في عالم يزداد جنوناً

في عالم يزداد جنوناً...

المغرب اليوم -

في عالم يزداد جنوناً

خيرالله خيرالله
بقلم - خيرالله خيرالله

كلما مرّ يوم، يزداد العالم جنوناً في غياب مرجعيّة تضبط المآسي التي تشهدها الكرة الأرضية وتستطيع وضع حدّ لها. يحتار المرء من أن يبدأ في تعداد المآسي. هل يبدأ من حرب غزّة حيث استغلّ اليمين الإسرائيلي «طوفان الأقصى» وغياب أي أفق سياسي لدى حركة «حماس»، لشنّ «حرب إبادة» على القطاع وأهله والسعي في الوقت ذاته إلى تنفيذ هدف مستحيل يتمثّل في تصفية القضيّة الفلسطينية؟

هل يبدأ المرء من الحرب الأوكرانيّة التي أراد الرئيس الروسي من خلالها استعادة أمجاد لا وجود لها، هي أمجاد الاتحاد السوفياتي؟

هل يبدأ من حرب السودان حيث انقلب العسكر، على المجتمع المدني الذي رفض بشجاعة ليس بعدها شجاعة نظام عمر حسن البشير الذي جلس على قلب السودانيين 30 عاما؟


هل يبدأ بصعود اليمين المتطرف في أوروبا؟

هل يبدأ بما فعلته إيران في العراق وسورية ولبنان واليمن، حيث يسود منطق الميليشيات المذهبية التي تصدُر التعليمات إليها من طهران، وهي ميليشيات لا هدف لها سوى تدمير هذا البلد العربي أو ذاك والمتاجرة بالقضية الفلسطينيّة والقدس إلى أبعد حدود؟


يتوج هذا الجنون انحصار المنافسة في معركة الرئاسة الأميركيّة بين جو بايدن الساعي إلى ولاية جديدة على الرغم من تجاوزه الثمانين من العمر من جهة ودونالد ترامب من جهة أخرى.

أمضى بايدن ما يزيد على ثلاث سنوات في البيت الأبيض من دون إظهار أي صفات قياديّة.


لايزال رئيساً حائراً بدأ عهده برفع الحوثيين من لائحة الإرهاب الأميركيّة غير مدرك أبعاد ذلك. لم يدرك منذ البداية مدى سيطرة «الجمهوريّة الإسلاميّة» في إيران على الحوثيين وماذا يعني وجود موطئ قدم لإيران في شبه الجزيرة العربيّة مع إطلالة على البحر الأحمر.

أمّا ترامب، الذي يقترب بدوره من الثمانين، فيتبين في كلّ يوم مدى خطورته على مستقبل أميركا، خصوصاً في ضوء موقفه من الحرب الأوكرانيّة مع ما يستتبع ذلك من غياب أي تقدير لمعنى سقوط دولة أوروبيّة ومحورية مهمّة، مثل أوكرانيا، في يد روسيا.


يستحيل فهم كيف أن قوّة عظمى مثل الولايات المتحدة صارت عاجزة عن إنتاج قيادات سياسيّة جديدة تمتلك فهما أفضل للعالم. لا وجود لأي إستراتيجية أميركيّة لكيفية التعاطي مع مخاطر مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة وخطورة شخص مثل فلاديمير بوتين.

لا وجود لأي فهم أميركي في العمق لموقع الصين في هذا العالم ولقدرة بكين على استغلال أي فرصة من أجل تسجيل نقاط على أميركا.


على الرغم من كلّ ما قيل ويقال عن استياء صيني من زيارة الرئيس الروسي لبيونغ يانغ والاتفاقات التي عقدها مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، لاتزال الصين مهتمة، في ما يبدو، باستمرار الحرب الأوكرانية كون ذلك يجعل روسيا أكثر اعتماداً عليها.

لا يمكن لكوريا الشمالية الخروج من تحت المظلة الصينيّة بأي شكل. من هذا المنطلق، من المناسب للصين وجود تعاون عسكري روسي - كوري شمالي يغنيها عن الاضطرار إلى مساعدة روسيا، عبر تزويدها السلاح، بشكل مباشر.

المهمّ بالنسبة إلى الصين مزيد من الغرق الروسي في الوحول الأوكرانيّة كون ذلك يخدم مصالحها في المدى الطويل ويجعل هذه الدولة التي تمتلك كميات كبيرة من المعادن الثمينة في حضنها.

من الواضح في هذا العالم المصاب بالجنون أنّ بوتين لم يحسن التصرّف في أي مكان من العالم. نراه في هذه الأيام مضطراً إلى العثور على مصدر تسليح من دولة منبوذة هي كوريا الشماليّة ومن دولة أخرى هي إيران في هرب دائم من أزمتها الداخلية إلى خارج حدودها...

لن تمضي أشهر إلّا ويتبلور المشهد العالمي الجديد، خصوصاً في حال فوز ترامب في الانتخابات الرئاسيّة الأميركية وقبل ذلك فوز اليمين الفرنسي في الانتخابات النيابيّة.

ثمّة سؤال سيطرح نفسه بحدة في حال عودة ترامب إلى البيت الأبيض، يتعلّق بمستقبل العلاقات الأميركية - الأوروبيّة ودور حلف شمال الأطلسي الذي يكنّ الرئيس السابق والمرشح الحالي للرئاسة الأميركية ازدراء كبيراً له؟

يحدث ذلك كلّه في عالم لا يمتلك أي قيادات تتمتع برؤية ثاقبة من أي نوع. اختار بوتين، بعدما قرّر غزو أوكرانيا، أخذ روسيا إلى وضع أسوأ مما كانت عليه في عهد الاتحاد السوفياتي.

ظهر أن الرجل لا يعرف شيئا عن العالم الخارجي. فضّل أن يكون حليفاً لنظام مريض مثل نظام كوريا الشماليّة على أن يكون على علاقة جيدة مع أوروبا وأميركا.

فضّل أن يكون حليفاً لإيران والنظام السوري في الحرب التي تستهدف الشعب السوري منذ مارس من العام 2011.

كان جاك شيراك آخر رئيس فرنسي يحسب له حساب... وكان جورج بوش الأب آخر رئيس أميركي يعرف العالم وموازين القوى فيه ومعنى عدم الذهاب إلى بغداد بعد طرد سياسي غبيْ مثل صدّام حسين من الكويت.

كان بوش الأب يعرف أهمّية العراق، بغض النظر عن الشخص المريض الذي كان يحكمه. كان يعرف خصوصاً معنى منع «الجمهوريّة الإسلاميّة» من وضع يدها على العراق والنتائج التي ستترتب على ذلك على الصعيد الإقليمي، في المشرق العربي والخليج...

عندما يجنّ العالم يصير طبيعياً أن تتصرّف إيران في لبنان بالطريقة التي تتصرف بها مستخدمة «حزب الله»، الذي ليس سوى لواء في «الحرس الثوري»، لفتح جبهة الجنوب مع إسرائيل، كما لو أن إسرائيل جمعيّة خيريّة.

لم يعد مستغرباً ربط مصير لبنان بحرب غزّة في ضوء سقوط المنطق في معمعة الجنون التي تسود العالم وانعكاساتها على منطقتنا الممتدة من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في عالم يزداد جنوناً في عالم يزداد جنوناً



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
المغرب اليوم - الكشف عن قائمة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية

GMT 05:06 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

جمهور "الجيش الملكي" يُهاجم مُدرّب الحراس مصطفى الشاذلي

GMT 06:44 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

"Il Falconiere" أحد أجمل وأفضل الفنادق في توسكانا

GMT 00:44 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشف قائمة أفخم الفنادق في جزيرة ميكونوس اليونانية

GMT 15:10 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

شركة دودج تختبر محرك سيارتها تشالنجر 2019

GMT 19:15 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

يوسف النصري علي ردار فريق "ليغانيس" الإسباني
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib