أردوغان يدور حول أردوغان

أردوغان يدور حول أردوغان!

المغرب اليوم -

أردوغان يدور حول أردوغان

خيرالله خيرالله
بقلم : خيرالله خيرالله

ينشغل العالم والمنطقة هذه الأيام بما ستكون عليه تركيا بعد إعادة انتخاب رجب طيب أردوغان رئيساً لخمس سنوات جديدة. ثمّة واقع لا يمكن تجاهله يتمثّل في أن أردوغان بقي في موقع الرئاسة، علماً أن الانتخابات أجريت في ظروف مشكوك في نزاهتها.

ليس معروفاً هل تغيّر اردوغان في ضوء اكتشافه أنّ تركيا، بغض النظر عن التقدّم الذي حققته في ميادين معيّنة، ليست سوى دولة من العالم الثالث من جهة وأنّ حلمه بالقضاء على إرث مصطفى كمال اتاتورك سيقضي على تركيا من جهة أخرى.

أي أردوغان، عاد إلى الرئاسة للتحكم بمصير تركيا التي يتجاهل مشاكلها وأزماتها الداخليّة، خصوصاً في مجالات الاقتصاد والعلاقات الدوليّة... والقدرة على استيعاب الأقلّيات الكرديّة والعلويّة على سبيل المقال وليس الحصر؟

انتصر أردوغان بفضل الدعم الذي وفّرته له السيطرة على أجهزة الدولة، بما في ذلك وسائل الإعلام الرسميّة التي كان مسموحاً له باستخدامها قدر ما يشاء وكيفما شاء. في الوقت ذاته، تعرّض المرشح المنافس كمال قليجدار اوغلو لضغوط جعلت الوقت المتاح له في وسائل الإعلام شبه محدود!

في حال لم يستطع الرئيس التركي، الجديد ـ القديم، استيعاب ما على المحكّ في بلده، يُخشى من تحوّل تركيا إلى رجل المنطقة المريض على غرار ما كانت عليه الدولة العثمانية في السنوات التي سبقت انهيارها في عشرينات القرن الماضي.

سيعتمد الكثير على ما إذا كان في استطاعة رجب طيب أردوغان القيام بمراجعة للذات بدءاً بسؤال نفسه لماذا هذا الهبوط للعملة الوطنية وصولاً إلى فقدانها ثمانين في المئة من قيمتها في سنوات قليلة... منذ بدأ كبار التجار والصناعيين يهربون باموالهم إلى خارج تركيا ؟

مشكلة اردوغان في اردوغان. مشكلته في انّ أردوغان يدور حول أردوغان. إنّه شخص لا يعرف العالم ويكره الغرب ويرفض في الوقت ذاته التعرّف إلى الأسباب التي جعلت تركيا تدخل مرحلة رجل المنطقة المريض.

الواضح أنّها في بداية هذه المرحلة، خصوصاً أنّ الرجل خاض كلّ معاركه من أجل القضاء على إرث مصطفى كمال اتاتورك الذي حول تركيا إلى بلد علماني ومدني وربطه بالغرب.

أنقذ اتاتورك ما يمكن إنقاذه من الدولة العثمانيّة في الحروب التي خاضها قبل توقيع معاهدة لوزان قبل مئة عام. كان بقاء سميرنا التي صار اسمها إزمير مدينة تركيّة من بين ما نجح به اتاتورك في حروبه.

لا يعرف اردوغان العالم ولا يعرف أهمّية الغرب الأوروبي وأهمّية العلاقة باميركا، فضلاً عن دور تركيا في اطار حلف شمال الأطلسي (الناتو).

إلى ذلك، لا يعرف الرئيس التركي الذي أقام نظاماً رئاسيّاً على مقاسه، أنّ العالم الغربي يمثّل الحضارة وذلك بغض النظر عن أي اعتراضات على السياسات الأميركيّة والأوروبيّة.

من يمتلك فرصة الانتماء إلى العالم الغربي وقيمه ولا يستغلّها إنّما يرتكب جريمة في حقّ شعبه وبلده، خصوصاً عندما يظهر حقداً على أوروبا وأميركا ويرضخ لفلاديمير بوتين في سورية وغير سورية.

في الواقع، ثمّة أسئلة كثيرة محورها ما الذي سيفعله أردوغان في ضوء انتصاره. في حال وضعنا جانباً الأزمات الداخليّة التركيّة التي تتقدمها الأزمة الاقتصاديّة، نجد تركيا محاطة بمجموعة لا بأس بها من الدول المريضة.

بين هذه الدول «الجمهوريّة الإسلاميّة» الإيرانية والعراق وسورية. يجمع بين سورية والعراق في هذه الأيّام عنوان عريض هو الهيمنة الإيرانيّة.

في كلّ يوم يمرّ، تزداد الهيمنة الإيرانيّة على العراق، فيما لا يرى أردوغان في العراق سوى الخطر الكردي.

ما ينطبق على العراق، ينطبق على سورية أيضاً. لم يعد لدى بشّار الأسد، في ضوء الهزيمة التي يعاني منها بوتين في أوكرانيا، سوى الارتماء اكثر في الحضن الإيراني الذي لا يستطيع الخروج منه. لا يستطيع ذلك، عاد إلى احتلال مقعد «الجمهوريّة العربيّة السورية» في جامعة الدول العربيّة أم لم يعد.

ليس أردوغان من نوع الرجال الذين يستطيعون مراجعة الذات في العمق. يهتمّ بالخطر الكردي في العراق ولا يهتمّ بأن العراق، في ظلّ حكومة محمّد شيّاع السوداني، يسير بخطى ثابتة في اتجاه الاحوّل إلى نظام إيراني جديد تحت هيمنة «الحشد الشعبي».

هناك «الحرس الثوري» في ايران، وهناك «الحشد الشعبي» في العراق. يسيطر «الحرس الثوري» على ايران ويبدو أنّ «الحشد الشعبي» في طريقه إلى السيطرة على العراق.

تبلغ موازنة «الحشد الشعبي» في العراق 2،8 مليار دولار. تمثل هذه الموازنة نسبة 38 في المئة من الموازنة المخصصة للجيش العراقي. أكثر من ذلك، ارتفع أعضاء «الحشد الشعبي» من 122 الفاً في 2021 إلى 238 الفاً في الوقت الراهن.

ايران نفسها في وضع لا تحسد عليه، نظراً إلى أنّها تعيش في ظلّ أزمات داخلية متفاقمة. كانت الثورة على الحجاب، وهي ثورة ما زالت مستمرّة، افضل تعبير عن عجز النظام عن التصالح مع الشعوب الإيرانيّة.

أين تركيا وسط كلّ ما يدور في المنطقة؟ الأكيد أن شخص أردوغان، الذي ينتمي إلى تنظيم الإخوان المسلمين، لن يستطيع الإقدام على أيّ خطوة في الاتجاه الصحيح.

يكمن الاتجاه الصحيح، بكلّ بساطة في التخلي عن أوهام استعادة تركيا امجاد الدولة العثمانيّة. لو كان ذلك ممكناً، لما انهارت تلك الدولة ولما كان الخلاص التركي في اتاتورك الذي يسعى أردوغان إلى القضاء على إرثه... بحسناته وسيئاته !

الطبيعي أن يطوّر أردوغان في إرث اتاتورك وأن يعمل من أجل مصالحات بين الشعوب التركيّة، بدءاً بالأكراد بدل اللجوء إلى مزيد من التعنت والتزمت... والتقرب من رجل مريض اسمه فلاديمير بوتين.

فاز أردوغان في الانتخابات التي خاضها ضدّ شخص باهت افتقد القدرة على مواجهته بشكل فعال. سيكون التحدي الأهمّ امامه الحؤول دون تحوّل تركيا إلى رجل مريض آخر في المنطقة على غرار ايران والعراق وسورية...

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أردوغان يدور حول أردوغان أردوغان يدور حول أردوغان



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:45 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية
المغرب اليوم - أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
المغرب اليوم - الكشف عن قائمة

GMT 08:47 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تيك توك يتخلص من أكثر من 200 مليون فيديو مخالف خلال 3 أشهر

GMT 02:26 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

احتياطيات ورأسمال بنوك الإمارات تتجاوز 136 مليار دولار

GMT 03:01 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الدفاع الجديدي يهزم حسنية أكادير

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

ميناء طنجة المتوسط يحصل عل قرض من مؤسسة التمويل الدولية “IFC”

GMT 22:42 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب الطرق تواصل حصد أرواح المغاربة

GMT 21:19 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر

GMT 18:13 2023 الثلاثاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

بلينكن يُعلن دعمه المستمر لكييف في الحرب الروسية الأوكرانية

GMT 05:00 2024 الأربعاء ,13 آذار/ مارس

توقعات الأبراج اليوم الأربعاء 13 مارس/ آذار 2024
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib