مراكش الخضراء

مراكش الخضراء

المغرب اليوم -

مراكش الخضراء

بقلم : توفيق بو عشرين

تنازلت مراكش لمدة 11 يوما عن لونها الأحمر، ولبست الأخضر عنوانا لترحيبها بـ«كوب 22» وأهله، حيث سيتقرر مصير العالم ومصير الحياة على الأرض، ومصير مستقبل أبنائنا في مدينة البهجة هذه الأيام.
قبل «كوب 21»، في باريس الذي كان له مفعول الصدمة، لم يكن العالم مهتما بهذا القدر بعشرين كوب مضت، أي بعشرين سنة ضاعت قبل أن يستيقظ البشر على حقيقة الكوارث التي تحيط بسلامة البيئة، ومخاطر ارتفاع حرارة الأرض، وما تشكله التغيرات المناخية من مخاطر على الحياة فوق الأرض، واليوم مع «كوب 22» في مراكش ينتظر الرأي العالمي من قادة الدول الكبرى المرور من القول إلى الفعل، من الشعارات إلى الإنجاز، من النوايا الحسنة إلى القرارات الفاعلة.
المطلوب اليوم من السياسة أن تكون حازمة تجاه سلطة الشركات واللوبيات، وأصحاب المصالح الذين يقاومون برنامج الإصلاحات البيئية، ويقفون أمام الأجندة الخضراء مانعين اقتصادا أخضر إيجابيا من الميلاد.
اليوم خرج موضوع التغيرات المناخية من الصالونات ومن القاعات المغلقة للقرار، ومن كواليس المساومات الضيقة، وأصبح موضوعا على طاولة أوسع.. طاولة المجتمع المدني الحي والفاعل والمؤثر، ولهذا اكتسبت قمم الكوب الأخيرة زخما قويا وفاعلا، وأصبحت مساحة مناورات السياسيين والصناعيين والتجار ضيقة، وأصبح الطلب متزايدا على نموذج تنموي واقتصادي جديد، ينسجم مع الحفاظ المستدام على البيئة، وعلى التقيد بالمعايير الخضراء مهما كلّفت هذه العملية من وقت وجهد ومال وإبداع، حيث إن الاستثمار في سلامة البيئة رهان كبير، لكن تدميرها جريمة مضمونة النتائج الكارثية.
في مؤتمر باريس، التزم سادة العالم بالسعي إلى تخفيض حرارة الأرض بدرجتين مئويتين، ما اعتبر انتصارا للبيئة ضد المخاطر التي تتهددها، خاصة مع تحقيق شرط 55 دولة التي تمثل 55 ٪‏ من الحجم الإجمالي للغازات الدفيئة. وأكثر من ذلك، فوتيرة التصديقات متواصلة، وتظهر انخراط الدول غير المسبوق في تبريد حرارة الأرض، وتخفيف المخاطر الموجودة على سلامة الإنسان والحيوان والنبات. في اجتماع مراكش تنتظر البشرية قرارات عملية، وانطلاق العداد إلى الوراء لإنقاذ أمنا الأرض، هذا هو الرهان العالمي، أما الرهان المحلي فهو استغلال هذه المنصة الكبيرة لإظهار مدى التزام بلد صغير مثل المغرب بجهود الحفاظ على البيئة. بلد لا يتوفر على إمكانات الدول الكبرى، ومع ذلك يبذل مجهودا للإسهام في نقاء البيئة أكثر مما يسهم في تلويثها. هذه هي الرسالة الأولى، أما الرسالة الثانية فهي إظهار مميزات ومؤهلات البلد في مجالات عدة، سياسية واقتصادية وثقافية وسياحية وبيئية، وإظهار مدى انخراط المملكة في منطق العصر والتزامات الدول الكبيرة. نحن بلد لا يتوفر دائما على فرص لعرض نفسه أمام العالم نظرا إلى ثقافة الانعزال داخله، ولقلة موارده، وضعف ولوجه إلى الميديا العالمية بشكل إيجابي، فلا أقل من أن يتعرف عليه العالم وهو ينزل ضيفا عليه لمدة 11 يوما. إنها قمة كبرى ستدخل إلى التاريخ إذا نجح قادة العالم في ترجمة التزاماتهم إلى أفعال، وإذا نجح المجتمع المدني في رفع سقف انتظارات القمة، وإذا نجح المغرب في تنظيم تظاهرة عالمية هي الأولى من نوعها في إفريقيا والعالم العربي. هذه هي الرهانات الموضوعة في سفينة «كوب 22»، التي انطلقت قبل أسبوع في جو بديع من التنظيم وحرارة الاستقبال، وتفاعل المغربي مع كل أجناس الأرض في مدينة جميلة ونظيفة وآمنة، وتتوفر على بنية استقبال سياحي عز نظيرها في إفريقيا.
الذي يزور مراكش هذه الأيام، ويتجول في القرية البيئية التي تحتضن «كوب 22»، ويقف على حجم المجهودات الجبارة التي بذلت من أجل توفير أفضل استقبال لأكثر من 45 ألف مشارك في التظاهرة الأضخم في العالم، يسأل نفسه: إذا كان المغرب يتوفر على كل هذه الإمكانات اللوجستية والتنظيمية والأمنية والسياحية ليصنع من مراكش ما هي عليه الآن، فلماذا يترك مدنا كثيرة في الأركان الأربعة للمملكة غارقة في الفوضى والقبح وضعف البنيات الأساسية؟
إنه السؤال الذي يتردد على لسان الكثيرين ممن يزورون مراكش هذه الأيام، وجوابه من ثلاثة عناصر:
أولا: البلاد تحتاج إلى مشاريع كبرى، ومواعيد أكبر، والتزامات داخلية وخارجية لتعطيها قوة دفع أكبر نحو الإنجاز، ونحو التطور، ونحو الابتكار، مثل ما هو حاصل الآن مع «كوب 22»، لأن القدرة على التعبئة ضعيفة في بلدنا، والقدرة على الإنجاز أضعف، ولأن الإدارة آلة معطلة، والفساد مرض ينخرها. لقد رأينا كيف لعب حلم التحاق تركيا بأوروبا دورا كبيرا في تقدمها، وفي إصلاحاتها الاقتصادية والاجتماعية، تماما مثل ما وقع لإسبانيا في أواخر السبعينات قبل أن تلتحق بالاتحاد الأوروبي.
ثانيا : لا بد من التفكير في نموذج جديد لإدارة المدن غير النموذج الحالي الذي أبان عن فشل ذريع. لا بد من إعادة النظر في الوصاية التي تمارسها وزارة الداخلية على المجالس المنتخبة خارج أي قانون أو منطق، وفي الوقت ذاته، لا بد من البحث عن حل لضعف مردودية المنتخبين، وقلة خبرتهم في إدارة المدن الحديثة، وذلك بفصل السياسة عن التدبير، فتعطى للمنتخبين صلاحية الاختيارات الكبرى وتحديد الأولويات والبحث عن الموارد المالية، فيما توكل الإدارة والتدبير إلى خبراء في مجال إدارة المدن بكل تعقيداتها، مع العمل على تسريح جل موظفي الجماعات الذين يمتصون كتلة أجور مهمة في ميزانية المجالس المنتخبة بدون مردودية.
ثالثا: لا بد من مراجعة النظام الضريبي الذي يحرم مجالس المدن من مداخيل مهمة، ويجعلها مشلولة اليد أمام كثرة المتطلبات، فجل المدن بالكاد تؤدي فاتورة الكهرباء والماء والنظافة والنقل وكتلة أجور الموظفين، فيما تعجز عن الاستثمار في البنيات التحتية، وفي توفير مقومات جعل المدينة مدينة، فمثلا، لا يعقل أن تحتوي الدار البيضاء على أكثر من مليون و200 ألف سيارة تجوب شوارعها كل يوم، بما يتطلبه هذا الأسطول الضخم من طرق ومواقف سيارات وعلامات تشوير، علاوة على ما تتسبب فيه هذه السيارات من تلوث.. فيما ضريبة السيارات تذهب كلها إلى خزينة الدولة، ولا يصل منها شيء إلى ميزانية المدينة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مراكش الخضراء مراكش الخضراء



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 12:48 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الميزان السبت 26-9-2020

GMT 11:52 2020 السبت ,07 آذار/ مارس

تشكيل الوداد لمواجهة النجم الساحلي

GMT 04:35 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

إليكم أفضل الأماكن في لبنان لهواة رياضة ركوب الشواطيء
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib