ديمقراطية دون ديمقراطيين

ديمقراطية دون ديمقراطيين

المغرب اليوم -

ديمقراطية دون ديمقراطيين

بقلم : توفيق بو عشرين

بعيدا عن البوليميك السياسي ومناورات البازار الوزاري، المفتوح هذه الأيام في بورصة الأحزاب التي أصيب جلها بالدوار والدوخة، فلا هي قادرة على تحديد موقف من المشاركة في حكومة بنكيران، ولا هي قادرة على اختيار مقعد للمعارضة… بعيدا عن يوميات السياسة الراهنة، يمكن تأمل زلزال السابع من أكتوبر، الذي غير الخريطة الانتخابية والسياسية إلى حد كبير، وأنهى نسبيا مع لعبة التوازنات الحزبية القديمة، حيث كانت الدولة تعمد دائما إلى بلقنة المشهد الحزبي ومحاربة الأحزاب الكبرى، فلأول مرة حصل حزبان على أغلبية كبيرة في مجلس النواب (العادلة والتنمية حصل على 125 مقعد،ا فيما حصل البام على 102). هذا لم يحصل من قبل، ولأول مرة يهزم حزب سياسي النظام الانتخابي مرتين في سنة واحدة (سنة 2015 فاز البيجيدي في الانتخابات الجماعية برئاسة مجالس المدن المهمة في المملكة، وفي 2016 حصل على المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية، وزاد 18 مقعدا على ما كان في حوزته من أرقام)، رغم أن النظام الانتخابي موجود لتكسير عظام الأحزاب الكبرى، وامتصاص الأصوات التي تحصل عليها بتقنية أكبر بقية. ولأول مرة يحصل رئيس حكومة على ولاية ثانية، أو قل فرصة جديدة لتشكيل حكومة ثانية بعد نهاية الأولى، بكل ما صاحبها من سوء فهم ومن حروب ظاهرة وخفية، ولأول مرة في تاريخ الاستحقاقات الانتخابية يفوز حزب بأكثر من 1.8 مليون صوت في الانتخابات التشريعية (شخصيا، لا أصدق أرقام وزارة الداخلية البايتة)، رغم اعتماد اللائحة الانتخابية، ورغم منع المصباح من التواصل الحر مع المواطنين، ولأول مرة يمارس حزب في الحكومة شبه معارضة للدولة العميقة، ويتحدث زعيمه مع الناس بصراحة، ويلعب على المكشوف (أحد الأخطاء القاتلة التي وقف عندها المهدي بنبركة في الاختيار الثوري أن أحزاب الحركة الوطنية كانت تخوض الصراع بعيدا عن الجماهير). لأول مرة في تاريخ الانتخابات يفوز حزب، تجندت الداخلية لمحاربته، بـ125 مقعدا في الانتخابات، وتعطاه الفرصة لتشكيل حكومة ثانية بعيدا على السيناريو الذي رسمه الدهاقنة في الظلام، وتوفرت له كل الإمكانات لينجح، لكنه فشل على صخرة الوعي الشعبي. لأول مرة في تاريخ المغرب يجري تجنيد «انكشارية إعلامية» كاملة، بصحفها ومجلاتها وإذاعاتها وتلفزاتها ومواقعها ومدونيها، تفرغت لمدة خمس سنوات كاملة، بإمكانات مادية كبيرة، لصناعة الأكاذيب، ونشر الإشاعات، ونهش الأعراض، وكل ذلك لضرب مصداقية حزب قانوني وملكي، ولا تتعارض أسسه مع طبيعة النظام. ومع شراسة هذه الحرب القذرة، يربح هذا الحزب 500 ألف صوت زيادة على ما كان في حوزته سنة 2011، ويخرج حاملا قميص المظلومية الذي ساعده على الانتصار الحاسم يوم السابع من أكتوبر. لأول مرة يفوز حزب كان يقود الحكومة بعدد وافر من المقاعد على أساس حملة انتخابية رفعت شعار: «مواجهة التحكم»، فيختار الناس التصويت سياسيا وليس خبزيا. لأول مرة يتخذ رئيس حكومة قرارات لاشعبية ثم لا يتعرض للتصويت العقابي من قبل الناخبين، بل، بالعكس، يتعرض بعض خصومه في المعارضة لتصويت انتقامي على وقوفهم في صف التحكم وأدواته السياسية.
هكذا يبدو المشهد السياسي من فوق، تعززه الأرقام والمعطيات والحقائق غير القابلة للجدل، وإن كانت قابلة للتأويل، فماذا يعني هذا؟
هذا يعني، أولا، أن المغربي تغير، وأن ثقافته السياسية تغيرت، وأن سلوكه الانتخابي تغير، وهذا يعني، ثانيا، أن الدولة تخسر كل يوم نسبة من السيطرة والتحكم الذي لديها على المواطن والمجتمع، وهذا يعني، ثالثا، أن قيم الديمقراطية والتحديث والعصرنة تربح كل يوم مساحة جديدة في بلادنا رغم المقاومة الشرسة التي يبديها المعسكر غير الديمقراطي، الذي يخترق نخب الحكم والمال والثقافة والفكر والإعلام والإدارة، للأسف، وهذا معناه، رابعا، أن الدولة لم تعد قادرة على تحمل كلفة الاستبداد الخشن، وأنها قد تنساق إلى الوقوع غير الطوعي في نظرية «ديمقراطية دون ديمقراطيين»، التي تعني ميلاد معادلة سياسية تشعر فيها كل الأطراف بأن من مصلحتها الانخراط في اللعبة الديمقراطية للحفاظ على بعض المكاسب عِوَض خسارة كل شيء، فتدخل في مسلسل معقد من المفاوضات والتنازلات المشتركة، والصراعات الظاهرة والباطنة، لينتهي الأمر، في نهاية المطاف، برسم قواعد ديمقراطية لصراع قوى ليست بالضرورة كلها ديمقراطية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ديمقراطية دون ديمقراطيين ديمقراطية دون ديمقراطيين



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 17:56 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
المغرب اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 17:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 14:44 2024 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

العلماء يكتشفون أصل معظم النيازك التي ضربت الأرض

GMT 05:21 2016 الأربعاء ,20 كانون الثاني / يناير

أفضل بيوت الشباب والأكثر شعبية في العالم

GMT 11:00 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"السر المعلن"..

GMT 10:52 2023 الأربعاء ,18 كانون الثاني / يناير

مرسيدس تبدأ تسليم السيارة الأقوى في تاريخها

GMT 22:54 2019 الأربعاء ,13 آذار/ مارس

"فيسبوك" تنفي تعرض الموقع لاختراق

GMT 15:46 2019 الجمعة ,04 كانون الثاني / يناير

فضيحة "شاذ مراكش" تهدّد العناصر الأمنية بإجراءات عقابية

GMT 11:56 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

الحجوي يؤكّد أن تحويل الأندية إلى شركات يتطلب مراحل عدة

GMT 15:09 2018 الإثنين ,24 أيلول / سبتمبر

أحمد عز يواصل تصوير الممر في السويس

GMT 06:39 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتعي بشهر عسل رومانسي ومميز في هاواي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib