الزلزال لا يبعث الموتى

الزلزال لا يبعث الموتى

المغرب اليوم -

الزلزال لا يبعث الموتى

بقلم - توفيق بو عشرين

العملية السياسية التي ولدت، بعد انتخابات السابع من أكتوبر 2016، ماتت، وإليكم شهادة الوفاة.

اعترف سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، في اجتماع برلمان حزبه، بأن الجهات التي كانت تحارب سلفه بنكيران هي نفسها التي تحاربه اليوم، وهي نفسها التي تشوش على عمل الحكومة، وأن هذه القوى لم تستسلم، ولم ترفع الراية البيضاء، وأن حزب العدالة والتنمية ليست له أوهام، ومادام يمشي على نهج الإصلاح الديمقراطي، فإن الجهات نفسها ستستمر في محاربته… العثماني لا يقصد، طبعا، الحزب الوحيد الجالس على مقاعد المعارضة، والذي لا يعارض شيئا، ولا يقصد النقابات التي لم تعد تهش ولا تنش، ولا يقصد جماعة العدل والإحسان التي لا تعتبر الحكومة جزءا من الحكم أصلا، ولا تتوجه إليها بأي مطلب… من يقصد رئيس حكومتنا بـ«الجهات التي تحارب الحكومة الإصلاحية»، وهو الذي جيء به إلى رئاسة الحكومة ليشكل بديلا عن بنكيران ونهجه وأسلوبه وطريقة ممارسته السياسة، وها هو اليوم يضع في فمه كلمات بنكيران، ويرمي بها إلى كل من يهمه الأمر؟

العثماني يقصد بالجهات التي تحاربه ما كان يسميه بنكيران عفاريت وتماسيح، أو ما كان يلقبه عبد الرحمان اليوسفي بمراكز مناهضة الإصلاح… وهذا معناه أننا رجعنا إلى ازدواجية السلطة نفسها التي كان يتحدث عنها بنكيران بصراحة غير معهودة، والآن يتحدث عنها العثماني بالإشارة، وفي كل الأحوال فإننا لانزال في المأزق نفسه والنفق نفسه.

هذا التصريح الذي جاء على لسان العثماني في المجلس الوطني للحزب ليس للاستهلاك الإعلامي، وليس للمزايدة السياسية، بل هو إحدى خلاصات تسعة أشهر من الجلوس في قاطرة الحكومة… وهو دليل على فشل العملية السياسية التي ولدت بعد السابع من أكتوبر، وهذا ربما ما يفسر أشياء كثيرة، منها تأخر التعديل الحكومي، ومنها تعدد مراكز القرار في وسط الحكومة، ومنها غياب التواصل المستمر بين أطراف القرار في البلد.

إليكم دليلا ثانيا عن وفاة العملية السياسية في “أجمل بلد في العالم”.. الانتخابات موجودة لاختيار من يحكم، والأحزاب موجودة لاختيار من يمثل الشعب، والبرلمان موجود ليعبر عن مطالب الجمهور، والحكومة موجودة لخدمة السكان، والنقابات موجودة لتنظيم العمال والموظفين، وتقنين الاحتجاجات لتوليد الضغط داخل المؤسسات وليس خارجها… كل هذا معطل في بلادنا اليوم، وكل هذه المؤسسات موضوعة على هامش الفعل الاجتماعي بالمغرب في هذه اللحظة. الناس اليوم، في الريف وجرادة وزاكورة ووطاط الحاج والناظور وغيرها، يقصدون الشارع، بعفوية ويأس دون تأطير ولا وساطة ولا تقنين، للمطالبة بحقوقهم عبر المظاهرات والشعارات والمطالب المكتوبة في اللوحات… هذا معناه أن كل مؤسسات التمثيل السياسي والاجتماعي والاقتصادي لا تشتغل، وأن المغربي فقد الثقة في ممثله الجماعي والجهوي والبرلماني والحكومي والنقابي والحزبي، وحتى المدني، وأصبح في وضع «أخذ الحق بالبيد»، دون المرور بأي مؤسسة أو عملية سياسية أو أطر منظمة، وهذا خطره لا يخفى على لبيب.

لا توجد دولة تحكم شعبا مباشرة دون مؤسسات، ودون المرور عبر قنوات التنظيم والتأطير… هذا دليل ثالث على موت العملية السياسية.

الأحزاب المغربية كلها أصبحت اليوم على هامش الحياة السياسية، وكلها تعيش أزمة «بطالة سياسية». العدالة والتنمية تحول نصره الانتخابي إلى هزيمة في الحكومة، وها هو القائد الجديد للحزب يبحث عن مخرج لإقناع القواعد بأنه يسير على طريق سلفه. الأصالة والمعاصرة أصبح مثل الكلب الضال، لا يعرف كيف يرجع إلى صاحبه، ولا يقدر على إقناع صاحب جديد بتبنيه. الاستقلال طرد شباط من قيادته، وجاء بأمين عام يتصرف كتقنوقراطي في حزب سياسي، وينتظر المبادرة أن تأتيه من الأعلى، أما حزب الأحرار فإنه يلعب في التوقيت الميت للسياسة، ويتصور أن المال يصنع الزعامة، وأن الشركة يمكن أن تعوض الحزب، وأن التواصل يمكن أن يغطي غياب المشروع. أما الاتحاد الاشتراكي، فإنه صار يتيما لا يعيش دون كفيل، وأصبح يناضل يوميا من أجل مشروع «نسيان الماضي» الذي يثقل كاهل الحاضر. باقي الأحزاب إما صغير لا تأثير له، أو طفيلي ضرره أكبر من نفعه… هل بمثل هذا المشهد الحزبي سيتم تأطير المواطنين، وتنشيط الحياة السياسية، وتقديم عروض جديدة للجيل الجديد؟ الزلزال السياسي، الذي اقترحه الملك محمد السادس طريقة لإعادة إحياء العملية السياسية عن طريق الصعقة الكهربائية، كان آخر محاولة لإنقاذ العملية السياسية التي أصيبت بالسكتة القلبية، لكن يبدو أن المحاولة لم تنجح، وأنه حتى الزلزال لا يمكن أن يبعث الموتى، أو أن يرد الروح إلى الجثث الباردة.
يقول غرامشي في وصف حالة عاشتها بلاده إيطاليا قبل حوالي قرن: «القديم يموت والجديد لم يولد بعد».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الزلزال لا يبعث الموتى الزلزال لا يبعث الموتى



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 12:48 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الميزان السبت 26-9-2020

GMT 11:52 2020 السبت ,07 آذار/ مارس

تشكيل الوداد لمواجهة النجم الساحلي

GMT 04:35 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

إليكم أفضل الأماكن في لبنان لهواة رياضة ركوب الشواطيء

GMT 12:34 2019 الخميس ,13 حزيران / يونيو

موزيلا ستطرح نسخة مدفوعة من فايرفوكس

GMT 01:29 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

10 صنادل مميّزة تكمل أناقة الرجل العصري في 2019

GMT 19:33 2019 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

بايرن ميونخ يفقد أحد أسلحته أمام بريمن
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib