المفتش والمسيح
نادي فيورنتينا يكشف تطورات الحالة الصحية للاعبه إدواردو بوفي الذي تعرض لإصابة مفاجئة خلال مواجهة ضيفه إنتر ميلان الاتحاد الإفريقي لكرة القدم ينعي ضحايا التدافع المميت في مباراة كرة القدم في غينيا ويُقدم تعازيه لأسر المتوفين والاتحاد الغيني حكومة غينيا تُعلن مقتل 56 شخصاً فى حادث تدافع أعقاب احتجاجات المشجعين على قرارات طاقم التحكيم خلال مباراة لكرة القدم شركة الخطوط الجوية النمساوية تُعلن تمديد توقف الرحلات الجوية إلى طهران وتل أبيب حتى 31 يناير المُقبل استشهاد أحد عناصر أمن الدولة اللبنانى جراء استهدافه بصاروخ موجه من طائرة مسيرة إسرائيلية فى النبطية انفجار جسم غريب في في العاصمة السودانية الخرطوم واستمرار الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع وزارة الدفاع الروسية تُعلن قصف عدد من المطارات العسكرية الأوكرانية ومراكز مراقبة للطائرات بدون طيار خلال 24 ساعة اتهام 4 إسرائيليين بينهم ضابط بجيش الاحتلال بالإرهاب بعد مزاعم بأنهم أطلقوا قنابل مضيئة على منزل نتنياهو المرصد السوري يُفيد أن الطيران الروسي شن غارتين جويتين استهدفتا حي السليمانية في مدينة حلب دون ورود معلومات عن خسائر بشرية حجب أغاني الفنانة أنغام على منصة "أنغامي"
أخر الأخبار

المفتش والمسيح

المغرب اليوم -

المفتش والمسيح

ادريس الكنبوري

في رائعته الخالدة "الإخوة كارامازوف" يحكي دوستويفسكي قصة طريفة، سنلخصها سريعا: هبط المسيح ذات يوم في القرن السادس عشر في إشبيلية، حيث كانت محاكم التفتيش تقتل يوميا المئات من البشر، تحت قيادة"المفتش الكبير". وبينما كان يتفقد"خرافه" أمر المفتش الكبير باعتقاله. وفي المساء ذهب إلى زيارته في زنزانته، وقال له: "لقد كنت تقول بأنك ستجعل الناس أحرارا، وها أنت قد رأيتهم كذلك، ولكن هذا كلفنا كثيرا، إلا أننا نجحنا أخيرا في عملنا الذي أنجزناه باسمك، والآن كن واثقا بأن الناس لم يشعروا بأنهم أحرار كما هم اليوم، ومع ذلك، فإنهم يأتون ويضعون حريتهم تحت أقدامنا!".

تصلح هذه القصة اليوم في تفسير الوضع الذي يعيشه المسلمون في الوقت الحالي باسم الدين. فالمفتش الكبير ينفذ جريمته باسم المسيح، بينما هو يعتقله في زنزانة، ويعتبر أن قتل الناس عملية تطهير لهم من المعاصي، لذلك يرى أنه يقوم بتحريرهم منها. أما أنهم يضعون حريتهم تحت قدمي المفتش فلأنهم تطبعوا على العبودية، فلم يعودوا يفهمون العبودية سوى بوصفها خضوعا لسلطان ديني. لكن المفارقة الرئيسية في الحكاية هي أن المفتش يعتقد أنه يحرر البشر، في الوقت الذي يجرد المسيح من حريته، ويؤمن بأنه لم يفعل سوى تنفيذ تعاليمه.

تشبه صورة المفتش الكبير الجماعات المتطرفة التي أصبحت اليوم تتوسل بالسلاح والقتل من أجل انتزاع صفة"الناطق"باسم الدين، والممثل له، زارعة في طريقها الرعب والعنف باسمه. فهي تعتقد بأنها تنطلق في أعمالها من الإسلام، بينما هي تعتقل الدين في زنزانة ضيقة لأنها تحاصره في تفسيرات متشددة، لا ترى شيئا آخر خارجها سواها. وتُعمل آلة القتل في المسلمين ظانة أنها تنفذ الأحكام الشرعية من أجل تحرير البشر من المعاصي، بينما هي تقوم بعمل وحشي مناف للإسلام الذي جاء رحمة للعالمين.

ولأن لكل شيء أصلا، لا بد من التساؤل عن أصول هذا التحول نحو التطرف والعنف داخل الإسلام بالشكل الذي نراه اليوم. لقد شغل عدد من المستشرقين أنفسهم كثيرا بالبحث عن جذور العنف والتشدد داخل الدين نفسه، وذلك من أجل إدانته في مقابل المسيحية التي لخصوها بجرة قلم واحدة في كونها ديانة التسامح، رغم أن هذا ليس صحيحا، وإلا لما كان هناك عصر تنوير في أوروبا وانقلاب على الكنيسة، ولما كتب لوك رسالته الشهيرة في التسامح، التي كانت إنجيل الأنوار. فتراث التنوير في حد ذاته يدين المسيحية كما كانت مطبقة.

لكن في الجانب المسلم، اكتفى العلماء بأمرين: الرد على "مطاعن" المستشرقين بكثير من العاطفة المجردة عن العلم، عدا محاولات قليلة، للإنصاف، والتنقيب في"فقه الاستبداد" للرد على السلطة. ولكون السلطة هي العقدة الرئيسية التي واجهها المسلمون في تاريخهم، خصوصا منذ سقوط الخلافة، غفلوا عن البحث في"فقه العنف" الناتج عن تفسيرات و"تبريرات" النص الدين، متناسين أنه إذا كان هناك فقه استبداد في الأعلى، فلأن ذلك الفقه يتحرك بحرية في الأسفل، وسط المجتمع، في التعليم النظامي وغير النظامي، وفي التراث الفقهي والديني الذي يتم تناقله بين الأجيال، كابرا عن كابر.

ولذلك ليس مفيدا اليوم ـ بعد خراب مالطا كما يقال ـ الاكتفاء بالتذكير بأن الإسلام دين تسامح واعتدال، طالما أن ذلك التراث لا يزال يتحرك بحرية ويمكن لأي جماعة اقتناصه وتبنيه، باسم الدين. لقد كان رواد الإصلاح الإسلامي في بداية القرن الماضي واعين بهذه الحقيقة، ولذلك ركز معظمهم على التربية والتعليم، من خلال إصلاح المناهج في الأزهر والقرويين والزيتونة، ولكن هؤلاء حوربوا من طرف العلماء التقليديين الذين أرادوا الحفاظ على القديم لأنه "من الدين". أراد هؤلاء أن ينجزوا ـ تقريبا ـ ما أنجزه مفكرو التنوير في أوروبا عندما وضعوا "الموسوعة" في عصر ديدرو ودالامبير، للقطع مع مناهج ومعارف متهالكة يمجها العقل وروح العصر.

بيد أن هذه الرغبة لم تمت في صدور العلماء الذين كانوا يرون في الأفق رياحا خريفية قادمة. وقد حاول البعض التصدي لما شاب التراث الديني والفقهي من قضايا كانوا يرون أن لا علاقة لها بالإنسان والحضارة، وبالضرورة لا علاقة لها بروح الإسلام، من أجل تهذيب هذا التراث وتطهيره من الغلو، لكنهم جوبهوا بحرب شرسة شنت عليهم من مختلف الجهات. والمفارقة ـ التي يمكن أن نراها اليوم بعين أخرى ـ أن واحدة من هذه الجهات كانت هي السلطة في العالم العربي، التي تبحث اليوم عن مخرج من هذه الدائرة الجهنمية، وصل مداها إلى انتقاد المدونة الفقهية والعقدية التي تقوم عليها الدولة نفسها في بلد عربي كبير. وعندما أعلن محمد الغزالي في مصر موقفه الصريح من أجزاء من هذا التراث قامت ضده موجة تشهير واتهم بالكفر والزندقة، ومات واقفا وهو يتكلم نتيجة الحسرة.

لهذا كله، يجب أن تكون هناك جرأة صريحة للقول بأن الذين كانوا يتصدون للتجديد باسم الحفاظ على تراث الأجداد دون تمييز، هم الذين مهدوا السبيل للتطرف الديني ولظهور السلفية الجهادية اليوم، من غير أن يدركوا بأنهم يؤسسون لمحاكم التفتيش باسم ذلك التراث، كما اعتقل المفتش الكبير المسيح باسم المسيح نفسه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المفتش والمسيح المفتش والمسيح



GMT 15:55 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

الروس قادمون حقاً

GMT 15:52 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... أخطار الساحة وضرورة الدولة

GMT 15:49 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

زحامٌ على المائدة السورية

GMT 15:47 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

روبيو... ملامح براغماتية للسياسة الأميركية

GMT 15:45 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

سوريا قبل أن يفوت الأوان

GMT 15:43 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

البعد الإقليمي لتنفيذ القرار 1701

GMT 15:40 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

نقمة.. لا نعمة

GMT 15:34 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

ابعد يا شيطان... ابعد يا شيطان

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 18:53 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 20:22 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

بورصة الدار البيضاء تنهئ تداولاتها في أسبوع

GMT 12:28 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الثور السبت26-9-2020

GMT 18:27 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تتمتع بسرعة البديهة وبالقدرة على مناقشة أصعب المواضيع

GMT 12:22 2012 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

رحلة إلى العصور الوسطى في بروغ البلجيكية

GMT 03:39 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

الركراكي يعيد أسماء بارزة لتشكيلة المنتخب المغربي

GMT 09:57 2012 الثلاثاء ,25 أيلول / سبتمبر

مخلفات الويسكي وقود حيوي للسيارات في إسكتلندا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib