عودة الحرارة إلى الشارع

عودة الحرارة إلى الشارع

المغرب اليوم -

عودة الحرارة إلى الشارع

توفيق بوعشرين

ثلاث مناسبات كشفت عودة الحرارة إلى احتجاجات الشارع المغربي بشكل غير مسبوق، هناك أولا حملة «طفي الضو» التي انطلقت في شمال المملكة ضد شركة أمانديس، حيث خرج أكثر من 40 ألف مواطن إلى الشارع للاحتجاج على الأسعار المبالغ فيها لفواتير الماء والكهرباء في مدينة فيها أقل من مليون ساكن، أما الذين التزموا بإطفاء الأنوار في عروس الشمال كشكل احتجاجي رمزي فكان عددهم أكبر من الذين خرجوا، وهذا ما دفع الملك محمد السادس إلى أن يوقظ رئيس حكومته في السادسة صباحا، طالبا منه أن يتحرك لإطفاء شرارة الاحتجاجات في طنجة.

بعد هذا نجح الطلبة الأطباء في إسقاط مشروع مرسوم وزير الصحة، المتعلق بالخدمة الإجبارية في البوادي بعد التخرج، فرغم أن المرسوم كان «معقولا»، بصرف النظر عن توقيت طرحه والملابسات التي تحيط بظروف عمل الأطباء في البوادي والمناطق النائية، فإن آلاف الطلبة خرجوا إلى الشارع بوزراتهم البيضاء ومعهم عائلاتهم، وكانوا يهددون ليس فقط السنة الدراسية بالبياض، بل كانوا يهددون السلم الاجتماعي في المغرب، وهو ما جعل الحكومة تتراجع قابلة بهزيمة سياسية مر طعمها. 

أول أمس أيضا فوجئ الرأي العام بعدد الأساتذة المتدربين الذين اكتسحوا شارع محمد الخامس بالرباط رافعين شعار إسقاط مرسومي بلمختار اللذين يفصلان بين التكوين والتوظيف، ويقلصان من حجم المنحة الدراسية. جاؤوا من 41 مركزا جهويا لمهن التربية والتكوين، مصحوبين بعائلاتهم، حيث بثوا الرعب في قلب وزارة الداخلية بمسيرة ضخمة تجاوز عدد المتظاهرين فيها عشرات الآلاف، وهو ما لم تقدر النقابات ولا الأحزاب على جمعه في مسيرات مماثلة. المشاركون رفعوا شعارا له دلالة سياسية ونفسية بليغة، يقول: «زيد قمعني زيد قمعني والله ما تخلعني».

التظاهرات الثلاث جرت في سنة واحدة، والتحركات الثلاثة لم يتزعمها فاعل سياسي، ولا فاعل نقابي، ولا جهة تمتلك الدولة إمكانية التفاوض معها. المسيرات الثلاث كانت حاشدة وقوية وبتأطير غير تقليدي، حيث كان محور التواصل الأساس بين عناصرها هو «الفايس بوك» و«الواتس اب»، و جرت التعبئة الأكبر في الأنترنت، وعلى أمواج «اليوتيوب» الذي وضعت فيه آلاف الفيديوهات لشبان وشابات يناضلون افتراضيا من أجل مطالب واقعية، ثم بعد مدة خرجوا من الفضاء الأزرق إلى أرض الواقع، وحصلوا على جزء مما يريدون، لأن الدولة والحكومة اضطرتا إلى التنازل لهم كليا، كما هو حال الطلبة الأطباء، أو جزئيا كما هو حال مواطني طنجة الذين أجبروا الشركة الفرنسية على مراجعة أكثر من 44 ألف فاتورة.

لماذا عادت الحرارة إلى خطوط الاحتجاجات الاجتماعية في الشارع المغربي الذي حسبه الكثيرون في عداد الموتى، فرغم وجود حكومة «منتخبة»، ورغم خفوت اليسار المغربي، ورغم موت الفعل النقابي، ورغم ارتفاع ميزانيات القطاعات الاجتماعية نسبيا في القوانين المالية الأخيرة، ورغم مرور موجة الربيع العربي الذي كان يحفز الشباب على الخروج إلى الشارع للاحتجاج… رغم كل هذه العوامل غير المشجعة على انتعاش الاحتجاجات الاجتماعية بصورتها الكلاسيكية، عاد الغضب إلى الشارع، وعاد التظاهر السلمي إلى الواقع. لماذا؟ الجواب البسيط هو أن جدار الخوف سقط، وخاصة لدى الشباب الذي تأثر ويتأثر بثقافة نظرائه حول العالم، هذا أولا. ثانيا، الخصاص الاجتماعي يزداد ولا ينقص في المغرب، حيث تمس البطالة فيه ٪22 من حاملي الشهادات، وحيث الحكومة مهووسة بالبحث عن إرجاع التوازن إلى الميزانية دون البحث عن الشغل وجودة التعليم وإنعاش المقاولة… ثالث سبب يساعد على اشتعال الشارع هو غياب وسطاء اجتماعيين يحملون مطالب فئات كثيرة إلى صاحب القرار، فلا الأحزاب تقوم بدورها، ولا ممثلو السكان يتحملون مسؤولياتهم، ولا البرلمان موجود في قلب عملية نقل مطالب الشارع إلى الحكومة. زِد على هذا أن شبكات التواصل الاجتماعي الحديثة، حيث يوجد سبعة ملايين مغربي ينشطون فيها، تتكفل بدور تجميع المطالب، وضمان التواصل بين المتضررين، وصياغة دفتر الاحتجاجات، وبث روح التعبئة السيكولوجية الضرورية لإشعال فتيل الحركة. في اليوتيوب عشرات القصائد الشعرية ضد بلمختار، ومئات الصور السلبية عن رئيس الحكومة، وآلاف الدعوات إلى التظاهر وانتزاع الحق من يد الجهاز التنفيذي.

الربيع المغربي مر بسلام على خطاطة السلطة في المغرب وتوزيع الصلاحيات بين الفرقاء، لكن هذا الربيع ترك آثارا وبصمات على ثقافة الاحتجاج وسيكولوجيا النضال، وأدوات التواصل من أجل تعبئة عقول الشباب وفكرهم، وعلى بنكيران أن يأخذ هذا بعين الاعتبار، وألا يدقق فقط في المليون ونصف المليون التي تصوت لحزبه في آخر انتخابات، ففي المغرب 34 مليون مواطن لا يذهبون جميعا إلى صندوق الاقتراع، لكنهم، بدون استثناء، يأكلون ويشربون ويجوعون ويحلمون ويغضبون ويحتجون وربما غدا يثورون، وعلى الدولة التي تفصل المشهد السياسي المقبل أن تأخذ كل هذا بعين الاعتبار، فإذا كان بنكيران وحزبه، وهما الأكثر شعبية اليوم مقارنة بباقي الأحزاب والأمناء العامين، غير قادرين على التحكم في الشارع، فما بالك بأحزاب أخرى وزعامات أخرى لا تُقنع حتى الأغنياء، فما بالك بالفقراء.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عودة الحرارة إلى الشارع عودة الحرارة إلى الشارع



GMT 19:34 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

ليس آيزنهاور

GMT 19:31 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

والآن الهزيمة!

GMT 19:28 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية تأخر قيام دولة فلسطينية

GMT 19:22 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

... عن «الممانعة» و«الممانعة المضادّة»!

GMT 19:19 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن... وأرخبيل ترمب القادم

GMT 19:16 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترامب؟!

GMT 19:14 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاجأة رائعة وسارة!

GMT 18:02 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفاء والاستحياء

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 04:55 2018 الثلاثاء ,07 آب / أغسطس

" Chablé" يمثل أجمل المنتجعات لجذب السياح

GMT 07:57 2018 الثلاثاء ,06 آذار/ مارس

أسوأ من انتخابات سابقة لأوانها!

GMT 20:53 2015 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

شجار بالأسلحة البيضاء ينتهي بجريمة قتل بشعة في مدينة فاس

GMT 22:28 2020 الجمعة ,25 أيلول / سبتمبر

ولي عهد بريطانيا يقدم خطة لإنقاذ كوكب الأرض

GMT 05:06 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

"Hublot" الخزفية تتصدر عالم الساعات بلونها المثير

GMT 09:11 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

فتاة منتقبة بطلة فيلم "ما تعلاش عن الحاجب"

GMT 07:11 2018 السبت ,25 آب / أغسطس

فولكس" بولو جي تي آي" تتفوق على "Mk1 Golf GTI"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib