أكثر من القيامة…

أكثر من القيامة…

المغرب اليوم -

أكثر من القيامة…

بقلم : توفيق بو عشرين

الضرب في كل الرياضات له قواعد، إلا في السياسة. فلا ضوابط لحروبها الصغيرة والكبيرة، كل الضربات مباحة حتى تلك التي تمس أعراض الناس واستقرار أسرهم وحرمة بيوتهم وهواتفهم وعلب رسائلهم.
إلى أين نحن ذاهبون بهذه الانتخابات التي تحولت إلى أكثر من قيامة، فحتى القيامة لها علامات صغرى وكبرى تعرف بها، والمسلمون يعرفون قواعد الجزاء والعقاب فيها، لكن قيامة الانتخابات هذه لا يعرف أحد لها قانونا ولا منطقا ولا مصلحة ولا نهاية…
بدأ كل شيء بقرار سياسي يقضي بتحجيم وزن حزب العدالة والتنمية بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الجماعية لشتنبر 2015، حيث أظهرت النتائج أن المصباح ربح 600 ألف صوت زيادة عن آخر اقتراع شارك فيه سنة 2011، وهذا معناه أن بنكيران سواء كان في المعارضة أو الحكومة، فإن أسهمه مافتئت تزداد منذ دخوله إلى الساحة الانتخابية سنة 1997.
القرار الذي اتخذ بتحجيم المصباح، ولما لا تقزيمه لم يطرح على نفسه السؤال. لماذا يربح العدالة والتنمية تمثيلية أكبر في كل استحقاق، فيما تخسر الأحزاب الأخرى نفوذها، وتخسر السلطة سيطرتها على المجتمع وعلى صناديق الاقتراع؟
المهم بدأت أولى بوادر الخطة بعدم نشر النتائج التفصيلية للانتخابات الجماعية حتى تبقى الخارطة الانتخابية سرا من أسرار الدولة، تتصرف فيها وزارة الداخلية كما تشاء، ثم أعقب هذا القرار إجراء آخر لتقليص الفئة الناخبة والتحكم في التصويت، وهنا جرى استبعاد التصويت بالبطاقة الوطنية واعتبار 27 مليون مغربي البالغين لسن التصويت كلهم ناخبون مفترضون. عِوَض هذا الإجراء المعمول به في كل الديمقراطيات حتى الصاعدة منها، جرى اعتماد اللوائح الانتخابية الموروثة عن إدريس البصري، وهي لوائح يعرف الجميع عيوبها. ثم جاء قرار بلقنة المشهد الانتخابي بإنزال العتبة من 6 ٪‏ إلى 3 ٪،‏ مما يعني اعتماد حساب فاسد لتوزيع المقاعد في مجلس النواب يعاقب صاحب أكبر الأصوات لفائدة الأصغر، ثم تلى ذلك التضييق على التسجيل الإلكتروني، بحيث وضعت عراقيل عدة في وجه التسجيل الجديد وكانت النتيجة هي تسجيل 500 ألف مواطن فقط، مع أن المعدل كان هو 4. 1 مليون تسجيل جديد قبل أي انتخابات منذ أول استحقاق في العهد الجديد سنة 2002 إلى آخره سنة 2015، ثم ترك التقطيع المختل على حاله بحيث نجد مثلا أن الرباط التي يسكنها 580 ألف نسمة تتوفر على سبعة برلمانيين، فيما سلا التي يتجاوز عدد سكانها المليون يمثلها نفس العدد في مجلس النواب، ونجد طنجة التي يسكنها أكثر من مليون نسمة تمثل بخمسة مقاعد مثلها مثل تطوان التي تتوفر على حوالي 380 ألف نسمة.
بعد ذلك جرى منع التجمعات الجماهيرية في الهواء الطلق، وكان لقاء الأحزاب مع المواطنين عملا يتم في الخفاء مثل العلاقات الزوجية، ثم جاء قرار الداخلية بوقف الأوراش المفتوحة في الجماعات والجهات بدعوى الخوف من توظيفها في الحملات الانتخابية السابقة لأوانها وعرف الجميع من المقصود بهذا الإجراء، وهكذا توالت الضربات ….
بعد كل هذا التوابل التي وضعت في طاجين التحضير لانتخابات جاءت الضربات المفضوحة، وأولاها الضغط على بعض المرشحين للاتجاه نحو حزب الدولة أو الانسحاب من المعركة الانتخابية قبل أن تبدأ (بوصوف عوّاد والحرفي وآخرون….)، ثم جاء قرار تشتيت الفئات الناخبة المحسوبة على شعب البي جي دي، وذلك بإبعاد بعض المواطنين عن المكاتب التي ألفوا أن يصوتوا فيها، حتى إن في البيت الواحد جرى تسجيل المرأة في مكتب وزوجها في مكتب آخر يبعد عن سكناه بعدة كيلومترات، هذا في الوقت الذي رفض فيه وزير الداخلية حصاد تقليص عدد مراكز الاقتراع التي تصل إلى أكثر من 39 ألف مكتب اقتراع، بحيث يعجز أكبر حزب في المغرب على تغطيتها كلها ووضع مراقبيه في جميعها، في الوقت الذي يمكن أن يقلص هذا الرقم إلى النصف إذا جرى وضع أكثر من صندوق اقتراع في مكتب واحد، لكن حصاد رفض أي نقاش حول هذا الموضوع حتى لا تكون للأحزاب عيون في كل المكاتب. أعقب كل هذا الجو غير المطمئن بيانات الداخلية الثلاثة حول خدام الدولة وحول استطلاعات الرأي وحول غرق مواطن في الراشدية، وكل هذه البيانات حملت لهجة التهديد لبنكيران ومحاولة قلب القفة عليه من أجل بعث رسالة إلى المواطنين تفيد أن الدولة لم تعد تريد بنكيران لولاية ثانية، وعلى الجميع أن يأخذ علما بهذا الأمر والحاضر يخبر الغائب.
بعد كل هذه الضربات المركزة على الجو النفسي والسياسي للتصويت يوم السابع من أكتوبر، جاءت المسيرة المتخلى عنها، مسيرة قال عنها البعض إنها (أكديم إزيك 2) لطابعها الخطير وفضيحتها المدوية، حيث جرى شحن الفقراء والمساكين والمهمشين في حافلات مثل الدواب ووضعهم في شارع محمد السادس يصرخون ضد (الأخونة)، التي لا يعرفون عنها شيئا. ببساطة لأنها لا توجد في المغرب ولم تنبت في تربتهم، فالقائمون خلف هذه التظاهرة لم يبذلوا أي مجهود وهم يستوردون النموذج المصري المقيت في تقسيم المجتمع، بل عمدوا إلى نسخه بدون ابتكار ولا تعديل، ثم توالت الضربات في الإعلام المخدوم الذي جرب بكل الوسائل حتى القذر، منها اختطاف الرأي العام وإشغاله بقضايا وملفات مفبركة عن الحياة الخاصة لبعض السياسيين من أجل تحطيمهم بعد أن عجزوا عن منازلهم في صناديق الاقتراع، ومرة أخرى جرى الاستعانة بالتجربة التونسية على زمن بنعلي الذي كان يخرج فيديوهات ومكالمات لمعارضيه بغية تشويههم وبث الرعب في قلوب الآخرين حتى يلزموا الصمت، ولا يقاوموا الاستبداد، لكن ورغم فشل هذه الوصفة في قصر قرطاج، هناك من مازال معجبا بها ويحاول تجريبها في المغرب دون أن يلتفتوا إلى كلفتها العالية جدا على أصحابها قبل ضحاياهم…
هل هذا جو نموذجي تجري فيه ثاني انتخابات بعد الدستور الجديد؟ هل كل هذه المؤشرات تشجع على ارتفاع نسبة المشاركة، وتباري الأحزاب حول برامج واختيارات سياسية واقتصادية واجتماعية واضحة ومرقمة؟ هل سيتوقف الـ«بلدوزير» عند هذا الحد ويستحيل من اقتحام صناديق الاقتراع؟.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أكثر من القيامة… أكثر من القيامة…



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 15:27 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

هنغاريا تدعم مخطط الحكم الذاتي المغربي لتسوية نزاع الصحراء
المغرب اليوم - هنغاريا تدعم مخطط الحكم الذاتي المغربي لتسوية نزاع الصحراء

GMT 04:55 2018 الثلاثاء ,07 آب / أغسطس

" Chablé" يمثل أجمل المنتجعات لجذب السياح

GMT 07:57 2018 الثلاثاء ,06 آذار/ مارس

أسوأ من انتخابات سابقة لأوانها!

GMT 20:53 2015 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

شجار بالأسلحة البيضاء ينتهي بجريمة قتل بشعة في مدينة فاس

GMT 22:28 2020 الجمعة ,25 أيلول / سبتمبر

ولي عهد بريطانيا يقدم خطة لإنقاذ كوكب الأرض

GMT 05:06 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

"Hublot" الخزفية تتصدر عالم الساعات بلونها المثير

GMT 09:11 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

فتاة منتقبة بطلة فيلم "ما تعلاش عن الحاجب"

GMT 07:11 2018 السبت ,25 آب / أغسطس

فولكس" بولو جي تي آي" تتفوق على "Mk1 Golf GTI"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib