من تمرد فلا جمعة له

من تمرد فلا جمعة له

المغرب اليوم -

من تمرد فلا جمعة له

بقلم : توفيق بو عشرين

لأول مرة منذ استقلال المغرب يضرب المؤمنون عن صلاة الجمعة، ويقومون بالاحتجاج على وزارة الأوقاف في قلب المسجد، لأن الوزارة عزلت خطيب الجمعة في مسجد يوسف بن تاشفين، محمد أبياط، الذي يحظى بشعبية كبيرة في العاصمة العلمية. وزارة الأوقاف تدعي أن خطيب فاس خرق دليل الأئمة والمرشدين عندما تحدث عن حرائق إسرائيل، وربطها بمنع حكومة نتنياهو للأذان في مساجد فلسطين، وزاد خطيب مسجد ابن تاشفين ولمح إلى منع السلطات المغربية لبناء مساجد في أماكن سياحية دون تحديد المكان والزمان والقرار… وفي خطبة سابقة، انتقد وصاية الوزارة على أئمة المنابر، وقال، في فيديو على اليوتوب: «سيأتي زمان على خطباء المساجد سيضطرون فيه إلى أخذ الإذن من مهرجان موازين قبل الصعود إلى المنبر»، في إشارة إلى تحكم الوزارة في مضمون الخطب، ووضع خطوط حمراء أمام المرشدين الدينيين.
حادثة عزل إمام فاس بمبرر «خلط السياسة بالدِّين»، دفعت أئمة آخرين مغضوبا عليهم من قبل وزارة أحمد التوفيق للخروج عن صمتهم، وإعلان التضامن مع الخطيب المعزول، داعين إلى وضع مسطرة قانونية «معقولة» لتأديب الأئمة الذين يخرجون عن الخط الرسمي للوزارة في الوعظ والإرشاد، وعرض كل خلاف بين إدارة الأوقاف والأئمة والمرشدين على لجنة علمية مختصة من كبار العلماء، والتدرج في التأديب، من التنبيه إلى التوبيخ إلى العزل المؤقت ثم النهائي، وإعطاء المرشدين الدينيين الحق في التظلم أمام المحاكم، باعتبار أن قرار العزل قرار إداري لا يملك حصانة قضائية.
هذه الحادثة وما أعقبها من ردود فعل قوية، وضجة كبيرة في الفايسبوك من قبل المتدينين وغير المتدينين، تستوجب على الوزارة وعلى الحكومة وعلى البرلمان وعلى الجمعيات الحقوقية أن تفتح نقاشا عموميا دينيا وعلميا وحقوقيا حول تأطير الفضاء الديني الشاسع المساحة والكبير التأثير، ففي المغرب اليوم حوالي 60 ألف مسجد تحت إشراف وزارة الأوقاف، وكل جمعة يتوجه أكثر من ثمانية ملايين مغربي إلى صلاة الجمعة في مختلف مساجد المملكة، حيث يستمعون في المتوسط إلى 35 دقيقة من البث المباشر، وعظا وإرشادات وتوجيها، من قبل خطيب جمعة في شؤون الدين والدنيا، ويستمعون في خشوع آيات قرآنية وأحاديث نبوية وسيرة محمدية وتاريخ قريب وبعيد وأقوال للسلف والخلف. إذا قمنا بعملية حسابية بسيطة، فإن مدة البث الديني المباشر من على منابر الجمعة تصل إلى مليونين و100 ألف دقيقة في الأسبوع، وهذا أكبر Audience يبث مباشرة من أفواه الأئمة إلى آذان 8 ملايين مصلٍّ يجلسون بخشوع في المساجد، حيث لا ينافس «قناة منبر الجمعة» هذه تلفزيون ولا إذاعة ولا جريدة ولا موقع إخباري.
إن هذه المساحة الزمنية الكبيرة لبث القيم الدينية، وهذا التجمع الضخم للمغاربة في المساجد وحولها كل جمعة، يفرض على الأطراف كلها أن تعي أهمية المنبر وخطورته في الوقت نفسه، وأن يتجه الجميع إلى إنتاج خطاب وتوجيه ديني وسطي ومعتدل، يركز على القضايا «الإجماعية»، وليس على القضايا «الخلافية»، والهدف هو توظف خطب الجمعة لغرس قيم المواطنة القديمة والجديدة، ومبادئ الإسلام السمحة، والابتعاد عن الطائفية الدينية، والدعاية السياسية، سواء للأحزاب أو للجماعات الدينية أو للسلطة الحاكمة… وذلك حتى يتمتع الإمام بالمصداقية والثقة لدى المؤمنين، ولا يتجهوا إلى استيراد نموذج التدين الوهابي أو السلفي الجهادي أو الإخواني، أو غيرها من أنماط التدين الغريبة عن بيئتنا وعن خصوصية بلاد متعددة الأديان والأعراق واللغات، والقريبة 12 كيلومترا من أوربا.
لا يبدو أن صاحب رواية «جارات أبي موسى» قادر اليوم على إدارة جديدة لهذا الملف، فقد أمضى في المنصب الوزاري أكثر من 16 سنة، وحان موعد انصرافه، والبحث عن بديل له يستطيع أن ينزل مشروع إصلاح الحقل الديني على أرض الواقع، وإدارة أماكن العبادة بكفاءة إدارية أفضل، والوصول بالخطاب الديني الوسطي إلى الشباب المعرض إلى بضاعة تروج عبر 450 قناة تلفزيونية، وآلاف المواقع الإلكترونية، وملايير الدقائق المسجلة على اليوتيوب آتية من الأجزاء الميتة في الجسم العربي والإسلامي.
الصراع حول منابر المساجد ليس جديدا، فقد كانت هذه الأخيرة المجال الأكثر حيوية لتصريف الصراعات السياسية، وقياس المشروعات الدينية وغير الدينية، وأداة للتعبير عن ميزان القوى. يحكي المستشار الملكي الراحل، عبد الهادي بوطالب، أن «الملك الراحل الحسن الثاني رفض دعوة لرئيس السوري الراحل، حافظ الأسد، لصلاة الجمعة في مسجد الأمويين في دمشق، بمناسبة انعقاد إحدى القمم العربية، وقال لمضيفه إن الحسن الثاني لا يصلي في مسجد كان يلعن فيه أجداده من آل البيت لمدة قرن»، في إشارة إلى سب الأمويين لعلي بن أبي طالب وأبنائه من بعده، بعد الحرب التي جرت بين معاوية وعلي ومن جاء بعدهما.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من تمرد فلا جمعة له من تمرد فلا جمعة له



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:33 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
المغرب اليوم - أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة

GMT 08:46 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

المغربية ابتسام تسكت تكشف عن جديدها الفني المُرتقب عرضه
المغرب اليوم - المغربية ابتسام تسكت تكشف عن جديدها الفني المُرتقب عرضه

GMT 12:48 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الميزان السبت 26-9-2020

GMT 11:52 2020 السبت ,07 آذار/ مارس

تشكيل الوداد لمواجهة النجم الساحلي

GMT 04:35 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

إليكم أفضل الأماكن في لبنان لهواة رياضة ركوب الشواطيء
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib