الرباط تمسك العصا من الوسط

الرباط تمسك العصا من الوسط

المغرب اليوم -

الرباط تمسك العصا من الوسط

توفيق بو عشرين

أفضل شيء قامت به وزارة الخارجية المغربية مع بداية 2016 أنها لم تركب موجة: «نصر أخاك ظالما أو مظلوما»، ولم تكتب بيانات نارية ضد إيران كما هي عادتها. اختارت دبلوماسيتنا المحافظة أن تمسك العصا من الوسط في الحرب الدبلوماسية والإعلامية المستعرة بين الإخوة الأعداء إيران والسعودية. اختارت دبلوماسيتنا صوت العقل، حيث دعت الطرفين إلى التحلي بالحكمة حتى لا تتسع رقعة الأزمة وتقود إلى ما لا تحمد عقباه، وهو الموقف نفسه الذي عبرت عنه واشنطن وباريس وبرلين ولندن، وكل العواصم التي ترى حجم البارود الموجود في المنطقة.
طبعا السعودية لن يرضيها الموقف المغربي الذي كان دائما في صفها ضد إيران، وسترى فيه موقفا «مائعا»، لكن الحكمة تقول: «صديقك من صدَقك لا من صدَّقك». الدول مثل الأفراد، تحتاج في لحظات الأزمة الكبيرة لمن يقول لها رأيه بصراحة لا من يجاري غضبها، ويزين لها طريق الهلاك.
إعدام رجل دين مهما كان مستفزا وغوغائيا خطأ، وإعدامه من قبل السلطات السعودية في هذا التوقيت خطأ مزدوج، ودخول إيران ومؤسسة المرشد على الخط لانتقاد حكم قضائي ضد مواطن سعودي خطأ، فإيران ليست أمنيستي ولا هيومان رايتس ووتش لتقف ضد عقوبة الإعدام، وتغاضي السلطات الإيرانية عن إحراق سفارة الرياض في طهران خطأ، لأن السفارات مثل عربات الإطفاء، لا يطلق أحد عليها النار لأن الجميع يحتاج إليها لإطفاء الحرائق، ثم إن قطع العلاقات الدبلوماسية من قبل الرياض مع طهران كان قرارا متسرعا، وتبعه قرار أكثر حمقا عندما صدر بيان عن الجيش الإيراني يهدد باستعمال السلاح ضد السعودية، ثم جاءت الاصطفافات التي تصب الزيت على النار، حيث أعلنت البحرين والإمارات والسودان قطع علاقاتها مع طهران نصرة للسعودية.
الخليج يغلي، وطبول الحرب تدق، والاصطفافات على أشدها بين الرياض وطهران، والجميع منخرط في إيقاد النار بين المعسكر السني، الذي تقوده السعودية، والمعسكر الشيعي، الذي تتزعمه إيران.
إعدام المعارض السعودي نمر باقر النمر يوم السبت الماضي لم يكن إلا القطرة التي أفاضت الكأس. كأس التوتر كانت مملوءة منذ سنوات، وازدادت مع الأزمة السورية واليمنية والعراقية، وتضاعف التوتر أكثر بين الغريمين الكبيرين إيران والسعودية بعدما قرر الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، التفاوض مع ملالي طهران، وإعادة إدماجهم في السياسة الدولية والاقتصاد العالمي، مع وضع قيود على برنامج إيران النووي. هنا كادت السعودية أن تجن، فهي تعتبر إيران «الشيطان الأكبر في المنطقة»، وفك الحصار عنه معناه أن الغرب يشجعه على التمدد أكثر في ساحة مضطربة وشبه فارغة.
عندما وقع البيت الأبيض بالأحرف الأولى على اتفاقية فيينا، التي ترسي مصالحة تاريخية بين الغرب والثورة الخمينية، خرج باراك أوباما، في حوار صحافي مع توماس فريدمان، يدعو قادة المملكة العربية السعودية إلى فتح حوار مع إيران، والجلوس إلى طاولة المفاوضات. كان الرئيس الأمريكي يعرف أن التوتر سيتصاعد بين طهران والرياض، وأن أعصاب هذه الأخيرة لن تحتمل جارا مقلقا مثل إيران، يتوفر على أوراق لعب كثيرة في المنطقة، وفي داخل كل بلد عربي أقلية شيعية مضطهدة أو مهمشة.
منذ قيام الثورة الإسلامية في طهران سنة 1979 والسعودية وحلفاؤها يحاولون حصار مدها، مرة بدعم الرئيس العراقي صدام حسين الذي دخل في حرب بالوكالة مع الخميني أشهرا بعد نجاح الثورة.. حرب دامت ثماني سنوات قتل خلالها حوالي مليون شخص، ومرة بتحريض البيت الأبيض على حصار إيران، ثم التهييء لضربها باعتبارها دولة مارقة، في حين أن إيران لم توفر سلاحا لم تستعمله مع «جيرانها المتآمرين»، مرة بادعاء تصدير الثورة، ومرة بزرع ميلشيات لها في العالم العربي، ومرة بإذكاء النزعة الطائفية، خاصة بعد أن أخرجت السعودية هذا السلاح الفتاك من غمده، فصار الخطابان الدينيان الوهابي والاثناعشري يغذيان آلة دعائية كبيرة في الصحف والكتب والمنشورات والتلفزات، وصار رجال الدين السنة والشيعة نجوما في هذه الحرب القذرة، حيث أصبحوا يخوضون صراعا طائفيا بالوكالة عن السياسيين.
جثة نمر باقر النمر صارت أغلى من حياة صاحبها، فحولها تحلق كل صاحب رسالة أو مصلحة أو دعوة إلى الحرب… والحرب ليست شيئا جديدا على طهران ولا على الرياض، كلتاهما تخوضان حروبا على واجهات عدة في سوريا والعراق واليمن والبحرين ولبنان، الجديد هذه المرة أنهما مرشحتان لخوض حرب مباشرة وجها لوجه، فيما كانتا قبل هذا الوقت تخوضان حروبا بالوكالة، وتدفعان الآخرين إلى الموت فيما هما يشتريان الأسلحة، ويدفعان المال، وينحتان إيديولوجيا الحرب الطائفية باسم السنة والشيعة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرباط تمسك العصا من الوسط الرباط تمسك العصا من الوسط



GMT 19:34 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

ليس آيزنهاور

GMT 19:31 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

والآن الهزيمة!

GMT 19:28 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية تأخر قيام دولة فلسطينية

GMT 19:22 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

... عن «الممانعة» و«الممانعة المضادّة»!

GMT 19:19 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن... وأرخبيل ترمب القادم

GMT 19:16 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترامب؟!

GMT 19:14 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاجأة رائعة وسارة!

GMT 18:02 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفاء والاستحياء

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 04:55 2018 الثلاثاء ,07 آب / أغسطس

" Chablé" يمثل أجمل المنتجعات لجذب السياح

GMT 07:57 2018 الثلاثاء ,06 آذار/ مارس

أسوأ من انتخابات سابقة لأوانها!

GMT 20:53 2015 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

شجار بالأسلحة البيضاء ينتهي بجريمة قتل بشعة في مدينة فاس

GMT 22:28 2020 الجمعة ,25 أيلول / سبتمبر

ولي عهد بريطانيا يقدم خطة لإنقاذ كوكب الأرض

GMT 05:06 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

"Hublot" الخزفية تتصدر عالم الساعات بلونها المثير

GMT 09:11 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

فتاة منتقبة بطلة فيلم "ما تعلاش عن الحاجب"

GMT 07:11 2018 السبت ,25 آب / أغسطس

فولكس" بولو جي تي آي" تتفوق على "Mk1 Golf GTI"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib