حوار نادر بين علال الفاسي والعروي

حوار نادر بين علال الفاسي والعروي

المغرب اليوم -

حوار نادر بين علال الفاسي والعروي

بقلم - توفيق بو عشرين

في حفل تكريمه الأخير بجامعة محمد الخامس بالرباط، تناول المؤرخ والفيلسوف، عبد الله العروي، الكلمة، وقال جملا قليلة حول مشروعه «التحديثي»، وأهم كتبه، وما يقال أو يفهم أو يؤول من إنتاجه العلمي، وختم بالدعوة إلى مراجعة الفهم والتعامل مع مسألة الإرث، بعد تحريرها من المعتقد، والدخول بها إلى المنفعة، مع تحريض الدولة على تنظيم الإرث بالقانون، حتى تساعد المواطنين على تنظيم شؤونهم بما يخدم المصلحة العامة، واقترح العروي حلا «برغماتيا»، في محاولة «للتوفيق» بين العقيدة والمصلحة، وذلك بتدخل الدولة لإجبار كل ذي تركة بكتابة وصية في حياته حول مآل إرثه، وهنا ستحل إشكالات عديدة اقتصادية واجتماعية وقانونية، وحتى فقهية، حسب العروي، الذي مازال مهموما بقضية تحديث بلده رغم تراكم الخيبات.

مازال شيخ المؤرخين المغاربة عبد الله العروي (85 سنة) متشبثا بأطروحة دور الدولة المركزي في تحديث المجتمع، أو بتعبير رمزي أن دفع الأمير إلى الإصلاح أسهل من إقناع المجتمع بفكرة الإصلاح.

للأسف، لا الذين راهنوا على تحديث المجتمع نجحوا في إقناع «كتلته الحرجة» بمشروعهم، ولا الذين راهنوا على إقناع عقل الدولة بالإصلاح أفلحوا في مسعاهم. بقي مجتمعنا عالقا بين قاعدة محافظة ومتناقضة الاختيارات، وقمة تقليدانية تتغذى على محافظة المجتمع، وتحرسها كل يوم، مكتفية بالتحديث الشكلي والتقليد العميق الذي يوسع حجم سلطتها على الرعية. هذا هو المبتدأ والخبر في مشروع الدولة، والباقي متروك للتدبير لا للتفكير.

جل أفراد النخبة السياسية والثقافية والاقتصادية والإدارية في المغرب استقالوا من مهامهم طوعا أو كرها. جلهم استسلم للواقع نهارا وللحلم ليلا.

مع الإحباط والانكسار والغمة المتراكمة فوق ظهر المغربي، انفصل الفكر تماما عن السياسة، وبات الأول محصورا في كتب لا يقرؤها أحد، ومحاضرات لا ينتفع بها أحد، أو جامعات مفصولة تماما عن واقعها ومحيطها، فيما السياسة تدبر اليومي، وتلعب في الزمن القصير للمناورات، وتكتيك بلا استراتيجية ولا رؤية ولا مشروع… من هو الزعيم السياسي اليوم الذي يمكن أن يقرأ كتابا للعروي، أو أن يقدم قراءة في أحد مؤلفاته، كما كان يفعل الزعيم علال الفاسي، أو عبد الله إبراهيم، أو بلحسن الوزاني، أو المهدي بنبركة، أو عبد الرحيم بوعبيد، أو غيرهم من زعماء الماضي؟

عدت إلى بعض ما دونت من لقاءات كانت منتظمة مع المفكر المغربي الكبير، بمناسبة أعداد كتاب لم يكتب له أن يرى النور بأسلوب «سين جيم»، فوجدت العروي يحكي عن سجال جمعه من الزعيم علال الفاسي حول فكرة الإصلاح في الستينات. يقول صاحب «الإيديولوجيا العربية المعاصرة»: «كان علال الفاسي، رحمه الله، يميل إلى محاورة المخالفين له في الرأي، وتقريبهم منه، أكثر مما كان يفعل مع أنصاره أو أتباعه. كان يحرص على محاورة الشباب والاستماع إليهم. كان علال الفاسي يحاورني باستمرار، ويقرأ ما أكتبه ولو كان بالفرنسية. كان يقول لي: ‘‘أقبل منك كل أفكار التحديث والعصرنة والتجديد لكن باسم الإسلام، وليس خارج المرجعية الدينية’’، وكنت أقول له: ‘‘ومن يضمن لي أن يأتي بعدك من يردنا إلى الوراء باسم الدين، ويهدم كل ما حاولنا بناءه من فكر تجديدي بدعوى دينية ميتة؟ لا شيء يضمن ذلك، إذن، ليبقَ كل واحد منا يناضل على جبهته، أنا مع القطيعة مع الميت من التراث، ومع الانخراط في الحداثة كمكسب أنساني عام، لا فرق عندي وبين الغرب أو الشرق، وأنت على جبهة الإصلاح الديني’’». يتذكر العروي هذا الحوار له مع زعيم التحرير علال الفاسي في الستينات، ويعلق: «وإن كان ظني أن أصحاب الدعوة السلفية لن يفعلوا أبدع أو أحسن مما فعله الأفغاني وعبده، وانتهت جهودهما إلى الفشل». ومع الاختلاف الفكري والسياسي بين الرجلين، فإن العروي يعترف بمرارة بأن الزمن المغربي لم ينصف سيدي علال فيقول (أنقل من مذكراتي وليس من ذاكرتي): «إنه لمن دواعي الإحباط، وعدم الاعتراف بعبقرية الرجل الذي أعطى الشيء الكثير لهذا البلد. علال رجع هو وبورقيبة من القاهرة، الأول أصبح وزيرا من الدرجة الثالثة (وزير الشؤون الإسلامية)، وفي ظرف خاص ولمدة وجيزة، والثاني (بورقيبة) رئيس دولة… إنها مفارقة وتعبير عن التخلف المغربي».

إذا كان الزمن المغربي الماضي لم ينصف عمالقته، فإن الزمن المغربي الحالي كان رحيما بأقزامه.

المصدر : اليوم 24

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حوار نادر بين علال الفاسي والعروي حوار نادر بين علال الفاسي والعروي



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:33 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
المغرب اليوم - أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 16:17 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"القوس" في كانون الأول 2019

GMT 21:52 2019 السبت ,03 آب / أغسطس

"الفيل الأزرق 2" يعيد قوة موسم الصيف

GMT 16:19 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

انتبه لمصالحك المهنية جيداً

GMT 14:20 2019 السبت ,29 حزيران / يونيو

طارق مصطفى يساند المنتخب أمام ساحل العاج

GMT 00:51 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

إسعاد يونس تعدّد صفات شريف مدكور برسالة دعم

GMT 09:39 2019 السبت ,06 إبريل / نيسان

أفضل الطرق لتسريحات الشعر الكيرلي في المنزل

GMT 05:32 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

قطر تُقرر مقاطعة نجوم " روتانا " بسبب الأزمة الخليجية

GMT 03:41 2015 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

ستيفن كاري يشيد بجهود ليونيل ميسي مع "برشلونة" في الدوري

GMT 01:31 2018 الإثنين ,31 كانون الأول / ديسمبر

أحمد صلاح حسني يشيد بشخصيته في مسلسل "أبواب الشك"

GMT 18:51 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الديكورات الفرنسية الكلاسيكية لمنزل أكثر أناقة

GMT 14:23 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

ميلان الإيطالي يبدأ التفاوض مع لاعب تشيلسي فابريغاس
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib