السلطة والسلاطة

السلطة والسلاطة!

المغرب اليوم -

السلطة والسلاطة

بقلم : جمال بودومة

كنت مارا قرب البرلمان، ذات مساء، حين رأيت حشدا من رجال السلطة يفرق تظاهرة للعاطلين. كان المحتجون جنب النافورة، المقابلة لمحطة القطار، التي باتت تكسوها الطحالب وتنق فيها الضفادع من كثرة الإهمال، وحولهم عشرات المخازنية المستعدين لـ”خزيت”، كما يدل على ذلك حرفا الخاء والزاي في تسميتهم، فضلا عن بذلاتهم البنية وهراواتهم السوداء ونظراتهم الشزراء، كان معهم ضباط يضعون نجوما على الكتف و”تولكي ولكي” في اليد ويعتقدون أن الرعد لا يمكن أن يزمجر في السماء إلا بإذنهم والمطر لا يمكن أن يسقط إلا إذا حصل على ترخيص من وزارة الداخلية. وسرعان ما تمكنوا من تشتيت الغاضبين دون ضرب. بدل استعمال الهراوات، أطلقوا على المتظاهرين وابلا من الشتائم السوقية والكلمات البذيئة، التي كنا نحن المارة والفضوليون نسمعها بوضوح… العنف اللفظي أدى إلى إرباك المحتجين وتقسيمهم، البعض كان يرد على الشتيمة بأحسن منها، آخرون كانوا يحاولون أن يشرحوا لأصحاب القبعة أنه من العيب على رجل يمثل الدولة أن يتلفظ بمثل هذه البذاءات، دون جدوى، فيما تراجعت الأكثرية إلى الوراء خوفا مما لا تحمد عقباه. أكثرية المحتجين كانوا نساء، سمعن من الكلمات السوقية ما لا يمكن سماعه في أحقر البارات. فهمت حينها أن الكلام النابي من تقنيات الردع عند الأجهزة الأمنية، تماماً مثل خراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع… ويبدو أن هناك “دروسا” في الكلام الساقط تلقن في معاهد التكوين التي يتخرج منها رجال السلطة، المواطن مجرد حشرة، وعليهم ألا يترددوا في دعسها بأحذيتهم الثقيلة كلما استدعى الأمر ذلك، وبإمكانهم نهش أعراض الناس وشتم آبائهم وأجدادهم وكل أفراد سلالتهم، ماداموا في النهاية مجرد “سيفيل”!
تذكرت هذا “الفيلم البوليسي” وأنا أتأمل فجيعة الحسيمة، التي ذهب ضحيتها بائع السمك محسن فكري الأسبوع الماضي، ولعل أكثر ما يستوقف في المأساة، بعد الصور البشعة في حاوية الأزبال، هي الجملة التي نسبت إلى رجل السلطة قبل أن يتم فرم الضحية: “طحن مو”… عبارة سرعان ما تحولت إلى “هاشتاگ” أشعل الفضاء الأزرق.
لحسن الحظ أن هناك رقابة شعبية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لم تعد تسمح لمثل هذه الانتهاكات بأن تمر في صمت. فهمنا ذلك بشكل واضح في غشت 2013 حين خرج الناس إلى الشارع مطالبين بإعادة مغتصب الأطفال دانيال گالڤان إلى زنزانته. ورغم أن الأمر يتعلق بـ”عفو ملكي”، والمغاربة لم يتعودوا على الاحتجاج ضد ما يقرره القصر، لا أحد استطاع أن يوقف الشرارة التي اشتعلت كما تشتعل النيران في التبن اليابس، لم ينجح أحد في إيقاف الغضب الذي انتشر عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وتحول إلى تظاهرة في الشارع، تعرضت لقمع مفرط من طرف السلطة لكنها حققت الهدف، حيث رأينا السلطات الإسبانية تلقي القبض على گالڤان والملك يزور عائلات الضحايا في بيوتهم.
“طحن مو”، “عطي لوالديه”، “فرشخ الكلب”، “خسر لمو كمارتو”… السلطة في المغرب مشتقة من السلاطة، ولا أعرف متى يفهم القيمون على أمن المغاربة أن السلطة ثقافة وتربية، والحفاظ على الأمن لا يكون باحتقار الناس وشتمهم وطحنهم مع النفايات. ولا يسعنا إلا أن نسأل عبداللطيف الحموشي والشرقي الضريس ومحمد حصاد أو من سيخلفه: “من أين يأتي رجالكم بكل هذا الحقد على المواطنين”؟ وأين “المفهوم الجديد للسلطة” الذي يتحدث عنه الملك في خطبه منذ سبعة عشر عاما؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السلطة والسلاطة السلطة والسلاطة



GMT 16:20 2020 الخميس ,30 كانون الثاني / يناير

سعيد في المدرسة

GMT 11:52 2020 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

تيفيناغ ليس قرآنا!

GMT 14:26 2019 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

«بيعة» و «شرية» !

GMT 05:27 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

«لا يُمْكن»!

GMT 03:32 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

!الوهم الأبیض

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 04:55 2018 الثلاثاء ,07 آب / أغسطس

" Chablé" يمثل أجمل المنتجعات لجذب السياح

GMT 07:57 2018 الثلاثاء ,06 آذار/ مارس

أسوأ من انتخابات سابقة لأوانها!

GMT 20:53 2015 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

شجار بالأسلحة البيضاء ينتهي بجريمة قتل بشعة في مدينة فاس

GMT 22:28 2020 الجمعة ,25 أيلول / سبتمبر

ولي عهد بريطانيا يقدم خطة لإنقاذ كوكب الأرض

GMT 05:06 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

"Hublot" الخزفية تتصدر عالم الساعات بلونها المثير

GMT 09:11 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

فتاة منتقبة بطلة فيلم "ما تعلاش عن الحاجب"

GMT 07:11 2018 السبت ,25 آب / أغسطس

فولكس" بولو جي تي آي" تتفوق على "Mk1 Golf GTI"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib