الدستور من الشوكلاطة

الدستور من الشوكلاطة

المغرب اليوم -

الدستور من الشوكلاطة

بقلم - توفيق بو عشرين

مع دستور2011 تحولنا من سؤال من يحكم؟ إلى سؤال كيف يحكم؟… هذا الانتقال من السؤال الأول إلى السؤال الثاني، حل عقدة كان عمرها حوالي نصف قرن، منذ وضع الملك الراحل الحسن الثاني دستور 1962 بمفرده، وبدون اعتبار لشركائه في الأحزاب الوطنية، ودون اهتمام لا بفصل السلط ولا بتعاونها، ولا بإشراك الشعب في اختيار من يحكم.

ظلت عقدة التوافق على توزيع السلط في الدستور واقفة بالباب إلى أن جاء دستور 1996، فحلت جزئيا بنعم سياسية، قالها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ثم جاءت نعم أخرى هذه المرة دستورية مع وثيقة 2011، حيث أشرك الملك محمد السادس لجنة ملكية لصياغة الدستور في سابقة من نوعها في تاريخ وضع الدساتير، وأوصى عاهل البلاد هذه اللجنة  بالاستماع إلى جميع الفرقاء السياسيين والاجتماعيين المدنيين والحقوقيين بمن فيهم الشباب الذين خرجوا في 20 فبراير للشارع يطالبون بجيل جديد من الإصلاحات…

دستور 2011، ورغم تقدمه على دساتير الحسن الثاني الأربعة 1962، 1972، 1992، 1996، فإن حظه كان سيئا للغاية، حيث لم يجد نخبا سياسية متشبعة بالفكرة الدستورية، ومؤمنة بحيوية التعاقد المكتوب لقيادة تجربة جديدة للانتقال الديمقراطي، بعد فشل الأولى التي جمعت الحسن الثاني وعبدالرحمان اليوسفي. الذين طالبوا بالدستور الجديد ظلوا في الشارع، والذين كانوا قانعين بالدستور القديم وجدوا أنفسهم في جبة كبيرة على مقاسهم وعلى أحلامهم، وضاعت لحظة الإصلاحات الدستورية في وسط الزحام على السلطة، وعلى البقاء تحت الأضواء في رحاب الحكم…

حكومة عبدالإله بنكيران المنتهية ولايتها لم تتمكن من تنزيل الدستور على الأرض، وأخفقت ليس فقط، في تأويل الدستور ديمقراطيا كما شاع، بل فشلت في تطبيق الدستور حتى دون تأويل ديمقراطي… منذ اليوم الأول لم يشكل احترام الدستور همًّا لعبدالإله بنكيران. كانت له ولرفيقه الراحل عبدالله بها مقاربة أخرى مختلفة تماما، مقاربة تتمثل في تطبيع علاقات الحزب الإسلامي مع القصر، وإقناع الملك بالاشتغال مع قوى الإصلاح الجديدة التي لا تنازع الأمر أهله، وكان بنكيران يغمض العين على تجاوز الدستور الذي لم يكن متحمسا له منذ البداية، واعتبره أحيانا جبة أكبر من جسم المغاربة. كانت لدى حكومة بنكيران قوة تفاوضية كبيرة لم تستعملها، مراهنة على العلاقات الشخصية، وعلى  اكتساب الثقة، وعلى الزمن الذي لم يكن في صالح أحد…

بين الفينة والأخرى كان بنكيران ينتفض ويخرج عن القواعد المرعية التي كانت تجبر الوزراء الأولين  على إغلاق أفواههم أو الرحيل من الحكومة. مرة قال بنكيران: “إن في المغرب دولتين، واحدة يعرف من يقودها، والثانية لا يعرف من يديرها”، تعبيرا منه عن ازدواجية السلطة الناتجة عن عدم احترام منطوق الدستور. ومرة قال (إن تطبيق الدستور ليس من صلاحياتي وحدي)، في إشارة إلى مسؤولية كل المؤسسات الأخرى المعنية بتطبيق النص الدستوري. ومرة أعلن عن رفضه لنظرية (إلي بغا سيدي علي يبغيه بقلالشو)… هذا الأسلوب الذي يسميه المغاربة (كُوي وبوخ) نفع بنكيران في الاحتفاظ بشعبيته في الشارع، لكنه لم ينفع البناء المؤسساتي للبلد، ولا التجربة الديمقراطية الهشة فيه، التي تعرضت لانتكاسة يوم 8 أكتوبر، حيث ظهرت بوادر الانقلاب الناعم على نتائج الاقتراع التي حملت العدالة والتنمية إلى المرتبة الأولى. وهكذا دارت الرحى وكان أول ضحاياها هو بنكيران نفسه، الذي (لم يوقف البيضة في الطاس) يوم رأى أن البلاد تسير بدستور 1996، وليس بدستور 2011…

حكومة العثماني التي تعتبر ثمرة لمسلسل التراجع عن القوس الذي فتح في 2011، لا تتوفر على أي قوة تفاوضية لتطبيق الدستور الجديد، بما هو تعاقد على هندسة جديدة للسلط، والصلاحيات، وللقرار العمومي، همّ هذه الحكومة الأول هو أن تستمر في مكاتبها، حتى إن تعرضت للتقريع، كما حدث في خطاب العرش، حيث سحب الملك ثقته منها، ومن جل أطياف الحقل الحزبي… إنها حكومة ترتجف، وسقفها نازل، لأن تركيبتها مختلة، وسياقها مضطرب، وآمال الناس فيها قليلة جدا…

السلطة من جهتها وأمام ضعف المشهد الحزبي وترهل النخب، وزوال ضغط الشارع مدت رجليها إلى أقصى حد، ورجعنا إلى النظام القديم، وإلى العادات القديمة دون انتباه، إلا أن النظام القديم هو المسؤول عن كل الأعطاب التي تكبل رجلي المملكة اليوم، وتجعلها في المرتبة 124 في سلم التنمية، تعاني في شتى الميادين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والدبلوماسية، وهي – البلاد- تدور في حلقة مفرغة بدعوى انتقال أصلح دائما، وآمال لم تعد تغري أحدا لتصديقها…

وإن القوة الحقيقية في كل نظام تكمن في بناء المؤسسات، وتوازن السلط، وفِي التقدم المطرد إلى الأمام، وفِي الحد من شهوة السلطة، يقول مثال إنجليزي: (ليس القوة أن تكسر لوحة من الشوكلاطة، بل القوة أن تفتح علبة شوكلاطة كاملة، ولا تأكل منها إلا قطعة صغيرة).

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدستور من الشوكلاطة الدستور من الشوكلاطة



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:33 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
المغرب اليوم - أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 16:17 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"القوس" في كانون الأول 2019

GMT 21:52 2019 السبت ,03 آب / أغسطس

"الفيل الأزرق 2" يعيد قوة موسم الصيف

GMT 16:19 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

انتبه لمصالحك المهنية جيداً

GMT 14:20 2019 السبت ,29 حزيران / يونيو

طارق مصطفى يساند المنتخب أمام ساحل العاج

GMT 00:51 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

إسعاد يونس تعدّد صفات شريف مدكور برسالة دعم

GMT 09:39 2019 السبت ,06 إبريل / نيسان

أفضل الطرق لتسريحات الشعر الكيرلي في المنزل

GMT 05:32 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

قطر تُقرر مقاطعة نجوم " روتانا " بسبب الأزمة الخليجية

GMT 03:41 2015 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

ستيفن كاري يشيد بجهود ليونيل ميسي مع "برشلونة" في الدوري

GMT 01:31 2018 الإثنين ,31 كانون الأول / ديسمبر

أحمد صلاح حسني يشيد بشخصيته في مسلسل "أبواب الشك"

GMT 18:51 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الديكورات الفرنسية الكلاسيكية لمنزل أكثر أناقة

GMT 14:23 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

ميلان الإيطالي يبدأ التفاوض مع لاعب تشيلسي فابريغاس
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib