فوز ترامب وأزمة الديمقراطية

فوز ترامب وأزمة الديمقراطية

المغرب اليوم -

فوز ترامب وأزمة الديمقراطية

بقلم : حسن طارق

أحد كُتّاب الافتتاحيات الفرنسيين، كان قد انتبه إلى مفارقة التاريخ بين زمنين: 9 نونبر 1989، و9 نونبر 2016، حيث يحيل الأول إلى سقوط جدار برلين، فيما يؤرخ الثاني لانتصار المرشح الجمهوري دونالد ترامب.
مفارقة تقف على الحدود بين قدرة السياسة على صنع الآمال الكبرى في التغيير، وبين إمكانية تعبيرها عن الانحسار والأزمة .
فوز ترامب ليس مجرد هزيمة مدوية للاستطلاعات، وتمردا قويا للناخبين على النخبة، وعجزا غير مسبوق للمؤسسة المركزية على التحكم في مخرجات اللعبة السياسية، لكنه، بالأساس، تعبير عن أزمة في السياسة.
في الواقع، فإن الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ظلت منذ عقود أحد عناوين تحولات الفعل السياسي ومرجعياته الفكرية والقيمية عبر العالم. إذ في كثير من الحالات كان فوز رئيس أمريكي، يعني، كذلك، انتصارا لحساسية اقتصادية، أو لرؤية مذهبية للسياسات الاجتماعية، أو لتعبير عن صعود أو أفول في التمثلات الجماعية للانتماء الوطني والهويات القومية، فضلا عن أنه غالبا ما يعبر عن نظرة جديدة للعلاقات الدولية وللعالم.
بهذا الشكل يمكن بسهولة أن نفكر في أي من الرؤساء الأمريكيين، تم سننتبه إلى تزامن مرورهم في البيت الأبيض، بوصول عديد من رؤساء الدول الكبرى الذين يقتسمون معهم الكثير من أفكارهم لسدة الحكم .
وصول ترامب إلى منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بهذا المعنى، ليس حدثا أمريكيا خالصا، ليس فقط، لأن الأمر يتعلق بقوة عظمى مؤثرة في السياسة الدولية، بل كذلك لأن الأمر يتعلق بواحدة من كبريات النماذج السياسية الملهمة في عالم اليوم، والتي يصل صداها بالتأكيد إلى خارج القارة الأمريكية.
إنه كذلك، ينتمى إلى لحظة كبرى للتشكيك في فرضية التقدم السياسي، وهي لحظة تتميز بتنامي الأحزاب اليمينية المتطرفة بأوروبا، وفي تصاعد موجات العداء للإسلام وللأجانب، وفي تطبيع مخيف مع خطابات العنصرية والكراهية واللاتسامح، وفي اتساع رقعة الأطروحات الشعبوية، وفي قرار الناخبين البريطانيين الخروج من الاتحاد الأوروبي .
هل الأمر يتعلق إذن، بأزمة الديمقراطية؟
بالتأكيد، ذلك أن الاقتراع العام قد يتحول في كثير من اللحظات، إلى آلية شرعية لتسويغ سياسات لا تنطلق بالضرورة من القيم المؤسسة للفكرة الديمقراطية، ولتتويج قيادات تعلن خصومتها مع قيم التسامح وثقافة المساواة ومبادئ الحقوق الإنسانية .
يقع ذلك عندما، تبدو الشعبوية كما لو كانت لوحدها تملك الأجوبة عن غضب المواطنين وتركز الثروة وفساد النخب .
يقع ذلك عندما، تصبح الديماغوجية الجواب الوحيد عن أزمة السياسة ومحدودية البدائل وتزعزع يقينيات الجمهور.
يقع ذلك عندما، تصبح خطابات اليمين المتطرف، الملجأ الأخير للناخب المدفوع بهاجس الخوف، وبتضخم تمثلاته الهوياتية.
يقع ذلك عندما تتحول الديمقراطية إلى دفاع نكوصي عن الهويات النقية، وعن أمجاد الماضي المتخيل، عوض أن تكون مغامرة إنسانية نحو المستقبل والحرية .
تبقى، إذن، الديمقراطية كما وصفها المفكر الفرنسي “ريمون آرون”، نظاما وضعيا وبشريا. لذلك، فهي بطبيعتها لا تحيل إلى الكمال، وتحتمل الكثير من التطبيقات اللاعقلانية، مادامت طوبى الديمقراطية العقلانية المستحيلة، كانت تفترض أن نعين أفضلنا ونقول لهم: “احكمونا بمنطق المصلحة العامة”. لكننا للأسف لم نتمكن يوما من معرفة من هم أفضلنا، وأين تمكن مصلحتنا العامة!
يثبت التاريخ، في واقعة ترامب، مرة أخرى، أن مساره السياسي ليس خطيا في اتجاه واحد، وأنه معرض دائما للارتدادات وللتراجع، وأن الديمقراطية كأحد عناوين عصر الحداثة تظل مشروعا غير مكتمل!
لكنها تبقى مع ذلك، هي وحدها من يملك القدرة على تجاوز أزماتها وأعطابها الذاتية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فوز ترامب وأزمة الديمقراطية فوز ترامب وأزمة الديمقراطية



GMT 09:40 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

فعول، فاعلاتن، مستفعلن.. و»تفعيل» !

GMT 06:51 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

من يسار ويمين إلى قوميين وشعبويين

GMT 07:57 2018 الثلاثاء ,06 آذار/ مارس

أسوأ من انتخابات سابقة لأوانها!

GMT 06:13 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

خطة حقوق الإنسان: السياق ضد النص

GMT 07:07 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

المهنة: مكتب دراسات

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 17:56 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
المغرب اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 17:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 04:55 2018 الثلاثاء ,07 آب / أغسطس

" Chablé" يمثل أجمل المنتجعات لجذب السياح

GMT 07:57 2018 الثلاثاء ,06 آذار/ مارس

أسوأ من انتخابات سابقة لأوانها!

GMT 20:53 2015 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

شجار بالأسلحة البيضاء ينتهي بجريمة قتل بشعة في مدينة فاس

GMT 22:28 2020 الجمعة ,25 أيلول / سبتمبر

ولي عهد بريطانيا يقدم خطة لإنقاذ كوكب الأرض

GMT 05:06 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

"Hublot" الخزفية تتصدر عالم الساعات بلونها المثير

GMT 09:11 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

فتاة منتقبة بطلة فيلم "ما تعلاش عن الحاجب"

GMT 07:11 2018 السبت ,25 آب / أغسطس

فولكس" بولو جي تي آي" تتفوق على "Mk1 Golf GTI"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib