هل ضميرك مرتاح

هل ضميرك مرتاح؟

المغرب اليوم -

هل ضميرك مرتاح

بقلم : توفيق بو عشرين

ليس هذا هو النصر الذي كان الزعيم، رجب طيب أردوغان، يحلم به. نسبة 51,4% ‏ من الأصوات، التي عبرت عن نعم إزاء تغيير طبيعة النظام من جمهوري إلى رئاسي، تعطي حاكم تركيا المبرر القانوني لتغيير نظام الحكم، والذهاب في مشروعه لجمع السلطات في يد واحدة، لكنها لا تعطي الزعيم شرعية سياسية كبيرة لصناعة لحظة توافق وطني حول دستور البلاد، الذي يلعب دورا أكبر من توزيع الصلاحيات بين المؤسسات، فالدستور يرسي، قبل هذا وذاك، قواعد العقد الاجتماعي الذي يجمع كل أبناء البلد، ويجد الجميع فيه نفسه بغض النظر عن توجهه السياسي أو مذهبه الإيديولوجي… هذا لم يحصل مع نازلة الاستفتاء الأخير في تركيا.

نعم، هناك مليون و378 ألف صوت من الفرق بين «نعم» و«لا»، التي حصلت على نسبة 48.6% وعلى 23 مليونا و775 ألف صوت، ‏ لكننا لسنا إزاء انتخابات عادية، ولا استفتاء روتيني.. نحن أمام لحظة فارقة في عمر الدولة التركية التي تأسست قبل 100 سنة، ونظام وضع أسسه أبو الدولة التركية الحديثة، أتاتورك، سنة 1922 تحت اسم: «تشكيلات أساس»، وأقر الطابع البرلماني للحكم، الذي يوزع السلطة بين رئاسة البلد ورئاسة الوزراء، ويقيم توازنا بين البرلمان والحكومة، ويعطي قيمة أكبر للأحزاب السياسية، ويجعل رئيس الدولة رمزا غير حزبي فوق الجميع ليلعب دور الحكم، حتى وإن لم تكن له سلط فعلية.

في كأس هذا الفوز السياسي لأردوغان على خصومه نقرأ، في الجانب المملوء منها، أن الزعيم التركي، ابن حارة أحمد باشا، مازال يتوفر على شعبية مهمة في بلاده رغم مرور 15 سنة على وصوله إلى السلطة، وأنه خاض حملة ذكية وشرسة استعمل فيها الهوية الوطنية والاستهداف الخارجي ضد أوروبا لاستثارة المشاعر الوطنية، وتوجيهها للدفاع عن ملف ضعيف من حيث المرتكزات التي يقوم عليها، وقد نجح في الحصول على 51% من الأصوات. أيضا، يمكن أن نرى في نسبة المشاركة المرتفعة في الاستفتاء (85.4 %) دليلا على ثقة الناس في نزاهة نظامهم الانتخابي، وعلى أن الشعب التركي مازال قادرا على حسم أكبر الخلافات بين أبنائه، وإن كانت من حجم طبيعة نظام الدولة، بآليات سلمية متحضرة بفارق 1,4٪‏ من الأصوات وليس 99,99٪‏، كما هو الأمر في العالم العربي المنكوب ديمقراطيا، وهذا مكسب لجميع الأتراك، من ربح الاستفتاء ومن خسره، في منطقة أزمات سائلة ومعقدة.

لكن، إذا تطلعنا إلى النصف الفارغ من كأس هذا الاستفتاء، نرى أن أردوغان ربح رهان السلطة، لكنه خسر صورة الزعيم المسلم الديمقراطي، الذي يقدم نموذجا عالميا لتصالح الإسلاميين الأتراك مع النظام الديمقراطي العصري. لاحظوا أن أردوغان وحزبه خسرا الاستفتاء في معقليهم الكبيرين، اسطنبول، التي تضم 20% من سكان البلد، وأنقرة عاصمة البلاد، والمدينتان معا تعتبران خزانين انتخابيين كبيرين لحزب المصباح. هذا معناه أن «زبناء» أردوغان قبل خصومه لم يوافقوه، ولم يروا جدوى معقولة من تغيير النظام البرلماني، وإعطاء شخص واحد سلطا كبيرة في دولة مركزية وليست فدرالية، كما هي الولايات المتحدة الأمريكية. طبعا، أردوغان يتحجج بضرورة تسريع الإصلاحات الكبرى في البلاد، ومواجهة المؤامرات التي تحيط بتجربته في الداخل والخارج، لكنه ينسى أن الذي حمى أردوغان وحمى النظام الديمقراطي في صيف السنة الماضية من الانقلاب هو الشعب، الذي نزل عاري الصدر إلى الشارع للتصدي لدبابات الجيش وطائرات F 16، التي كانت تضرب بالصواريخ في شوارع وحارات اسطنبول، وأن حزب العدالة والتنمية يقود الحكومة وهو مع حليفه في الحركة القومية يمتلكان أكثر من 60% من مقاعد البرلمان، وأنه يستطيع تمرير أي قرار أو مشروع. ومادام أردوغان بهذه الزعامة كلها، فهو لا يحتاج إلى تعديل الدستور بعدما أعاد تفصيل كرسي الرئيس على مقاسه، إذن، يبقى أن هناك ميلا إلى الاستفراد بالقرار، والمس بالطابع الليبرالي للنظام، حتى وإن احترم شكليات القواعد الديمقراطية، التي لا تختزل في صناديق الاقتراع، بل يقوم جوهرها على مبادئ متكاملة منها: الفصل بين السلط، واحترام حرية التعبير والصحافة، واستقلالية القضاء، وتعددية الأحزاب، والتوازن بين الدولة والمجتمع.

صحيح أن أردوغان قاد بلاده إلى نجاحات اقتصادية كبيرة، وضاعف معدل دخل الفرد ثلاث مرات في 12 سنة، ووضع مشروعا كبيرا للنهوض بالدولة، التي تجر خلفها إرثا إمبراطوريا كبيرا، لا يخفي أردوغان حلم بعثه من جديد، بطرق جديدة، لكن المشروع الذي يتوقف إنجاحه على فرد واحد ليس مشروع أمة بل حلم فرد، والمشروع الوطني، الذي يقوض النظام الديمقراطي الذي جاء به إلى السلطة، لا يمكن أن يحقق أهدافه مهما علا بريقه… أردوغان اليوم، وبسبب استفراده بالقرار وإقصاء الشخصيات الوازنة من حوله، مثل عبد الله غول وداود أوغلو وآخرين ممن عارضوا أحلامه السلطانية، يتجه إلى نموذج بوتين، الذي يأخذ من الديمقراطية آلياتها الشكلية ويرمي جوهرها الليبرالي، وهذا لا يصنع زعامات حديثة بل سلطويات عتيقة… إحدى الصحف التركية عنونت صدر صفحتها يوم أمس بسؤال إلى أردوغان فكتبت: «ها أنت فزت في الاستفتاء، فهل ضميرك مرتاح؟»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل ضميرك مرتاح هل ضميرك مرتاح



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:33 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
المغرب اليوم - أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة

GMT 12:48 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الميزان السبت 26-9-2020

GMT 11:52 2020 السبت ,07 آذار/ مارس

تشكيل الوداد لمواجهة النجم الساحلي

GMT 04:35 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

إليكم أفضل الأماكن في لبنان لهواة رياضة ركوب الشواطيء

GMT 12:34 2019 الخميس ,13 حزيران / يونيو

موزيلا ستطرح نسخة مدفوعة من فايرفوكس

GMT 01:29 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

10 صنادل مميّزة تكمل أناقة الرجل العصري في 2019

GMT 19:33 2019 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

بايرن ميونخ يفقد أحد أسلحته أمام بريمن
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib