ماكرون الكنيسة والعلمانية والإسلام الفرنسي

ماكرون.. الكنيسة والعلمانية والإسلام الفرنسي

المغرب اليوم -

ماكرون الكنيسة والعلمانية والإسلام الفرنسي

بقلم - ادريس الكنبوري

ظهور تيارات إسلامية متطرفة في أوروبا تنادي برفض العلمانية، شكل التربة التي ستنمو فيها أشكال التشدد المقابلة.

رمى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حجرا كبيرا في بركة الكاثوليكية في فرنسا بدعوته إلى إصلاح العلاقة بين الدولة والكنيسة وفتح حوار بينهما، وكان ذلك في خطابه الطويل الذي ألقاه أمام المئات من القساوسة الفرنسيين الاثنين الماضي، مدشنا بذلك حقبة جديدة في تاريخ الكنيسة والدولة منذ أن اعتمدت الدولة الفرنسية في العام 1905 القانون الشهير حول الفصل بين الطرفين، وتكريس عدم تدخل الدولة في الشؤون الدينية والتزام الحياد.

لعب ماكرون في ذلك الخطاب دور المرشد الذي سيعيد ترميم العلاقة المهزوزة بين الدولة الفرنسية والكنيسة، منتقدا الطبقة السياسية التي أهملت الفئات الكاثوليكية، حسب تعبيره، أو جعلت منها مجرد خزان انتخابي للتوظيف في المناسبات السياسية، أو تعاملت معها باعتبارها “أقلية مناضلة” لكنها تسيء إلى “الإجماع الجمهوري”.

ولم يكتف بتلك الإشارات التي فجرت وابلا من ردود الفعل الساخطة أو المرحبة، بل دعا الكنيسة الكاثوليكية إلى القيام بدور سياسي فاعل، مهاجما أولئك الذين يعتبرون أن دورها الأساسي هو الانكباب على القضايا الاجتماعية والاهتمام بـ“الآلام” الموجودة في المجتمع.

لقيت هذه التصريحات أصداء متباينة في المجتمع الفرنسي وفي البلدان الأوروبية الأخرى، حتى أن الكثير من أحزاب اليسار والأحزاب التي تنادي بتطوير العلمانية اتهمت الرئيس الفرنسي بالتآمر على العلمانية كمشروع حضاري وإطار مشترك للتعايش. وقد اعتبر هؤلاء أن ماكرون بدأ في هز عرش العلمانية الذي استقرت عليه طويلا. مواقف ماكرون لا تبدو مفاجئة أو معزولة عن السياق العام داخل فرنسا.

ففي الانتخابات الأخيرة، التي فاز فيها ماكرون كوجه جديد في ظل شعور عام بضرورة التغيير، ظهر صوت الكاثوليك على الساحة السياسية بشكل غير مسبوق، ممثلا في بعض الأحزاب السياسية التي تنهل من الخطاب السياسي للكنيسة، وهو ما أعطى إشارات قوية بأن التعبيرات الدينية المسيحية بدأت في العودة إلى الاستعمال السياسي اليومي، مرفوقة بحالة من القلق حول مستقبل الكنيسة والديانة الكاثوليكية في البلاد، في ظل زحف ما سمّاه البعض “القيم العلمانية” التي تتعارض مع الجذور الفرنسية.

بدأت ظاهرة عودة الكنيسة إلى واجهة النقاش العمومي في فرنسا قبل سنوات عدة، وتحديدا لدى النقاش الوطني الذي فتح في عهد الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، حول “الهوية الوطنية” عام 2009، حيث أثيرت وقتها قضايا الخصوصية الوطنية والوعي الوطني والشعور الوطني، وعلاقة كل ذلك بالتاريخ والدين واللغة.

 وبرزت شريحة واسعة من المثقفين والسياسيين والرأي العام تنادي باستعادة الأصول المسيحية للدولة والمجتمع، وعدم السماح للعلمانية بالقضاء على الإرث الروحي للمسيحية. وعكس المفكر الفرنسي المثير للجدل ميشيل أونفري هذا النقاش في كتابه الصادر العام الماضي تحت عنوان “الانهيار، من بن لادن إلى يسوع: حياة الغرب وموته”، حيث عالج فيه موت الحضارة الغربية بفعل هيمنة الفردانية والفراغ الروحي، وفهم الكثيرون من الكتاب دعوة مبطّنة إلى إعادة بعث القيم المسيحية التي كانت في أصل نشأة الفكرة الأوروبية.

بيد أن قانون العام 1905، المؤطر للعلمانية الفرنسية، لم ينجُ هو نفسه من الانتقاد والمطالبة بإعادة النظر الجذرية فيه، وإن من منطلقات متباينة بين مختلف التيارات، وقد طالب البعض بتجديد صياغته بحيث يساير حالة التعددية الدينية التي أصبحت موجودة في البلاد، الأمر الذي لم يكن موجودا لدى وضع القانون المذكور قبل أكثر من قرن من الزمن. ولكن الأساسي في كل تلك النقاشات التي ركزت على إعادة النظر في ذلك القانون أن هذا الأخير لم يعد مقدسا كما كان عليه الحال في الماضي، وكان هذا يعني أن العلاقات التقليدية التي سادت بين الدولة والكنيسة باتت تحتاج إلى تصحيح.

النقاش الذي يدور في فرنسا حول مكانة الإسلام والمسلمين، ووضع ماكرون لمخطط جديد من أجل إعادة تنظيم وهيكلة الإسلام الفرنسي، لعب دورا كبيرا في حلحلة الكنيسة التي باتت تشعر بأنها تتحرك في مجتمع قد تصبح فيه ناطقة باسم أقلية مهددة بالزوال مستقبلا.

 ويتعين الاعتراف بأن التطرف الديني في العالم الإسلامي وانعكاساته على أوضاع المسلمين في فرنسا، دفعا بالكنيسة إلى التأمل في وضعيتها داخل المجتمع والبحث عن منفذ للانخراط في الجدل السياسي. شكل ظهور بعض التيارات الإسلامية المتطرفة في أوروبا التي تنادي برفض العلمانية وإنشاء أحزاب دينية في مجتمعات أوروبية ذات العلمانية العريقة، التربة التي ستنمو فيها مختلف أشكال التشدد في الأطراف المقابلة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماكرون الكنيسة والعلمانية والإسلام الفرنسي ماكرون الكنيسة والعلمانية والإسلام الفرنسي



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:51 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

شهر حزيران تميمة حظ لمواليد برج السرطان

GMT 13:31 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

السفير المغربي سمير الدهر يتعرض إلى السرقة في حي يسيشيكو

GMT 19:54 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

والد حمزة منديل يرفض الرد على اتصالات نجله

GMT 02:43 2015 الإثنين ,14 أيلول / سبتمبر

حلى الزبادي بالأوريو

GMT 08:36 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

شركة "تسلا" تبني مصنعًا لإنتاج السيارات الأجنبية في الصين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib