تمرين معقد

تمرين معقد

المغرب اليوم -

تمرين معقد

بقلم - توفيق بو عشرين

تمرين معقد ذلك الذي سيدخله الملك ونواب الأمة اليوم بمناسبة افتتاح الدورة الجديدة للبرلمان.

ملك انتقد النخبة السياسية بكل طبقاتها الحزبية والوزارية والتمثيلية والإدارية وقال لها: «أنا لا أفهم كيف يستطيع أي مسؤول، لا يقوم بواجبه، أن يخرج من بيته، ويستقل سيارته، ويقف في الضوء الأحمر، وينظر إلى الناس، دون خجل ولا حياء، وهو يعلم بأنهم يعرفون بأنه ليس له ضمير»، وأضاف بلغة عارية من المجاملات «أمام هذا الوضع، فمن الحق المواطن أن يتساءل: ما الجدوى من وجود المؤسسات، وإجراء الانتخابات، وتعيين الحكومة والوزراء، والولاة والعمال، والسفراء والقناصلة…». بعد كل هذا الجلد للطبقة السياسية والإدارية في خطاب العرش، كيف ستجلس الحكومة والبرلمان وكبار مسؤولي الدولة ويضعون عيونهم في عيون الملك، وكأن شيء لم يقع.

شيء لم يتغير منذ شهرين ونصف على إعلان الجالس على العرش عن إفلاس السياسة في بلاده، وعن وجود أزمة عميقة بين الدولة والشعب، أزمة لم تنفجر في الرباط أو البيضاء أو طنجة أو مراكش أو اكادير، بل انفجرت في الحسيمة، عاصمة الريف…

باستثناء إنزال إلياس العماري من قيادة حزب الجرار، والتخلص من شباط وتنصيب حمدي ولد الرشيد كمرجع ومرشد للأمين العام الجديد، وتكليف المجلس الأعلى للحسابات لتعميق البحث حول اختلالات مشروع منارة المتوسط، لم يعرف المشهد السياسي أي تغيير يذكر في مستوى التشخيص الذي قام به الملك لأحوال مملكته…

لندقق في المشهد السياسي البئيس لبلادنا… على رأس الحكومة رئيس يقول بعد أقل من خمسة أشهر على تسلمه مفاتيح الحكومة، إنه مستعد للاستقالة من منصبه إذا كانت الحكومة ستتسبب في انشقاق حزبه. رئيس حكومة مازال يختبئ وراء ظهر بنكيران ليقول إن كل شيء تم بموافقة هذا الأخير، وعلى رأس مجلس النواب شخص لا يستحق الكرسي الذي يجلس عليه، لأنه أُعطي له هدية على مساهمة حزبه في جريمة البلوكاج، بعد أن حصلت الوردة الذابلة على 20 مقعدا فقط، وعلى رأس مجلس المستشارين يساري متقاعد من البام لا يعرف مستقبله، ولا مستقبل حزبه الغارق في أتون حرب الإخوة الأعداء، الذين تفرغوا هذا الصيف لجرد ممتلكات بعضهم البعض، والوقوف على خارطة الإكراميات والغنائم التي استفادوا منها خلال الثماني سنوات التي مضت على تأسيس حزب البام…

هكذا يبدو مشهد الثلاثة الذين يشغلون المواقع التنفيذية والتشريعية الأهم في المملكة، أما الأحزاب فإنها كلها مريضة مع تفاوت في خطورة مرض كل واحد منها، والبداية من الحزب الأول الذي يعيش على إيقاع الفتنة الكبرى التي ضربته بعد الانقلاب السياسي على نتائج الاقتراع، وبعد أن قبل حزب المصباح بيع أصوات الناخبين بالتقسيط في شبابيك وزارات تافهة لا تقدم ولا تؤخر، عادة تصاب الأحزاب بالنكبة بعد خسارتها للانتخابات، أما حزب العدالة والتنمية فأصيب بالنكبة بعد فوزه في انتخابات شتنبر 2015 وأكتوبر 2016، لأن قادته لم يعرفوا كيف يحافظون على هذا النصر مثل الرجال، وها هم يبكون على ما ضاع منهم مثل النساء على حد تعبير أم محمد بن عبد الله الصغيرة، التي قالت له لما ضيع ملكه في غرناطة: «لا تبكي مثل النساء على ملك لم تعرف كيف تحافظ عليه مثل الرجال».

الحزب الثاني مجازا في مجلس النواب، هو الأصالة والمعاصرة، فقد البوصلة بعد إقالة رئيسه الذي تفرغ لكتابة الخواطر في الفايسبوك، هذا الحزب مهدد بالحل وإعادة الإدماج في حزب الأحرار لأن الغرض من تأسيسه لم يتحقق، ولأن استمراره في الساحة السياسية يعتبر أكبر وقود للمصباح، الذي قاد زعيمه عبدالإله بنكيران حربا شاملة عليه تحت راية محاربة التحكم. وها نحن نرى أن نوابه 105 لا يحضرون إلى البرلمان، ولا يقدمون ولا يؤخرون، في الوقت الذي يلعب فيه فريق العدالة والتنمية دور المساندة والمعارضة في البرلمان! فيما أحزاب الأحرار والحركة الشعبية والاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي مثل حليب الحمارة لا ينفع ولا يضر.

أفضل حزب إداري في مغرب اليوم، لا يزيد على أن يكون آلة انتخابية، تشتغل مرة كل خمس سنوات، فيما تغيب عن التأطير السياسي والفكري والاجتماعي والاقتصادي طوال الخمس سنوات، مفسحة مجال التأطير الثقافي والفكري للحركات الدينية المعتدلة والمتطرفة من جهة، ولنشاط المراكز الثقافية الفرنسية من جهة أخرى!.

ماذا بقي.. آه النقابات، إنها كائنات تقاوم الانقراض وتطلب من الدولة أن تقيم لها محميات طبيعية حتى لا تصبح في خبر كان. إذ كلما ضعفت أكثر ازداد صراخها أكثر، وآخر نعش دقته الحكومة السابقة في نعشها هو اقتطاع أيام الإضراب من أجرة الموظفين، فأصبح النقابي مرادفا لطائر يبحث عما ينقب لا أكثر…

نرجع ونقول إن النخبة الحزبية والنقابية ليست وحدها مسؤولة عن كساد بضاعة السياسة في هذه البلاد، بل هناك أيضا مسؤولية كبيرة للسلطة التي ترى في قوة النخبة ضعفا لها وتضع النخبة في قفص صغير، وتطلب منها أن تحقق المعجزات بدون ديمقراطية، ولا حرية، ولا قبول بالتعددية. فالعبيد لا أوطان لهم، ولا قرار لهم… البلاد مثل باخرة أضاعت وجهتها، وهي متروكة لحركة المد والجزر. هناك مشكلة في البلاد، مشكلة بوصلة ورؤية ومشروع للمستقبل، والباقي تفاصيل وحواشي على متن غائب، أو ضبابي على أفضل تقدير…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تمرين معقد تمرين معقد



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:33 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
المغرب اليوم - أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 16:17 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"القوس" في كانون الأول 2019

GMT 21:52 2019 السبت ,03 آب / أغسطس

"الفيل الأزرق 2" يعيد قوة موسم الصيف

GMT 16:19 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

انتبه لمصالحك المهنية جيداً

GMT 14:20 2019 السبت ,29 حزيران / يونيو

طارق مصطفى يساند المنتخب أمام ساحل العاج

GMT 00:51 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

إسعاد يونس تعدّد صفات شريف مدكور برسالة دعم

GMT 09:39 2019 السبت ,06 إبريل / نيسان

أفضل الطرق لتسريحات الشعر الكيرلي في المنزل

GMT 05:32 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

قطر تُقرر مقاطعة نجوم " روتانا " بسبب الأزمة الخليجية

GMT 03:41 2015 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

ستيفن كاري يشيد بجهود ليونيل ميسي مع "برشلونة" في الدوري

GMT 01:31 2018 الإثنين ,31 كانون الأول / ديسمبر

أحمد صلاح حسني يشيد بشخصيته في مسلسل "أبواب الشك"

GMT 18:51 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الديكورات الفرنسية الكلاسيكية لمنزل أكثر أناقة

GMT 14:23 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

ميلان الإيطالي يبدأ التفاوض مع لاعب تشيلسي فابريغاس
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib