تاج على رأس الطاس

تاج على رأس "الطاس"

المغرب اليوم -

تاج على رأس الطاس

بدر الدين الإدريسي
بقلم: بدر الدين الإدريسي

أقدر الألم الذي يضرب اليوم كل مكونات حسنية أكادير، وقد خاب أملهم في القبض على كأس العرش في ثالث نهائي تلعبه غزالة سوس، لكن يجب أن نعترف بأن حسنية أكادير لم تقدم الأداء الجماعي المتقن والموزون الذي يليق بها كفريق جاب الأدغال الإفريقية، ونجح في كسب معارك كروية ضارية بالأحراش الإفريقية.
كانت حسنية أكادير في اللحظة الحاسمة من زمن الجري وراء اللقب المفقود، بحاجة إلى ما يرتقي بأدائها للمستويات الفنية التي تحقق التميز أو على الأقل الأداء الذي يتطابق مع ممكناتها البشرية، وكانت بحاجة إلى منظومة تكتيكية تستطيع أن تبطل هذا السحر الكروي الذي جاء به الإتحاد البيضاوي، والذي نشر بعضا منه في مباراة الدفاع الجديدي خلال مباراة نصف النهاية، إلا أنها في الموعد التاريخي الذي ما كان يجب أن تخلفه، تأخرت أو أنها أصلا لم تأت، والمسؤول عن ذلك بمطلق الأمانة مدربها الأرجنتيني غاموندي، فهو من وقف عاجزا أمام الوصفة التكتيكية البسيطة في شكلها والمعقدة في جوهرها التي اختارها الإطار التقني مصطفى العسري للاعبيه في هذا النزال التاريخي.
ومقابل هذا الألم الغائر في صدور أبناء الحسنية، هناك فرح عارم تجيش به صدور فعاليات الإتحاد البيضاوي وكل ساكنة الحي المحمدي، فما أنجز اليوم من هؤلاء الفتية يعيد للسطح وللذاكرة الجماعية فريقا بحمولات تاريخية، كنا نظن أنه بفعل قلة اليد وضآلة الموارد وانطفاء شهبه البيضاء في سماء مدينة امتلأت بنيازك الوداد والرجاء، سينمحي برغم انتمائه للحي المحمدي، الحي الذي لا تموت فيه الأساطير، كنا نظن والظن محمول على ما عاشته أندية أسطورية مثل الإتحاد البيضاوي من تفسخ قهري، أن الإتحاد البيضاوي غدا مجرد حكاية قديمة، لولا أنه انتفض من رماده ليخرج من مدافن الهواة، وفي موسم العودة للبطولة الإحترافية الثانية، سيتمكن من تحقيق ما لم تقدر عليه الأجيال الرائعة التي سما بها الإتحاد في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، الفوز باللقب الأول، الفوز بكأس العرش.
 وكما أن هذا اللقب الغالي والفخري الذي هو حلم كل الأندية المغربية، كبيرها وصغيرها، هو ثمرة مجهود خارق بذله مكتب مسير أدمن العيش في الخصاص، كما أدمن الإنتحار يوميا بالوقوف على ناصيات المؤسسات العمومية طلبا لما يعينه على تحمل أعباء البقاء، وهو نتاج كفاح كبير للاعبين مغمورين يريدون أن يكبروا مع أحلامهم، وأخيرا هو أغلى مكافأة لمدرب عصامي سلك بإيمان كبير في القدرات، كل المسالك الوعرة، لتكون له الشخصية التي صنعت للإتحاد البيضاوي هذا النبوغ التقني والتكتيكي، وبه تمكن من تحقيق ما لم يتحقق على مدى سبعة عقود من الزمن.
مصطفى العسري ابن مدينة سلا والمنتمي قلبا وقالبا لفارس الرقراق، قبل أن يمضي جل سنوات مشواره كلاعب مع القوات المساعدة التي أصبحت فيما بعد تسمى شباب المسيرة، سكنه شغف التدريب، ولكنه آل على نفسه إلا أن ينطلق من أسفل المصعد، فمر على كل المدارج وفي كل منها كان يتعلم شيئا ويبني سقفا جديدا للطموح، ما أعياه ولا أرهقه أن يكون تارة مساعدا لأطر تقنية وازنة، و تارة أخرى مدربا لأندية موغلة في الهواية والبساطة، هو رجل لا يرفع رأسه للشاهقات حتى تقطع فيها الحبال، بل كان مؤمنا بأن الخطوة الموزونة و»المرشومة» هي أنجح سبيل لعدم الوقوع في الحفر.
والذي شاهد كيف تخلص الإتحاد البيضاوي من الدفاع الجديدي ومن حسنية أكادير، سيدرك درجة المهارة التي بلغها المدرب مصطفى العسري في تقنية بناء «البلوك» وتحريكه صعودا ونزولا بمنتهى النجاعة والفعالية وبأقل الأخطاء الممكنة في التغطية على المنطقة وحماية الظهر الدفاعي، وإذا كان هناك من يكتفي بالقول بأن العسري عمد لبناء جدارين دفاعيين، ويبخس في ذلك الجهد الخارق الذي يبذل في تصميم الستارين الدفاعيين، وفي إبداع طرق لتحريكهما ا بشكل يعجز المنافس عن إيجاد الحلول لإبطال مفعول هذه الدفاعية المتحركة والذكية، فإنه في واقع الأمر يجني على الإجتهاد الكبير الذي تحلى به العسري ليتقن غاية الإتقان بناء منظومة تكتيكية من هذا الطراز، منظومة تكتيكية تتأسس حقيقة على البلوك الدفاعي، ولكنها تبرز أيضا سعارا هجوميا به احترق الدفاع الجديدي وحسنية أكادير، وبه صعد الإتحاد البيضاوي إلى هام السحاب.
هنيئا للحي المحمدي بأسطورته وهنيئا للإتحاد البيضاوي بلقبه وهنيئا لمصطفى العسري هذه العصامية التي أسس بها شخصية أدخلته التاريخ.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تاج على رأس الطاس تاج على رأس الطاس



GMT 18:30 2020 السبت ,23 أيار / مايو

تأملات في فلك ألعاب القوى المغربية

GMT 10:34 2019 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخيرا أصبحنا نستوعب الدروس

GMT 08:58 2019 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"واشْ عرفْـتوني"

GMT 03:39 2019 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

عناد فوزي لقجع

GMT 16:50 2019 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

شكرا

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 16:56 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل
المغرب اليوم - مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل

GMT 08:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
المغرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
المغرب اليوم - اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 02:13 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تمثال لدبين قطبيين يُثير ذهول عملاء مركز تسوق

GMT 07:35 2016 الأحد ,18 كانون الأول / ديسمبر

أفضل مناطق لسياحة التزلج على الجليد في أوروبا

GMT 14:22 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

زلزال بقوة 3.2 درجة تضرب ولاية "مانيبور" الهندية

GMT 19:58 2020 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أسماك القرش تنهش جثة لاعب كرة قدم في أستراليا

GMT 18:31 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تشابي ألونسو يؤكد جوارديولا سبب رحيلي عن ريال مدريد

GMT 21:58 2019 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لطيفة رأفت تلهب مواقع التواصل الاجتماعي بمظهر جذاب

GMT 19:58 2019 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

دراسة تكشف عن قدرات النمل في علاج نفسه والنباتات

GMT 16:57 2019 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

تأجيل مباراة الرجاء البيضاوي ورجاء بني ملال

GMT 13:23 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

لعبة SPIDER-MAN الأكثر مبيعا داخل اليابان في سبتمبر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib