بيانات غير دبلوماسية

بيانات غير دبلوماسية

المغرب اليوم -

بيانات غير دبلوماسية

بقلم : توفيق بو عشرين

أنا آخر واحد يدافع عن حميد شباط، وقد انتقدت مجيئه إلى الأمانة العامة لحزب «السي علال»، وقلت آنذاك إنه سيكون جزءا من مشاكل الحزب وليس جزءا من الحل، وانتقدت شعبوية عمدة فاس السابق داخل الحكومة الأولى لبنكيران وخارجها، ونبهت إلى خطورة وصول نقابي إلى قيادة حزب سياسي، لأن بروفايل النقابي مختلف جدا عن بروفايل السياسي. النقابي يضغط، والسياسي يتفاوض.. النقابي يناور، والسياسي يخطط.. النقابي صاحب تكتيك، والسياسي صاحب استراتيجيا.. النقابي يتصرف طوال الوقت مع المشغل بمنطق «اعطيني نعطيك»، وعينه على زبناء النقابة يخاف أن ينفضوا من حوله، والسياسي ينظر إلى الظروف المحيطة بالبلد وعينه على المصلحة الوطنية.

لكن، مع هذا، فأنا لا أرى أن «الأمين العام لحزب الاستقلال يساير منطق أعداء الوحدة الترابية للمملكة، الذين يناوئون عودتها المشروعة إلى أسرتها المؤسساتية الإفريقية»، كما جاء، أول أمس، في بلاغ وزارة الخارجية والتعاون، التي أصبحت منصة لتصريف مواقف سياسية داخلية، ولقصف الخصوم. قبل أسابيع هاجم صلاح الدين مزوار، وزير الخارجية والتعاون، رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، بعبارات جارحة لا تخرج من قلم وزير في حق رئيسه، ولا تكتبها وزارة في حق مؤسسة رئاسة الحكومة، وذلك في أعقاب «فلتة» بنكيران حول انتقاد التدخل الروسي في سوريا، والآن يوجه «الفعفاع» مدفعيته الخفيفة نحو الأمين العام لحزب الاستقلال، محاولا وضعه في القفة نفسها مع خصوم الوحدة الترابية!

شباط أخطأ عندما تناول الموضوع الموريتاني في ظرف حساس جدا، وما كان عليه أن يرجع إلى التاريخ ولا إلى الجغرافيا، لأن حاكم نواكشوط مصاب هذه الأيام بحساسية من المغرب، وينتظر أي شيء ليبرر سياسته الجديدة تجاه الأخ الأكبر، خاصة والبلاد أمامها معركة قانونية ودبلوماسية للرجوع إلى البيت الإفريقي، لكن، مَا هكَذَا تورد الإبل يا مزوار.

كان يكفي وزارة الخارجية والتعاون أن تكتب بيانا دبلوماسيا كيسا وذكيا تذكر فيه، من يحتاج إلى تذكير، بموقف المغرب الرسمي من الجارة الجنوبية ومن حدودها المعترف بها دوليا، ففي كل الأحوال، شباط ليس وزيرا للخارجية، ولا حتى مشاركا في الحكومة، ولا ناطقا باسم مؤسسات الدولة. فالمتعارف عليه دوليا هو أن السياسة الخارجية تؤخذ من فم رئيس الدولة أو وزير الخارجية أو الناطق باسم الحكومة، وليس من تصريحات زعماء الأحزاب السياسية، مهما كان وزنهم وموقعهم ولونهم.

ليس من وظيفة وزارة الخارجية ولا في مرسوم اختصاصات وزيرها مهاجمة الأحزاب السياسية، وتقطير الشمع على قادتها، واتهامهم بأقذع النعوت الدبلوماسية. في كل دول العالم، الآلة الدبلوماسية ليست منصة للقصف، وليست مكانا للبولميك، ولا واجهة لتصريف الصراعات السياسية الداخلية. وزارة الخارجية هي وجه المغرب بكل مكوناته في الخارج، وهي سلاح يجب أن يبقى موجها ضد خصوم البلد ومصالحه الاستراتيجية. رحم الله السادات الذي كان يقول في مدح صمت وتحفظ الدبلوماسية: الدبلوماسي هو الذي يصمت بعدة لغات».

ما هو عمق هذا الحادث وحوادث أخرى ستنفجر في الساحة السياسية الوطنية؟ السبب، في ما أظن، هو حالة الفراغ السياسي الناتجة عن غياب الحكومة لمدة ثلاثة أشهر. السبب هو تعفن الجو السياسي في البلد نتيجة البلوكاج الحاصل اليوم، والذي يمنع ميلاد الحكومة، ويفتح الطريق لصراعات الأحزاب في ما بينها.

شباط، ولكي يحمي نفسه، أصبح يتخذ من الميكرفونات مسدسا لإطلاق النار على من يعتبرهم خصومه، أو بالأحرى أعداءه الذين يريدون طرده من جنة الحكومة، وإهانته لأنه لم ينضبط لمخطط سابق كان يريد أصحابه عزل بنكيران، أما أخنوش، الذي كان عاجزا عن تبرير اعتراضه على دخول الاستقلال إلى الحكومة، فقد وجد في بلاغ الخارجية، الذي وقعه زميله في الحزب، «سفنجة سخونة»، فلتقف الأمر، وحاول أن يبرر بأثر رجعي اعتراضه على دخول شباط إلى الحكومة قبل ثلاثة أشهر.

الملفات السياسية، مثل الجروح، عندما لا تعالج في الوقت المناسب تتقيح، وكل ما نراه الآن، من سجال وبولميك وبيانات حربية وردود فعل غير محسوبة.. كل هذا نتيجة الجرح المفتوح منذ ثلاثة أشهر بفعل البلوكاج السياسي الذي يقف أمام إخراج الحكومة إلى حيز الوجود في مرحلة دقيقة وحساسة.

المصدر : صحيفة اليوم 24

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بيانات غير دبلوماسية بيانات غير دبلوماسية



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 17:56 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
المغرب اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 17:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 14:44 2024 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

العلماء يكتشفون أصل معظم النيازك التي ضربت الأرض

GMT 05:21 2016 الأربعاء ,20 كانون الثاني / يناير

أفضل بيوت الشباب والأكثر شعبية في العالم

GMT 11:00 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"السر المعلن"..

GMT 10:52 2023 الأربعاء ,18 كانون الثاني / يناير

مرسيدس تبدأ تسليم السيارة الأقوى في تاريخها

GMT 22:54 2019 الأربعاء ,13 آذار/ مارس

"فيسبوك" تنفي تعرض الموقع لاختراق

GMT 15:46 2019 الجمعة ,04 كانون الثاني / يناير

فضيحة "شاذ مراكش" تهدّد العناصر الأمنية بإجراءات عقابية

GMT 11:56 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

الحجوي يؤكّد أن تحويل الأندية إلى شركات يتطلب مراحل عدة

GMT 15:09 2018 الإثنين ,24 أيلول / سبتمبر

أحمد عز يواصل تصوير الممر في السويس

GMT 06:39 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتعي بشهر عسل رومانسي ومميز في هاواي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib