اقتحام سياج سبتة يعيد الهجرة إلى الصدارة

اقتحام سياج سبتة يعيد الهجرة إلى الصدارة

المغرب اليوم -

اقتحام سياج سبتة يعيد الهجرة إلى الصدارة

بقلم : ادريس الكنبوري

 اقتحم العشرات من المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين مساء الخميس الماضي مدينة سبتة المحتلة، شمال المغرب، بنية دخول المدينة بالقوة، في تطور مثير لملف الهجرة الذي يقض مضجع الاتحاد الأوروبي منذ مايو الماضي على الأقل، حين اجتمع رؤساء البلدان الأوروبية في قمة بروكسل للبحث عن حلول، في أعقاب قرار الحكومة الإيطالية إغلاق الحدود في وجه السفن المحملة بالمهاجرين.

ووصل عدد المهاجرين الذين اقتحموا السياج العازل للمدينة، الذي يبلغ طوله ثمانية كيلومترات وارتفاعه ستة أمتار، إلى نحو 830 مهاجرا، بعد أن قاموا بقطع الأسلاك الشائكة بواسطة مناشير معدنية، ما نتج عنه حصول مواجهة بين عشرات المهاجرين وقوات الأمن الإسباني، الأمر الذي خلف 132 جريحا بينهم 22 من أفراد الأمن الإسباني. وتعدّ هذه الحادثة الأخطر من نوعها منذ عملية الاقتحام التي حصلت في فبراير من العام الماضي عندما هاجم 850 من المهاجرين الأفارقة سياج المدينة المحتلة ودخلوا المدينة بعد مواجهة مع قوات الحرس الإسباني.

وعادة ما تشهد مواسم الصيف حوادث من هذا النوع على الحدود في المدينتين المحتلتين سبتة ومليلية، إذ يقوم مئات المهاجرين الأفارقة القادمين من بلدان الساحل والصحراء بمحاولات متعددة لدخول المدينتين عبر مختلف الطرق، بيد أن تشديد المراقبة من الجانبين المغربي والإسباني وصعوبة عبور الأسلاك المعدنية الشائكة يحول بينهم وبين تحقيق أهدافهم، الأمر الذي يضطرهم في بعض الحالات إلى استعمال القوة والهجوم على نقاط المراقبة الأمنية. وينتظر هؤلاء المهاجرون لمدة أشهر طويلة في غابات مجاورة للمدينتين المحتلتين، قرب الناظور وتطوان وطنجة، للظفر بفرصة القفز نحو المنطقة التابعة لإسبانيا.

وضاعفت أحداث الخميس الماضي قلق السلطات الإسبانية من قضية الهجرة غير الشرعية، إذ تزامن حادث الاقتحام مع التدفق الكثير للمهاجرين الأفارقة عبر السواحل المغربية نحو ساحل منطقة الأندلس على متن زوارق خشبية، حيث ذكر الحرس المدني الإسباني أن الأسبوع الماضي شهد أكبر موجة للمهاجرين الأفارقة والمغاربيين، ووصل عدد هؤلاء إلى 334 شخصا الثلاثاء الماضي، ليرتفع العدد في اليوم التالي إلى 399 شخصا، بينما كان مجموع الزوارق التي تم اعتراضها 20 زورقا. وأمام هذا الوضع غير المسبوق أعلنت مراكز الإيواء المقامة ببعض المدن القريبة من السواحل المطلة على المتوسط عن عدم قدرتها على استقبال الأعداد المتتالية من المهاجرين نظرا لامتلائها عن آخرها، ما دفع وزيرة العمل والأمن الاجتماعي ماغدالينا فاليريو إلى الإعلان عن وضع مخطط استعجالي واتخاذ إجراءات سريعة بهدف الإيواء للمهاجرين الجدد.

وتعتبر إسبانيا الهجرة واحدة من أكبر المعضلات التي تواجهها انطلاقا من الضفة الجنوبية للمتوسط، وتشكو من عدم تعاون الاتحاد الأوروبي. ومنذ أن أغلقت إيطاليا حدودها في مايو الماضي ورفضت استقبال سفينة أكواريوس التي كان على متنها 630 مهاجرا أفريقيا صار المهاجرون غير الشرعيين يتوجهون ناحية السواحل الإسبانية. ويوم الخميس الماضي وصف وزير الخارجية جوزيف بوريل أزمة الهجرة بكونها “أزمة أخطر من أزمة اليورو”، وانتقد قرار الحكومة الإيطالية بإغلاق حدودها في وجه المهاجرين السريين وعدم استقبالهم، مطالبا الاتحاد الأوروبي بوضع سياسة للهجرة طويلة الأمد تأخذ بعين الاعتبار حالة إسبانيا القريبة من السواحل المغربية، وتوزيع المهاجرين الذين يدخلون التراب الإسباني على البلدان الأوروبية الأخرى.

منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان في إسبانيا تنتقد سياسة مدريد في موضوع الهجرة، وتدعو إلى إجراءات أكثر إنسانية بل اللجوء إلى الطرد أو إغلاق الحدود

غير أن هناك منظمات للمجتمع المدني وحقوق الإنسان في إسبانيا تنتقد سياسة مدريد في موضوع الهجرة، وتدعو إلى إجراءات أكثر إنسانية بل اللجوء إلى الطرد أو إغلاق الحدود في وجه الزوارق التي تتدفق على السواحل الإسبانية، مما يعرض المهاجرين للخطر. وفي يونيو الماضي أعلن رئيس الحكومة الاشتراكي بيدرو سانشيز، في أول مقابلة صحافية بعد توليه السلطة على إثر الإطاحة بماريانو راخوي عن الحزب الشعبي اليميني في التماس رقابة بالبرلمان، عزمه إزالة الأسلاك الشائكة المحيطة بالسياج العازل في مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، لأنها تشكل مساسا بحقوق الإنسان، لكنه مقابل ذلك أكد بأن مدريد لن تفتح الحدود، إلا أنها ستعمل على تدبير تدفق المهاجرين بطريقة أفضل.

ولا يعد الوضع جديدا على مستوى سبتة ومليلية، فمنذ سنوات طويلة ومشكل عبور الأفارقة لسياجات المدينتين يطرح نفسه على طاولة المباحثات بين الرباط ومدريد. ومثلت سنة 2005 بداية بروز هذه المعضلة بين البلدين بشكل أقوى، بعد أن أصبح الأفارقة القادمون من بلدان الساحل يختارون المغرب نقطة عبور نحو أوروبا. إذ في خريف تلك السنة حصل أول اقتحام من نوعه للمهاجرين الأفارقة لسياج مليلية المحتلة، زاد عددهم على 600 شخص، اضطرت معه إسبانيا إلى استعمال القوة، ما خلف مقتل خمسة مهاجرين وجرح أكثر من مئة.

وتبادل الطرفان، المغرب وإسبانيا، الاتهامات حول مقتل المهاجرين الخمسة، لكن الرباط سارعت إلى فتح تحقيق تحت إشراف المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان (المجلس الوطني لحقوق الإنسان حاليا)، أعدَّ على إثره هذا الأخير تقريرا حادا في خمسين صفحة، انتقد فيه السياسة الأوروبية في مجال الهجرة، وعزا عملية الاقتحام وتدفق المهاجرين نحو أوروبا إلى فشل الاتفاقيات المبرمة بين الاتحاد الأوروبي وبلدان الجنوب، وإخفاق مسلسل برشلونة الأوروـ متوسطي الذي كان قد عقد عاما قبل تلك الأحداث، وحمل وعودا أوروبية كثيرة للضفة الجنوبية.

وفي الوقت الذي تحاول فيه مدريد تحميل المغرب جزءا من المسؤولية في علميات الاقتحام التي تحصل في المدينتين المحتلتين، تشكو الرباط من أنها لا تتلقى الدعم الكافي، بناء على الاتفاقيات الثنائية مع مدريد أو المشتركة مع بلدان الاتحاد الأوروبي. وفي الأسبوع الماضي وجهت الرباط قائمة بالمساعدات اللوجستية المطلوبة لمكافحة موجة الهجرة غير الشرعية، حولتها مدريد إلى بروكسيل.

غير أن كل تلك الإجراءات لن تكون كافية للتصدي لظاهرة أصبحت ذات حجم أكبر وتشكل عقدة بين الشمال والجنوب. ففي ظل الأوضاع التي تعيشها البلدان الأفريقية، وغياب المشاريع التنموية والمخططات الاقتصادية المساعدة على الإقلاع وتوفير العمل للمواطنين، سيظل هؤلاء ينظرون إلى أوروبا بوصفها حلما.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اقتحام سياج سبتة يعيد الهجرة إلى الصدارة اقتحام سياج سبتة يعيد الهجرة إلى الصدارة



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 08:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
المغرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:14 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 18:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 14:11 2015 السبت ,23 أيار / مايو

العمران تهيئ تجزئة سكنية بدون ترخيص

GMT 17:38 2022 السبت ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه الذهب يسجل رقماً قياسياً لأول مرة في مصر

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب

GMT 15:12 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

عمران فهمي يتوج بدوري بلجيكا للمواي تاي

GMT 08:03 2018 الأربعاء ,14 آذار/ مارس

ما الذي سيقدمه "الأسطورة" في رمضان 2018؟

GMT 20:50 2018 السبت ,24 شباط / فبراير

خفيفي يعترف بصعوبة مواجهة جمعية سلا

GMT 17:06 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

وليد الكرتي جاهز للمشاركة في الديربي البيضاوي

GMT 06:59 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

كليروايت تغزو السجادة الحمراء بتشكيلة متميزة

GMT 17:54 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

الفالح يُعلن أهمية استمرار إجراءات خفض إنتاج الخام

GMT 19:57 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

مهرجان أسوان لأفلام المرأة يفتح باب التسجيل بشكل رسمي

GMT 05:45 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

ابتكار روبوت مصغر يتم زراعته في الجسم

GMT 23:06 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

مشروع الوداد يؤخر تعاقده مع غوركوف
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib