليلا بـ"بوعو"، أو "الميخالي"، والمقصود طبعا هؤلاء النباشين، الذين ينهون ليلهم بالتوجه جماعات أو فرادى إلى المزبلة الكبرى بطريق "مديونة" بالدار البيضاء لمواصلة النبش في النفايات، ويواصلون العمل حتى ضحى اليوم التالي. غير أن هذا التخويف المقرون باحتقار "النباشين" و"النباشات" بات ملاذا للحكومة مع الأزمة الاقتصادية التي ترخي ستائرها على عدد واسع من الأسر الفقيرة، فالدولة تتجه إلى تقنين المهنة، ومحاصرة مترفيها ممن يجنون أموالا طائلة عبر إعادة تحويل المواد "المنبوشة" وتصنيعها، فالمهنة في نظر الحكومة تنتمي إلى القطاع غير المهيكل، وهي تفقد خزينة الدولة الملايين كعائدات الضرائب التي يفترض أن يؤديها هؤلاء للدولة. بين"النباش" أو (البقشاش) أو (الهباش) كما يسميه المغاربة مسافة احتكار كبيرة، فالنباشون الذين يخاطرون بالبحث وسط القمامة، إذ يشكو أكثرهم من أمراض مختلفة نتيجة العمل وسط الأزبال دون إتباع الإرشادات الصحية والبيئية الضرورية لا يجنون غير دراهم معدودة عن حصيلة ما يلتقطوه من الحاويات وأماكن رمي الأزبال، في ما يجني الوسطاء وأرباب المصانع أموالا كبيرة من إعادة تصنيع المُحصل عليه من الأزبال. يرى عدد من الخبراء المغاربة أن "قطاع جمع وفرز النفايات، يلعب دوراً مهماً في النهوض بالتشغيل وحماية البيئة بل ويعد مصدراً أساسياً للمواد الأولية بالنسبة للصناعات التحويلية". ويجري التفكير حاليا في تجميع النباشين في إطار والعمل على تقنين مهنتهم، وضمان حقوقهم في التأمين الصحي وغيره من حقوق العمال المعمول بها، لتتخلص مهنة "النباشة" من صوره العته إلى الرسمية. ويراهن المغرب على التجربة الإيطالية في هذا المجال، إذ نجحت فكرة تأطير النباشين في إطار تعاونيات، وهي تستقطب أعدادا وافرة من العمال الأجانب في هذا البلد.  

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

مكتب نتنياهو يواجه 5 قضايا بعضها قيد التحقيق
نتنياهو قلق من انتقام محتمل لبايدن بعد فوز ترامب…
اليونيسيف تُحذر من آثار خطيرة للحرب الإسرائيلية المستمرة في…
واشنطن تتجاهل مئات التقارير عن استعمال الأسلحة الأميركية في…
700 عائلة إسرائيلية تسجل للاستيطان في غزة وحماس تنتقد…

اخر الاخبار

القوات المسلحة الملكية المغربية تستكشف حاملة الطائرات الأضخم في…
أحمد التوفيق يكشف أن وزير الداخلية الفرنسي صُدم عندما…
ملك المغرب يتجول في العاصمة الفرنسية رفقة ولي العهد…
الملك محمد السادس يُوجه الشكر إلى رئيس جمهورية بنما…

فن وموسيقى

المغربية فاطمة الزهراء العروسي تكشف عن استعدادها لخوض تجربة…
منة شلبي تتألق في موسم الرياض بمسرحية شمس وقمر…
تتويج المغربي محمد خيي بجائزة أحسن ممثل في مهرجان…
رافائيل نادال يختتم مشواره ويلعب مباراته الأخيرة في كأس…

أخبار النجوم

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي…
ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
سلاف فواخرجي تتألق في فيلم ”سلمى” وتسلط الضوء على…
أول تعليق من حسين فهمي بعد حصوله على جائزة…

رياضة

مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة…
محمد صلاح في المركز الثاني كأفضل هدافي الدوري الإنكليزي…
بيب غوارديولا يكشف سبب تمديد تعاقده مع مانشستر سيتي
كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

صحة وتغذية

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على…
فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً
وزير الصحة يُشير أن نصف المغاربة يعانون من اضطرابات…

الأخبار الأكثر قراءة

الأمم المتحدة تحذر من أن الحرب في السودان تسبب…
نشر منظومة "ثاد" في إسرائيل يُعمّق الانخراط الأميركي بأزمة…
إيران تنفي طلب حماس 500 مليون دولار لتنفيذ هجمات…
إسرائيل تنتظر تنسيق الدفاع مع أميركا قبل ضرب إيران
أميركا تنشر نظام "ثاد" للدفاع الجوي في إسرائيل استعداداً…