لبنان عشية الارتطام

لبنان... عشية الارتطام

المغرب اليوم -

لبنان عشية الارتطام

مصطفى فحص
بقلم : مصطفى فحص

كواحدة من جمهوريات الموز، تنزلق الأزمة المالية في لبنان ومعها السياسية نحو نقطة اللاعودة، وتصبح قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى الارتطام الكبير، بسبب خبر سرَّبه الإعلام عن أن وزارة الخزانة الأميركية قريبة جداً من وضع حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة على قائمة العقوبات، ما تسبب بانخفاض سريع وحاد بسعر العملة الوطنية أمام الدولار الأميركي، بحيث لم يعد ممكناً السيطرة على السوق المالية، وهذا يعني تفاقم الأزمة المعيشية، الأمر الذي يهدد بفوضى شاملة ستحاول منظومة السلطة رفع مسؤوليتها عنها، تحت ذريعة أن الخارج يتآمر على اللبنانيين من أجل فرض شروطه السياسية والمالية على استحقاقاتهم الداخلية.

طبعاً لم تتأخر السلطة الحاكمة المهووسة بنظرية المؤامرة في التصويب على الخارج، وهذه المرة حمايةً لرياض سلامة، باعتبار أن العقوبات عليه ليست لأنه فاسد، بل بسبب علاقته بـ«حزب الله»، حسبما جاء في الإعلام الممول من منظومة السلطة، وهذا ذريعة لتبييض صفحة سلامة رداً على جميليه في تبييض أموالها أولاً، وثانياً كونها تدرك أن العقوبات على سلامة تعني بداية فعلية لفكفكة المؤسسات الضامنة لمصالحها.
خروج سلامة من المشهد نتيجة فعل خارجي عقاباً له على أفعال داخلية يمثل لحظة مفصلية في تاريخ لبنان الحديث، إذ إن تداعياته تؤكد أنه لم تعد هناك كوابح تخفِّف من سرعة الارتطام، والأخطر أنه يتزامن مع خروج شخصيات أمنية من المشهد العام ولكنّ ذلك لأسباب داخلية، حيث كانت أنظار اللبنانيين متجهةً نحو مجلس النواب قبل أن تتحول إلى مصرف لبنان، من أجل حل أزمة الفراغ المقبلة في إدارات الدولة الأمنية، حيث من الصعب تأمين نصاب الجلسة البرلمانية للتمديد لهم من جهة، ومن جهة أخرى هناك من يتمسك بالرأي الدستوري الذي يقول إن المجلس منذ نهاية ولاية رئيس الجمهورية قد تحول إلى هيئة ناخبة وليست تشريعية، فالواضح أن المنظومة قد دخلت مرحلة التآكل الداخلي بحيث إنها لأول مرة تعطل مصالحها المشتركة.
تدخل الأزمة اللبنانية بجميع جوانبها مرحلة الانهيار السريع، والأخطر أنه لم تعد هناك إمكانيات لا داخلية ولا خارجية لكبحها أو ضبط تداعياتها، إذ إن أزمة العملة الوطنية وسعر صرفها أمام الدولار الأميركي باتت تهدد ما تبقى من استقرارٍ هش، قد تأخذ لبنان إلى فوضى غير معروفة الشكل والمعالم، ولا يستبعد إلا تكون اجتماعية فقط، بل إن مخاطر الفوضى الأمنية تتصاعد في بلد وصل فيه التعطيل والفراغ في مؤسسات الدولة من الحاجب إلى الرئيس.
رئاسياً لا يبدو أن فرص انتخاب رئيس للجمهورية ممكنة في المدى المنظور، والوقائع الحالية تكشف أن مَن فرض على اللبنانيين انتظار سنتين ونصف السنة فراغاً حتى يملأه بفراغ آخر اسمه عهد ميشال عون، هو غير قادر في هذه المرحلة على ملء الفراغ الرئاسي مجدداً بما يناسبه أو إدارته، لذلك يصوّب سهامه نحو الداخل والخارج؛ مطالباً الأول، أي الداخل، بالحوار بين الكتل النيابية من أجل تقريب وجهات النظر، والخارج -اجتماع باريس الخماسي- بعدم التدخل لأنه إذا تدخل سيكون منحازاً وسيخرِّب أكثر من هذا الخراب في بلدنا.
فعلياً، تواجه المنظومة وحزبها الحاكم صعوبة في الحصول على أغلبية برلمانية تمنحها القدرة على انتخاب رئيس أو فرضه تحت غطاء التوافق، أو استدراج الداخل والخارج معاً من أجل مساومتها على الاستحقاقات الدستورية (رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء)، وفي ذلك يقول نائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم: «مع هذه الأزمة الاقتصادية الاجتماعية وما نعيشه وارتفاع الدولار الجنوني الذي لا يمكن أن ‏يُحتمل، لا حلَّ له إلا بسلوك الطريق الدستورية وبانتخاب رئيس للجمهورية ومن بعده حكومة ومن ثمَ ‏خطة إنقاذ، وإذا بقيت الأمور من دون اتفاق على حلٍّ معين فالأمور صعبة ومعقَّدة».
وعليه، فإنه برفع الغطاء الخارجي عن البنك المركزي، والداخلي عن القادة الأمنيين، يبدو أن لبنان قد وصل إلى نقطة الارتطام.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان عشية الارتطام لبنان عشية الارتطام



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 06:38 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

السجائر الالكترونية قد تحمل مخاطر صحية غير معروفة
المغرب اليوم - السجائر الالكترونية قد تحمل مخاطر صحية غير معروفة

GMT 12:48 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الميزان السبت 26-9-2020

GMT 11:52 2020 السبت ,07 آذار/ مارس

تشكيل الوداد لمواجهة النجم الساحلي

GMT 04:35 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

إليكم أفضل الأماكن في لبنان لهواة رياضة ركوب الشواطيء

GMT 12:34 2019 الخميس ,13 حزيران / يونيو

موزيلا ستطرح نسخة مدفوعة من فايرفوكس

GMT 01:29 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

10 صنادل مميّزة تكمل أناقة الرجل العصري في 2019

GMT 19:33 2019 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

بايرن ميونخ يفقد أحد أسلحته أمام بريمن
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib