محام برتبة ملك

محام برتبة ملك

المغرب اليوم -

محام برتبة ملك

بقلم : توفيق بو عشرين

في خطاب صريح ومركز، قدم الملك محمد السادس مرافعة قوية أمام قادة الدول الكبرى والصغرى دفاعا عن البيئة، وإفريقيا وعن الدول الفقيرة، والجزر المهددة بالانقراض نتيجة ارتفاع منسوب مياه البحار بسبب ارتفاع درجة حرارة الأرض، وألح ملك المغرب، الذي تستضيف بلاده الكوب22، على ضرورة وفاء الدول المتقدمة بتعهداتها، وضرورة توفير 100 مليار دولار لمواجهة ارتفاع حرارة الأرض، والحاجة إلى نقل التكنولوجيا البيئية من دول الشمال إلى دول الجنوب، فالبشرية جمعاء -يقول الملك- «تعلق آمالا عريضة على هذه القمة… وإن انعقاد هذه القمة في إفريقيا يحثنا على إعطاء الأسبقية لمعالجة الانعكاسات السلبية للتغيرات المناخية التي تزداد تفاقما في دول الجنوب والدول الجزرية المهددة في وجودها».
محمد السادس ترك اللغة الدبلوماسية جانبا، وتحدث بلسان الصراحة مع الدول الكبرى، وقال لهم: «إن دفاعكم عن مصالحكم لا يجب أن يتناقض مع المصير المشترك للبشرية، ومع الالتزامات الإنسانية والأخلاقية التي توجب تضامنا صادقا بين دول الشمال والجنوب لصيانة كرامة البشر، كل البشر»، ثم تساءل مستضيف الكوب22: «هل سيكون لمؤتمرنا هذا معنى إذا نحن تركنا الفئات الأكثر هشاشة هناك في الجزر المهددة بالزوال، وفي الحقول المهددة بالتصحر، في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، تواجه قدرها المليء بالمخاطر». 
دلالات هذا الخطاب الملكي الموجه إلى العالم، والذي سيحظى بتغطية إعلامية استثنائية، ثلاث:
أولا: قوة خطاب الملك في الترافع عن البيئة ومخاطر الاحتباس الحراري تأتي من التزامه والتزام بلده الفعلي بتوصيات باريس وقرارات قمة الأرض في ريو، وما مشروع نور لتوفير 50 % من احتياجات المملكة من الطاقة من مصدر نظيف (الشمس) إلا دليل على الالتزام العميق للمغرب بالأجندة الخضراء رغم كلفتها المرتفعة، زد على هذا مختلف الإجراءات التي أقدمت عليها الحكومة هذه السنة، وفي مقدمتها حملة «زيرو ميكا» لإعدام هذه الآفة الملوثة للبيئة، رغم أن هذا القرار لم يكن شعبيا إطلاقا نظرا إلى تجذر الممارسات القديمة في ذهنية المستهلك.
ثانيا: في كل مناسبة يظهر العاهل المغربي أنه مسجل في لائحة المحامين المكلفين بالدفاع عن إفريقيا ودول العالم الثالث من منطلق إنساني وأخلاقي ضد الموروث الاستعماري القديم، وضد مشاريع هيمنة دول الشمال على الجنوب، في هذه المرة أيضا أسمع محمد السادس الدول الكبرى، وفي مقدمتها أمريكا والصين وروسيا والاتحاد الأوروبي، ما لا تريد سماعه عن ضرورة التضامن وبذل مجهودات جدية لدفع كلفة تلويث البيئة، وعدم إلزام الدول الصغيرة بما لا تستطيع تنفيذه من قرارات، آخذا بعين الاعتبار اختلاف الإمكانات والموارد بين الصغار والكبار. إن هذا الصوت يصل وسيصل سريعا إلى قلوب شعوب القارة السمراء ودول العالم الثالث، وسيزيد من احترام الرأي العام العالمي لبلدنا ولصورته ولعدالة قضاياه، وكل ما هو مطلوب من دبلوماسيتنا المتثائبة أن تستعد للاستفادة من هذه البذور التي يزرعها رئيس الدولة في حقل مفتوح على المبادرة والتنافس. 
ثالثا: ما يعطي القوة للسياسة الخارجية هي السياسة الداخلية، فلو لم يكن المغرب بلد استقرار سياسي، وتعددية حزبية، وحرية رأي وتعبير ولو نسبية، ودولة تجرب السير على طريق التحول الديمقراطي، لما تمكن المغرب من استضافة هذه القمة العالمية، ولما حظي ملكه بهذه المنزلة التي يخاطب فيها قادة الدول الكبرى بهذه الثقة في النفس وهذه الصراحة في القول، مع أن ميزانية المغرب لا تساوي رقم معاملات شركة واحدة لصناعة السيارات في ألمانيا. إن بلدا يريد أن يضبط ساعته الداخلية على التوقيت العالمي، في البيئة والطاقة والتنمية البشرية والاقتصاد الجديد والسياحة العالمية والابتكار والسلم والأمن الدولي… لهو بلد مطالب أيضا باعتماد المعايير العالمية لإدارة السلطة على سلم ديمقراطي دقيق، ولهذا، على الذين يريدون أن يجعلوا من «الخصوصية المغربية المزيفة» عملة رسمية لإدارة السياسة، وللتملص من المعايير الديمقراطية لإدارة السلطة، أن ينتبهوا إلى أنهم يضعفون قدرة المغرب التفاوضية بين الدول، وصورته في الخارج، ومصداقية رئيس الدولة بين الأمم. الديمقراطية صارت عملة عالمية، وهي جواز المرور إلى مجتمع الدول المؤثرة، صغيرة أو كبيرة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محام برتبة ملك محام برتبة ملك



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 17:56 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
المغرب اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 17:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 14:44 2024 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

العلماء يكتشفون أصل معظم النيازك التي ضربت الأرض

GMT 05:21 2016 الأربعاء ,20 كانون الثاني / يناير

أفضل بيوت الشباب والأكثر شعبية في العالم

GMT 11:00 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"السر المعلن"..

GMT 10:52 2023 الأربعاء ,18 كانون الثاني / يناير

مرسيدس تبدأ تسليم السيارة الأقوى في تاريخها

GMT 22:54 2019 الأربعاء ,13 آذار/ مارس

"فيسبوك" تنفي تعرض الموقع لاختراق

GMT 15:46 2019 الجمعة ,04 كانون الثاني / يناير

فضيحة "شاذ مراكش" تهدّد العناصر الأمنية بإجراءات عقابية

GMT 11:56 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

الحجوي يؤكّد أن تحويل الأندية إلى شركات يتطلب مراحل عدة

GMT 15:09 2018 الإثنين ,24 أيلول / سبتمبر

أحمد عز يواصل تصوير الممر في السويس

GMT 06:39 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتعي بشهر عسل رومانسي ومميز في هاواي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib