أبطال فوق السطوح

أبطال فوق السطوح

المغرب اليوم -

أبطال فوق السطوح

بقلم : حسن البصري

حين مات محسن فكري بين فكي شاحنة طحن ونقل النفايات، ممدا وسط كمية الأسماك التي صودرت بأمر من رجل سلطة يبعث في دواخلنا حكاية بوعزيزي تونس الذي أشعل فتيل الحراك العربي، حين قرر محسن الموت بين الحيتان الصغيرة ضدا على قرار الحيتان الكبيرة، تذكرت اللاعب الدولي المغربي عبد الكبير التيسير، الذي اضطر لبيع الأسماء في حي بوركون بعد أن ضاقت به السبل، وتحول إلى بائع متجول يراوغ كل يوم "مخازنية السويقة" وحراس الميناء بحثا عن لقمة عيش شريفة.
وأخفى اللاعب السابق للرجاء والجيش ملامحه، واختار البيع التنكري والتعايش مع الأسماك بعيدًا عن صنف "البوري" الذي يحكم الرياضة، وقبل صلاة الظهر ينزع عنه ملابس الشغل، ويندس وسط مرتادي إحدى مقاهي المدينة القديمة لممارسة لعبة الورق، هنا فقط يمكنك أن تلعب وأن تعرف مصيرك بعد الاعتزال، ومات اللاعب الذي لطالما أحرجه اسمه العائلي، لأنه يبيع وهم "التيسير" والحال أن الرجل عاش بعد اعتزاله الكرة، في مواجهة صريحة للفقر والخصاص، فاختار الانضمام للتشكيلة الرسمية للباعة المتجولين على سبيل الإعارة وهو يسمع كل يوم عبارة "الله يجيب التيسير"، لكن العديد من اللاعبين الدوليين يفكرون في الانضمام لفرق الباعة المتجولين بين الأسواق، رغم أن مكانتهم الاعتبارية تمنعهم من ولوج مهنة تحتاج للياقة بدنية عالية تساعد على خوض مباريات يومية في الكر والفر ضد رجال السلطة.
في سطح منزل بدرب مراكش في المحمدية، يعيش لاعب دولي سابق كان ضمن تشكيلة الفريق الوطني الذي حاز على كأس أفريقيا عام 1976، إبراهيم دلاحي الملقب بـ"كلاوة" يقتات منذ مدة طويلة من كرم الناس الذين لطالما أقاموا للرجل مائدة الرحمن فوق السطوح، بينما تعامل معه المسؤولون كأنه "خم دجاج" يضعون له الأكل بالتقسيط وينتظرون يوم يسمن كي يأكلوا لحمه أو يبيعوه في سوق اللويزية، وفي أفضل الأحوال يستعجلون موته ليقيمون مباراة تأبينية يعلنون فيها وفاءهم للراحل ويشيدون بخصاله وشموخه وقدرته على العيش في الأعالي يقصدون السطوح طبعًا.
وذات يوم زاره رئيس فريق في سطحه المطل على المتلاشيات، وقال له مطمئنا: لا تخشى الموت فلا أحد في وطننا يقضي ليلته من غير عشاء، لكن المشكلة في الفطور والغذاء. قالوا له قدم طلبا إلى رئيس الجامعة ووزير الرياضة وعامل المحمدية والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وجمعية الرفق باللاعبين السابقين، وعززه بشهادة حسن السيرة والسلوك موقعة من طرف مقدم الحي، فتبين أن سلطات المحمدية مكنته ذات يوم من وظيفة مقدم قبل أن تكتشف أنه كان مدافعًا متقدمًا ضمن تشكيلة المنتخب والمحمدية، فصرفت عنه النظر عنه وقرر القائد التعامل معه كمقدم احتياطي.
وعاش اللاعب الدولي السابق موهوب الغزواني فوق السطوح لأعوام، وهو الذي كان من نجوم كأس العالم 1970، غادر السطح ونزل إلى السفح وتوجه إلى مجلس المدينة متأبطًا طلبًا للحصول على رخصة حارس سيارات، وقال له موظف مكتب الضبط مازحًا إن هذه المهنة لا تغني من جوع، وسأله: "لو خيروك بين الفقر والغنى ماذا ستختار"، رد الغزواني بمزحته المعهودة: "اللي تعرفو أحسن من اللي متعرفوش".
وتحالف ضعف حاسة السمع والفقر ضد اللاعب الغزواني، وأصبح يقطع جلساته ليخبر المستمعين بعطب طارئ ناتج عن جهاز الالتقاط، وعندما يعود إلى بيته يخشى تصفح صوره القديمة، حين كان محمولًا على أكتاف الحيتان الكبيرة، فهو من طينة الأشخاص الذين يتوفاهم الله مرة واحدة في العمر لكنهم يموتون مرات عديدة يوميا، في بلد يكافئ أبطاله برفعهم إلى الأعلى أي فوق السطوح.
‏كثير من اللاعبين الدوليين يعانون في صمت من محنة العيش فوق السطوح، لكن اللاعب السابق للطاس والجيش لحسن الريشي أكثر بؤسًا من سابقيه، لأنه يتعايش في سقف بناية مجاورة لملعب الحفرة مع ريش الدجاج الذين يجاوره في السكن، ويقتسم معه شهادة الإقامة، لكن المعضلة الكبرى تكمن في سكن لاعب في قبو فيلا، فيعتقد الناس أنه من علية القوم حين يغادرها خلسة، ومنهم من اشترى كفنا باكتتاب وحجز قبرًا وفقيها وكتب وصية إلى زملائه سكان السطوح والأقبية، يحذرهم من نزلة البرد رغم أنها ليست أشد ألما من نزلة من هودج المجد.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أبطال فوق السطوح أبطال فوق السطوح



GMT 21:55 2016 الخميس ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

قف.. نقطة تفتيش

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:45 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية
المغرب اليوم - أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib