الرئيسية » مراجعة كتب

القاهرة ـ وكالات

في روايته الشهيرة «اسم الوردة»، يروي أمبرتو إيكو قصة راهب يخفي مخطوطة لأرسطو يتحدث فيها عن الضحك، وحين يسأل الراهب عن السبب يجيب: «إذا بدأنا بالضحك سيأتي يوم نسخر فيه من كل شيء وحتى من المقدس». هذه اللقطة الذكية عند إيكو تقول الروائية اللبنانية نجوى بركات توضح ببلاغة فائقة خطورة الضحك وقدرته على كسر التابوهات. وتشرح قائلة: «لا سخرية في الأدب من دون كسر التابوهات، ومن دون مسافة كافية تفصلك عن الأشياء والأحداث التي تتناولها في كتابتك». نجوى بركات تعتقد أنه «لا يمكن للأديب أن يكون ساخرا، إن لم يشعر بأنه حر في الوصول إلى كل المناطق التي يريد». المحاذير باتت كثيرة إذن، والممنوعات تتزايد بدل أن تنقص. وهو ما يجعلنا أمة ذات «أدب متجهم». أدب ليس بالضرورة جديا بقدر ما هو مقطب الجبين، رغم أن أجدادنا مثل الجاحظ وابن الرومي، أجادوا وأبدعوا، وأضحكوا كما أفادوا وأمتعوا. في النصف الأول من القرن العشرين، مثلا، كانت السخرية اللاذعة والروح النقدية جزءا من الأدب الكبير الذي ألفه كبار من وزن طه حسين وتوفيق الحكيم، وبطبيعة الحال الساخر الكبير إبراهيم المازني. الكاتب ورئيس تحرير مجلة «الطريق» محمد دكروب يروي لنا أنه حضر محاضرتين لطه حسين، ولا تزال سخريات الرجل المريرة والذكية حاضرة في ذهنه، ويقول: «حين كان يكتب طه حسين عن أصدقائه أو كتبهم، ولا يعجبه أمر ما، كان يسخر سخريات قوية وصادقة، وكان المسخور منه يتقبل الأمر. اليوم، صار من يجرؤ ويكتب سخرية أدبية، يوضع في مصاف الأعداء». يأسف دكروب للمستوى الذي وصلت إليه الحال العربية ويقول: «حتى في حياتنا الخاصة، صارت سخرياتنا قليلة، ونسمح لأنفسنا بها، فقط مع أصدقائنا الخلص». الشاعر يحيي جابر يذكر بأن قامات كبيرة في الأدب العربي الحديث كانت ساخرة مثل محمد الماغوط ومارون عبود. «أما اليوم، فإن الكاتب العربي لا يضحك، ليس فقط حين يكتب ولكن أيضا حين يشارك في ندوة أو يجد نفسه أمام كاميرا». ويعيد يحيي جابر هذا التجهم عند الأدباء العرب إلى لوثة أدب النضال والأدب اليساري الذي ساد في خمسينات وستينات وسبعينات القرن الماضي، حتى «تحول الشاعر إلى نبي صاحب مهمة رسولية». لكن يعتقد يحيي جابر أنه «بعد ترجمة الكاتب التركي عزيز نيسين إلى العربية، تأثر به الأدباء السوريون به، بشكل خاص، وكتبوا بنقد لاذع وسخرية مريرة ومفارقات كبيرة، على طريقته». ويكمل جابر: «المثقف العربي يرى السخرية شعبوية وينظر إليها من دونية، مع أن السخرية موجودة في الزجل والأدب الشعبيين ولها قيمة فنية كبيرة. فأحمد فؤاد نجم يعتبر شاعرا ساخرا، ومع الشيخ إمام أطلقا أعمالا فنية على مستوى عال من النقدية والطرافة، رغم سوداويتها». لبنان، في رأي يحيي جابر، لم يكن بعيدا عن هذه الروح، «فإضافة إلى مارون عبود وسعيد فريحة، والزجل الشعبي، لم يخل مسرح عاصي ومنصور الرحباني من هذا النقد الساخر، ثم جاء مسرح الشونسونية والنقد السياسي المسطح ليهوي بالمستوى، ولتستخدم السخرية في مجالات النقد الحزبي، كما صار ينظر للكاريكاتير السياسي كأنه فن هابط». ويتساءل الشاعر يحيي جابر عن مفارقة أن تستعمل كلمة «مساخر» لترجمة كلمة «مسرحيات» في عصر النهضة، مما عكس تأثيرا تشويهيا سيئا. يشرح جابر: «كبار الأدباء العالميين عرفوا بسخرياتهم ومفارقاتهم، إلا أن الأديب العربي الجديد له معياره الذي لا علاقة له بالغرب والآداب العالمية. حتى شكسبير لا تخلو كتاباته من سخرية، إلا أن كتابنا يظنون، بمن في ذلك من يتمردون منهم، أنهم يسطرون الملاحم». تشدد الروائية نجوى بركات على قيمة «الحرية» وترى أن المحاذير عند الكتابة باتت كثيرة، فهناك محاذير النص الديني والنص السياسي وحتى النص الاجتماعي أو الفكري. هي لا تحب استخدام مفردات مثل «سخرية» أو اعتبار أن عكسها «الأدب المتجهم». قد لا تكون التسميات موفقة، لكنها لا تختلف مع بقية من سألناهم عن المضمون، معتبرة أن «الواقع العربي القاسي الذي نعيش لا يعطي الكتاب صك براءة، لأن لحظة الألم تكتب بعد أن يأخذ الكاتب مسافة فاصلة بينه وبينها، ولا شيء يبرر أن تتحول حياتنا كلها كما كتاباتنا إلى لحظة صراخ». تلفتنا نجوى بركات إلى أن «الكتاب الفلسطينيين لم يحلقوا في أدبهم إلا لحظة أخرجوا أنفسهم من دور الضحية، ليضعوا قضيتهم موضع نقد ومساءلة، عندها رأينا أدبا فلسطينيا مختلفا وفنا تشكيليا فلسطينيا خلاقا، وسينما فلسطينية بلغت العالمية. الضحية في العصر الحديث مادة للاحتقار، وعلينا أن نخرج من هذا الدور». تتساءل نجوى بركات عن ازدياد مساحة المقدس: «لماذا يجب أن تكون أم كلثوم مقدسة وغير قابلة للنقد؟ وكذلك أسمهان وصباح؟ رأينا ماذا حدث بعد كل مسلسل، وكأن فنانينا لا يمسون ولا يؤنسنون. الأمهات في أدبنا لا يخطئن، وعلاقة الأخوة لا تشوبها أي شائبة، بينما في أميركا اللاتينية أدب كامل عن معضلات الأخوة. كذلك لا توجد لدينا صحف ساخرة على غرار (كانار أنشينيه) أو (شارل إبدو) في فرنسا مثلا، ذلك لأننا إذا كتبنا عن أي أحد بشيء من الطرافة فكأنما نحط من قدره، علما بأن السخرية هي المحرك الوحيد للتطوير ولرؤية الأشياء من زاوية مغايرة». نجوى بركات لا يخلو أدبها من سخرية، ورغم اعتبارها أن الحرية منقوصة في العالم العربي، تقول: إنها تنعتق وتصبح حرة فقط حينما تكتب. وتضيف: «الأدب الساخر أو المقال الساخر ليس قفشة وإنما خفة ظاهرية تظلل الكثير من الوزن والثقل والثقافة». وتختم «الأدب الساخر، أدب مديني بطبيعته، وحين ينتعش معناه أننا نعيش في مدن حقيقية وفي إطار دولة تؤمن لمواطنيها الحق في الحماية والحرية». وهذا، ربما ما لا يتوفر لنا بعد.

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

إصدار جديد يقارب حصيلة الدراسات الأمازيغية في المغرب
مؤلف يرصد البرلمان المغربي في ظل ثلاثة ملوك
رواية "وجوه يانوس" تقود أول امرأة إلى رئاسة الحكومة…
ديوان شعري أمازيغي يدعم مرضى السرطان الفقراء
أول عدد من "مجلة تكامل للدراسات" يرى النور

اخر الاخبار

جلسة طارئة لمجلس الأمن تطالب بخفض التوتر في سوريا…
حماس تعلن عدد الرهائن الذين قتلوا في حرب غزة
قصف إسرائيلي على مناطق جنوب لبنان بعد هجوم لحزب…
الملك محمد السادس يُهنئ رئيس رومانيا بمناسبة احتفال بلاده…

فن وموسيقى

منى زكي تحتفي بعرض فيلمها "رحلة 404" في هوليوود…
الكويت تسحب الجنسية من الفنان داوود حسين والمطربة نوال
حسين فهمي يكشف تفاصيل تحضيره لمهرجان القاهرة السينمائي في…
سعد لمجرد يُصدر أغنيته الهندية – المغربية الجديدة «هوما…

أخبار النجوم

وفاء عامر تترك مسلسل "سيد الناس" بسبب الإصابة وتستعد…
بشرى تتألق بين الدراما والجوائز مع عودتها في رمضان…
هنا الزاهد توجه رسالة مؤثرة إلى لبلبة
ليلى علوي توجه رسالة دعم لمنى زكي والأخيرة ترد…

رياضة

محمد صلاح يؤكد أن مباراته أمام مان سيتي ستكون…
"الفيفا" يُعلن حصول ملف استضافة السعودية لكأس العالم 2034…
3 لاعبين مغاربة في قائمة المرشحين لجوائز الأفضل لعام…
"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"

صحة وتغذية

إجراء جراحي يعكس أضرار سرطان الساركوما ويعيد استقلالية المرضى
وزير الصحة المغربي يؤكد أنه لا يمكن وضع تشريعات…
السجائر الالكترونية قد تحمل مخاطر صحية غير معروفة
النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

الأخبار الأكثر قراءة