صوت العقل

صوت العقل

المغرب اليوم -

صوت العقل

بقلم : توفيق بو عشرين

اعتقلت السلطات، مساء أمس، قائد حراك الريف ناصر الزفزافي، لكنها (أفرجت ) عن موجة من الاحتجاجات اجتاحت مدنا كثيرة في المملكة، من الحسيمة إلى الناظور والرباط والبيضاء وطنجة وفاس وتزنيت وبني ملال والفنيدق والقصر الكبير وبركان، وباريس ومدريد وأمستردام… تظاهرات تذكر بما وقع قبل ستة سنوات، عندما خرج الشباب في 20 فبراير 2011 يرفعون لائحة من المطالَب، في مقدمتها الانتقال من الملكية التنفيذية إلى الملكية البرلمانية.
 
الفرق الآن؟ بين 20 فبراير وحراك الريف، أن الأولى كانت سياسية والثانية اجتماعية، والأولى لم يكن لها قائد، وهذه لها رمز، الأولى وجدت حزبا سياسيا، مثل العدالة والتنمية بقيادة بنكيران حاول أن يمتص روح حركة 20 فبراير، وأن يدخل مطالبها في عرض سياسي حمل عنوان “الإصلاح في ظل الاستقرار”، أما الآن فالسلطة تواجه حراك الريف لوحدها بدون أحزاب ولا نقابات ولا وسطاء، والعرض الأساسي الموضوع على الطاولة هو العرض الأمني والقانون الجنائي وبعض الدعاية في وسائل الإعلام الصديقة… أما حكومة العثماني فغائبة تماما، تتابع ما يجري في الشارع المغربي وكانها حكومة أجنبية، طبعا هذا لم يفاجئ أحدا ولم يصدم لا أهل الريف، ولا أهل المدن الداخلية، فالجميع يعرف مواطن الضعف في الحكومة، والجميع يعرف أنها لا تمتلك الجرأة لكي تمسك بدفة إدارة ازمة كبيرة مثل أزمة حراك الريف …

اعتقال الزفزافي سيحوله من قائد لحراك الريف محل جدل بين مؤيد ومعارض، إلى معتقل سياسي، ورمز للمطالبة بالكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، ولن يلتفت أحد بعد الآن إلى عيوب خطاب الزفزافي القابع وراء القضبان، ولن يحاسبه أحد على أخطاء قام بها، وهو يدافع عن ملف مشروع بوسائل سلمية …لهذا، نلفت انتباه أصحاب القرار إلى أن الاعتقالات والمحاكمات ليست هي الحل لأزمة لا يظهر فيها للدولة سوى الجزء الصغير من جبل الثلج، أما الباقي فإنه تحت الماء، ينتظر الفرصة ليخرج سواء بمبررات اجتماعية أو قتصادية أو حقوقية.

هل من المنطقي أن تخرج عشرات المظاهرات والآلاف المواطنين في يوم واحد، وفي مدن مختلفة أشهرا فقط بعد الانتخابات، التي من المفروض أنها تشكل – الانتخابات- مناسبة يختار فيها المواطنون من يمثلهم، ومن يدافع عنهم، ومن ينطق باسمهم، ومن يحمل مطالبهم إلى أصحاب القرار؟! والحال أن كل هذه المهام تبخرت بعد الالتفاف على نتائج الاقتراع، وإخراج حكومة لا تمثل أحدا، ولهذا خرج الريف للشارع ليتظاهر دون توقف لمدة ستة أشهر، لأنه تعرض لأكبر خدعة سياسية عندما سمحت السلطة لحزب البام بأن يستولي على جل الأصوات فيه، وأن يحتل رئاسة الجهة، ورئاسة المجلس البلدي، ورئاسة جل الجماعات القروية هناك، في حين أنه حزب إداري لا يمثل شيء لا في الريف ولا في غيره، وهو نفسه مشكلة وليس حلا، ولهذا قال السوسيولوجي محمد الناجي عن هذه الواقعة: “انتظرت الدولة صعود البام في الريف فصعد لها الزفزافي”.

إن حراك الريف وتداعياته السياسية والاجتماعية في مختلف مدن المملكة ولدى قطاعات واسعة من الرأي العام يجب أن يقرأ جيدا وبعيدا القراءات (البوليسية)، فهو حراك اجتماعي بخلفية سياسية، وهو تعبير من المواطنين عن فقدان الأمل في الحكومة، وفي السياسة، وفي مؤسسات التمثيل والوساطة، وهو ثالث (أي الحراك)، تعبير عن الفراغ السياسي الذي خلقه البلوكاج وما تبعه من ألاعيب سياسية للالتفاف حول نتائج الاقتراع، وبعض مكاسب الربيع المغربي، التي تبخرت في مدة وجيزة …

من مسؤوليات الجميع، في الدولة والمجتمع، الحفاظ على السلم الأهلي والاستقرار، والحفاظ على سلامة الأنفس والممتلكات هذا لا جدال فيه، لكن هذه المهمة الكبيرة لا يصنعها وكلاء الملك، ولا قوات التدخل السريع، ولا وزير الداخلية، ولا خطب الأئمة في المساجد، هذه المهمة موكولة لعقلاء المملكة أولا، وللسياسة ثانيا، السياسة بما هي إدارة عادلة ومتوازنة للسلطة والثروة، هدفها خلق الإحساس بالانتماء إلى الوطن والاطمئنان على المستقبل والإحساس بالمساواة أمام القانون وإمام فرص العيش الكريم. من هنا يجب البدأ، أما اعتقال الزفزافي ومنع التظاهرات، فهذا أمر سهل ويسير، لكنه لن يحل الأزمة، ولن يعبر بالبلد إلى شاطئ الأمان

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صوت العقل صوت العقل



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:33 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
المغرب اليوم - أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة

GMT 12:48 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الميزان السبت 26-9-2020

GMT 11:52 2020 السبت ,07 آذار/ مارس

تشكيل الوداد لمواجهة النجم الساحلي

GMT 04:35 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

إليكم أفضل الأماكن في لبنان لهواة رياضة ركوب الشواطيء

GMT 12:34 2019 الخميس ,13 حزيران / يونيو

موزيلا ستطرح نسخة مدفوعة من فايرفوكس

GMT 01:29 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

10 صنادل مميّزة تكمل أناقة الرجل العصري في 2019

GMT 19:33 2019 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

بايرن ميونخ يفقد أحد أسلحته أمام بريمن
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib