صيف الغضب في الريف

صيف الغضب في الريف

المغرب اليوم -

صيف الغضب في الريف

بقلم : توفيق بو عشرين

وحدهم المرضى والعجزة وقطط  لم يخرجوا يوم الخميس من بيوتهم  للتظاهر في الحسيمة ضدا على تصريحات العثماني وحلفائه في الحكومة الذين اتهموا شباب الريف بالسعي للانفصال  وتلقي اموال من الخارج… اما الباقي فقد هرولوا خلف ناصر الزفزافي مرددين شعار (باي باي زمن الطاعة هذا زمن الممانعة ) هكذا وصف احد المتظاهرين الاستجابة الواسعة  لدعوات الاحتجاجات على الحكومة ودكاكينها السياسية …

في مدينة لا يتجاوز عدد سكانها 140 الف ( الحسيمة 56 الف امزورن 33 الف بني بوعياش 27 الف تارخيست 13 الاف اجدير 5000 ) خرج اكثر من 60 الف مواطن يرفعون اصواتهم بالاحتجاج على الدولة التي حرضت العثماني ولشكر والطلابي العلمي وخالد الناصري وساجد، للوقوف امام كاميرات تلفزة العرايشي، وصب الزيت على النار باتهام مواطنين مغاربة بالانفصال والعمالة للخارج، قبل ان يدرك رئيس الحكومة انه ورّط نفسه في مقاربة بليدة ،فيرجع للحديث في المجلس الحكومي عن تفهم الحكومة لمطالب الريفيين وحقهم في التظاهر السلمي …لكن بعد ماذا ؟ بعد ان وقعت تصريحات الاغلبية كالفأس على الرأس …

نجح شباب انتفاضة الريف الاجتماعية في تنظيم تظاهرة حاشدة وسلمية جابت شوارع الحسيمة وانتهت بخطاب للزفزافي في ساحة محمد السادس، رغم حدته فانه لم تخرج عن المسموح به قانونيا وسياسيا في منطقة مجروحة تاريخيا بسبب اخطاء نظام الحسن الثاني الذي اصاب نفوس الريفيين الحساسية بجراح لم تندمل، يوم اطلق عليهم النار في بداية الاستقلال من الطائرات، ويوم اطلق عليهن لسانه السليط ووصفهم بالاوباش في بداية الثمانينات …

لكن السلطة كانت ( ذكية )  عندما انسحبت من شوارع الحسيمة  قبل ساعة من انطلاق الحراك، ولم تسع للتصدي له بالقوة، بعد ان تاكدت ان  الحسيمة كلها تقف خلف الشباب الذين يقودون التظاهرات، وان الجميع اكتسب ثقافة التظاهر السلمي وثقافة المطالبة بالحقوق …

ثم ماذا بعد؟ لا احد لديه جواب على هذا السوال، الدولة حائرة، ولم تعثر على طريقة لتهدئة نفوس الناس، الذي رفعوا شعارا قاسيا يعكس نظرتهم للدولة يقول ( هي كلمة واحدة الدولة فاسدة ) في المقابل اصدقاء الزفزافي لا يفكرون سوى في توسيع رقعة الحراك وتجذير مطالبه وحمايته من الاختراق ، واول امس اقسموا في الساحة المطلة على البحر الابيض المتوسط على ان لا يساوموا او يخونون او يبيعوا قضيتهم ولو على حساب حياتهم…

ناصر الزفزافي ليس فقط الرمز رقم واحد لحراك الريف، هو اكثر من هذا رمز لملايين الشباب الذي يجلسون اليوم في القاع الاجتماعي للكتلة الحرجة للشباب، فقائد الحراك  اليوم في الحسيمة عاطل عن العمل كمئات الالاف من الشباب،  لم يكمل دراسته حيث حملته موجة الهدر المدرسي بعيدا عن القسم،  حيث منعه الفقر من الحصول على شهادة الباكالوريا، فغادر طاولة التعليم  في السنة الثانية ثانوي، وذهب الى مدرسة الحياة يبحث عن رزقه ويربي الغضب والحقد على دولة الاستقلال ،عندما يستمع المراقب لخطب وتصريحات الزفزافي  ويتأمل في القاموس المستعمل من قبله والخطاب التحريضي الذي يستعمله للترافع حول قضيته يخرج بأربع سمات :

اولها استعمال خطاب المظلومية التاريخية التي يشعر بها سكان الريف الذين لم ياخذوا حقهم في مغرب الاستقلال، ويصل بهم الغضب الى مقارنة  زمن الاستعمار بزمن الاستقلال على ما في المقارنة من تجني على الحقيقة ، انهم يرفعون اصواتهم عاليا لاثارة الانتباه اليهم ، والى الاهتمام بهم، والى الوقوف على معاناتهم، التي ليست بالضرورة اسوء من معاناة فئات اخرى في المغرب اكثر تهميشا وفقرا من الريف، لهذا يلعب الزفزافي على صورة واعلام وذاكرة مولاي امحند ( محمد بن عبد الكريم الخطابي) ويرتقي به الى صفوة صحابة الرسول (ص ) عندما يتبع كل نطق باسم الخطابي  بعبارة (رضي الله عنه وأرضاه) … الزفزافي يحتمي برمز تاريخي لانه يفتقد الى رمز  في حاضر، ويجعل من الخطابي (حسين الشيعة)  الذي يجسد ملحمة سياسية ودينية ملهمة الى اليوم  .

ثانيا : يستعمل الزفزافي  ورقة التهميش والحكرة والهشاشة الاجتماعية التي يعيش فيها الريف ،الذي تحمل تظاهراته اليوم شعار : جوج بحورة وعايشين عيشة مقهورة …انه خطاب يسار السبعينات الذي يستعمل المطالَب الاجتماعية للتوسيع رقعة الاحتجاج  السياسي ولربط النضال بحاجيات الناس الاساسية، الحراك اليوم يحاكم سياسة الاوراش التنموية التي لا تصل فواكهها الى موائد الفقراء …

ثالثا : يستعمل الزفزافي ايضا خطابا جديدا في الريف هو الخطاب الديني حيث ظلت الحركات الاجتماعية والسياسية مقتصرة طيلة العقود الماضية على ادبيات  اليسار الجذري الذي كان يحتكر منصة الخطابة والتعبئة في المدارس والجمعيات وفي الشارع، الزفزافي اليوم يدخل آيات القران الكريم واحاديث النبي وقاموس الاسلام، في نقد السلطة وفي تعبئة الجماهير، معلنا عن تغير ايديولوجي وفكري كبير وشط شباب الريف المسيس .

رابعا: اضافة الى استعمال ورقة الدين يوظف حراك الريف الانتماء العرقي واللغوي  لكن بحذر شديد، مخافة فقدان تعاطف مواطني الداخل، الذين يتهيبون من النزعات العرقية المتطرفة، ولهذا نرى أعلام  (جمهورية الخطابي ) ولافتات الحرف الامازيغي تجوب الشوارع لتحفيز الشعور الثقافي المحلي، وشحن حركة الاحتجاج بمفعول هذا السحر، فرغم ان الحراك تعرض لنقد شديد لانه لا يستعمل الاعلام الوطنية، فانه ظل متشبثا باعلامه الخاصة ضنا منه ان العلم الاحمر بالنجمة الخضراء هو علم المخزن وليس علم الشعب !

خامسا : ولكي يكتمل طاجين الحراك، فلابد من استعمال النقد الشديد للدولة، ولرموزها وهكذا راينا ان الزفزافي لا يقف عند نقد الوالي اليعقوبي، ورئيس الجهة العماري ،ورئيس الحكومة العثماني، بل يمتد نقده الى النظام (المخزني)  و رموز المحيط الملكي، لان غيفارا الريف يريد من جهة اظهار شجاعته لمخاطبيه ويريد ان يبرر زعامته للشباب ، ومن جهة اخرى ليقول الزفزافي لمن يسمعه ان الريف ان الحكومة لا تحكم في كل شيء ولهذا لكي يصعد للضغط اكثر على الدولة لتلبية مطالب الحراك ..

حراك الريف اقل من ثورة واكبر من احتجاجات اجتماعية انها محاكمة قاسية للدولة وللأحزاب وللنخب ولسياسات عمرها اكبر من عمر الزفزافي …

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صيف الغضب في الريف صيف الغضب في الريف



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:33 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
المغرب اليوم - أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة

GMT 12:48 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الميزان السبت 26-9-2020

GMT 11:52 2020 السبت ,07 آذار/ مارس

تشكيل الوداد لمواجهة النجم الساحلي

GMT 04:35 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

إليكم أفضل الأماكن في لبنان لهواة رياضة ركوب الشواطيء

GMT 12:34 2019 الخميس ,13 حزيران / يونيو

موزيلا ستطرح نسخة مدفوعة من فايرفوكس

GMT 01:29 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

10 صنادل مميّزة تكمل أناقة الرجل العصري في 2019

GMT 19:33 2019 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

بايرن ميونخ يفقد أحد أسلحته أمام بريمن
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib