أكثر من مجرد بروتوكول

أكثر من مجرد بروتوكول

المغرب اليوم -

أكثر من مجرد بروتوكول

بقلم - توفيق بو عشرين

يقول عبد الله العروي، في الجزء الرابع من مذكراته «خواطر الصباح»: «إن علال الفاسي لم يكن يقبل يد الملك… كذلك يلاحظ أن اليوسفي لا يقبل يد الملك الجديد، فيما الوزراء الشبان يقبلون يد الملك مرتين. تنتعش المخزنية بتجدد الأجيال، حيث تكثر المنافسة»…

هذه الملاحظة الصغيرة من مؤرخ كبير تتكرر كل سنة بمناسبة عيد العرش وحفل الولاء، وما يعقبهما من طقوس عتيقة مازالت صامدة إلى الآن رغم أن كثيرين ينتقدونها ويشتكون جمودها في السر.

ملاحظة العروي يمكن سحبها على أغلبية الطبقة السياسية اليوم. أتطلع إلى الوزراء الشباب في هذه الحكومة والحكومة التي سبقتها وكبار المسؤولين، مدنيين وعسكريين، سياسيين وتقنوقراط، وأرى أن جلهم يستشهد بالخطب الملكية في كل كلمة يقولها، حتى وإن كانت المناسبة لا تستدعي ذلك. إنهم يرون أنفسهم في اختبار دائم وفي حفل ولاء مستمر.

سألت العارفين بالطقوس المرعية: «هل مازال في القصر من يطلب من الوزراء وكبار المسؤولين الالتزام بمدونة سلوك بروتوكولي؟»، فقالوا لي: «لا أحد يقوم بهذه الوظيفة كما كان يفعل مولاي حفيظ العلوي ومولاي امحمد العلوي والقايد مرجان… إنه التقليد وسلطته، والخوف وآثاره، والمحافظة وجمودها. النخبة تجتهد في جعل الملك الدستوري سلطانا وإماما لا تقام صلاة ولا صوم ولا تجارة ولا عمل ولا نشاط دون استحضاره، ودون أخذ رأيه، ودون طلب إذنه. هذا يبعدنا عن الملك الدستوري العصري الذي يحتكم إلى الدستور وأصول الحكم العصري. هل الاتجاه العام للتاريخ مع المنطق الأول أم مع المنطق الثاني؟ القصور محافظة بطبيعتها، ولا ينتظر أن تعلن في بلاغ رسمي تغيير طقوسها وأعرافها وتقاليدها، حتى المرهقة منها.. هذه وظيفة النخب العصرية والمجتمعات المتحررة.

كيف يصبح الشيوخ أكثر «حداثة» وانفتاحا وعصرنة من شباب العصر وشباب الأنترنت وجيل التحديث؟ المسألة ليست ثقافية فقط وإن كان للثقافة دور. السر في المصلحة وفي حب السلطة، وفي الهرولة دون ضوابط نحو هذه السلطة.

ليس عيبا أن تكون للشباب طموحات سياسية ومادية ورمزية. ليس عيبا أن يسعى المواطنون إلى السلطة لأنها أداة للتغيير والفعل والتأثير، واكتساب الوجاهة والمال في المجتمع، لكن بشرط أن يضع هؤلاء أمامهم ضوابط لهذه العملية، وأول هذه الضوابط هو كرامتهم، وثانيها، خدمة المصلحة العامة، وثالثها، سلوك درب الاستحقاق والكفاءة، والاحتكام إلى صندوق الاقتراع، وربط المسؤولية بالمحاسبة. ثم تأتي المكاسب الشخصية الأخرى تباعا؛ المال والجاه والشهرة والاعتبار… هذه هي أصول الممارسة السياسية الحديثة. كاذب ومنافق من يقول إن الإنسان يمارس السياسة بمنطق صوفي ولوجه الله والمصلحة العامة فقط، دون نوازع أخرى، مادية ورمزية. هذا تصور مثالي غير موجود على أرض الواقع. الإنسان ينتمي إلى حزب أو مؤسسة أو وزارة أو مجلس بلدي أو برلمان من أجل أن يخدم المصلحة العامة والمصلحة الخاصة معا. العيب هو في ترتيب المصلحتين لا في الاعتراف بهما. الوصول إلى المصلحة الخاصة يجب أن يتم وجوبا عبر طريق المصلحة العامة، وإذا تعارض الأمران فيجب تقديم العام على الخاص، ثم إن السعي إلى السلطة يجب أن يستحضر العصر وقيمه وضروراته.

في مذكرات العروي الأخيرة إشارات كثيرة وإضاءات متعددة حول سبل تحديث نظامنا السياسي، وإزالة عباءة التقليد الجامد الذي عطل البلاد لقرون، وهو إذ يحفر في علاقة الملك بالتقاليد، وعلاقة المغاربة بالمواطنة، والأحزاب بالدستور، والداخل بالخارج، فلكي يضع الجميع أمام المرآة التي لا يريد الكثيرون أن يروا وجوههم فيها. خطاب العرش الأخير حمل رسائل كثيرة من الملك إلى الأحزاب، وأهمها أن القصر تعب من جل الأحزاب التي صارت عبئا عليه وعلى البلاد، ولولا لعبة ميزان القوى، الذي يعد من ثوابت النظام السياسي المغربي، لطلق الملك جل الأحزاب التي أصبحت دكاكين سياسية حقيقية، على حد وصف ناصر الزفزافي، الذي أكد خطاب العرش رأيه فيها وحكمه عليها.المؤ

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أكثر من مجرد بروتوكول أكثر من مجرد بروتوكول



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 12:48 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الميزان السبت 26-9-2020

GMT 11:52 2020 السبت ,07 آذار/ مارس

تشكيل الوداد لمواجهة النجم الساحلي

GMT 04:35 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

إليكم أفضل الأماكن في لبنان لهواة رياضة ركوب الشواطيء

GMT 12:34 2019 الخميس ,13 حزيران / يونيو

موزيلا ستطرح نسخة مدفوعة من فايرفوكس

GMT 01:29 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

10 صنادل مميّزة تكمل أناقة الرجل العصري في 2019

GMT 19:33 2019 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

بايرن ميونخ يفقد أحد أسلحته أمام بريمن
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib