يوم بيوم

يوم بيوم

المغرب اليوم -

يوم بيوم

بقلم - نور الدين مفتاح

اجتاز السيد رئيس الحكومة الاختبار الاختياري لمائة يوم من عمر حكومته بسلاسة، وعلى الرغم من أن الأمور مرّت مرور الكرام، أي خفيفة ظريفة، فإن السيد العثماني أصر على أن يوطد هذه المحطة بتحرك إعلامي مكثف اختار له دائرة ضيقة من الصحف في البداية ليدرش معها حول بعض الكواليس الشخصية والسياسية والحزبية، التي نُشرت نتف منها بشكل غير ملفت، وأعطى بعدها حوارات مطولة لصحف أخرى، وانتهى الاختبار أو انتهى الإحتفال بإصدار كتيب أنيق بعنوان تسويقي لا بأس به: "120 يوم 120 إجراء: حصيلة أربعة أشهر من عمل الحكومة".
 
وبعيدا عن سرد هذه الإجراءات والدخول في معركة تناطحية حولها، فإن السؤال الذي يطرحه الوزراء قبل الأجراء والحكومة قبل الشعب هو لماذا ينسل عمر هذه الحكومة كما تنسل الشعيرات من رأس مشروع أصلع؟ أي ببطء شديد وبدون أن تحس بها ولا تسأل عن النتيجة! ما الذي ينقص هذه الطبخة التي يوجد بها فطاحلة وفحول في العمل السياسي وجمهرة من القيادات الحزبية ومن جهابذة القطاع الخاص ومن الخبراء دون أن يكون لها رنين؟ لماذا انهارت نسب مشاهدة المسؤولين في وسائل الإعلام العمومية؟ ولماذا رجعت متابعة رئيس الحكومة ومن معه القهقرى؟
 
"إن المسؤول السياسي يجب أولا أن يعمل وليس أن يتكلم"، يقول السيد العثماني في واحد من حواراته، وهو جواب صحيح في المبنى ومجانب للصواب في المعنى، فطاقة العمل وزاده هو الكلام، والكلام هو تقديم لحساب فرض عين لمن نسوسهم، وبالكلام تمارس الرقابة على ممارسي الشأن العام، ومن الكلام يبدأ كل شيء: "في البدء كانت الكلمة"، وعندما يعزف الناس عن المتكلم المسؤول ويسامحون في حقهم في الكلام، وتصبح الممارسة السياسية الطبيعية في المؤسسات، وخصوصا البرلمان، وفي الإعلام باردة كالقطب المتجمد ونحن في إفريقيا، فهذا يعني أن هناك مشكلا حقيقيا لا يمكن أن نخفيه، وهو ما يمكن أن نسميه بدون خشية مبالغة بـ "خطيئة الولادة" وبوجود فريق حكومي كأنه إكس بن إكس، مع احترامنا الكامل للإكس بن إكسات الذين لا ذنب لهم في وضعيتهم. وهذا الفريق وجد بعد ولادته أن الجميع يتبرأ منه أو يكاد، وعلى رأس اللائحة ملك البلاد، الذي عبر بالواضح عن امتعاضه من السياسة كما تمارس اليوم ومن الإدارة، التي يعتبر السيد سعد الدين العثماني رئيسها بمنطوق الدستور، وبعده هناك قواعد الحزب نفسه الذي يقود الحكومة، و"العدالة والتنمية" اليوم يغلي وكل مقومات مشروع الانشقاق قائمة في صفوفه لا يفرملها إلا بعض ما تبقى من روابط الدين بين أعضائها، وبعده هناك "المؤلفة قلوبهم" الذين يوجدون في الحكومة وهم لها كارهون، وأسماؤهم معروفة، وبعدهم هناك الرأي العام الذي لم يعد يهتم حتى بانتقاد هذه الحكومة ولا يعير اهتماماً حتى لمنجزاتها ولا يتابع أنشطتها ولا يبالي.
 
إنها ليست حكما على رئيس، فالدكتور سعد الدين العثماني رجل مشهود له بالكفاءة، وهو رجل فكر وعلم، وبعدها كان رجل سياسة يعي ما يفعل ويزن ما يقول، وله تجربة وازنة في قيادة حزب العدالة والتنمية قبل ابن كيران وفي تقلده لمنصب هام كرئيس للديبلوماسية المغربية، وقبل هذا وذاك خبر دواليب المؤسسة التشريعية، والأهم هو خصاله الشخصية التي تكاد لا تجعل له خصوما تقريبا، لأن أسلوبه المهادنة، وهو في هذا نقيض مزاج عبد الإله ابن كيران، ولكن! نعم رغم كل هذا هناك ولكن، السي العثماني جاء في ظروف سيئة للغاية، ويكاد يكون قد قام بانتحار سياسي شخصي في مساره هو ومصطفى الرميد ومحمد يتيم على الخصوص، وهذا لا علاقة له بالولاء الشخصي لابن كيران من عدمه، بل له علاقة وطيدة باتخاذ موقف تاريخي من محطة مفصلية في الانتقال الديموقراطي الذي نعيشه. نعم، لقد وضع هؤلاء بعد خمسة أشهر من البلوكاج المحكم لإخراج حكومة ابن كيران في اختيار خطير بين المشاركة والوفاء لنهجهم القديم المسمى التدرج أو القطيعة، مع ما يعنيه ذلك من مقامرة في ظل وضع دولي انهارت فيه الحكومات الإسلامية في كل مكان. ولكن اختيار "السلامة" بدل "طريق الندامة" لم يكن موفقا، وتقديرات الإخوة الذين اعتقدوا أنهم أصحاب الرسم العقاري لفوزهم الانتخابي ويمكن أن يفعلوا به ما يشاؤون لم يتقبلها ناخبوهم ولا الرأي العام، ولم تتقبلها قواعد حزبهم، وهذا هو العمق في هذا العزوف عن معرفة ما فعلت حكومة السي العثماني أو ما لم تفعل. إنها ناقصة شرعية لأنها غير عاكسة حقيقة لإرادة الشعب، ومع الأخذ بعين الاعتبار التعقيدات الدستورية في المملكة المغربية، يمكن أن نقول بشكل أكثر دقة إنها غير عاكسة لإرادة هذا الجزء المخصص للشعب في الحكم. والنتيجة المرّة من كل هذا أنه سواء بعد 120 يوما، أو 230 أو 3360 يوماً الذي هو عمر الحكومة المفترض، فإن الحال سيبقى كما هو عليه من برود يكاد يجمد عروق الحياة السياسية في البلاد، ومن فراغ في خزان وقود التعبئة الشعبية، وسيتعمق تنافر مغطى اليوم بثوب البدايات إلى أن ينزاح رويدا رويداً قبل أن يسقط.
 
الناس في المغرب ليسوا ثوريين، إنهم لا يريدون إلا الإصلاح، كرامة وحرية وحقوق. إنهم ينتظرون أن تتحسن أحوالهم ولم تتحسن، وبعد 5 سنوات أو 6 أو سبع، يأتي من يقول لهم لقد أعطينا منحة هنا وتعويضا لأرملة هناك وحدا أدنى لمعاش هنالك، دون مشاريع مبهرة منبثقة من أفكار خلاقة تخرج الملايين من المعازل وقبور الحياة. لهذا يعتبر المشكل أولا سياسيا، أي أن نختار خدمة مغاربة التحت وليس خليطا من أصحاب الملايير والريع والتهريب الحزبي والترقيع، بدعوى أن السياسة هي القيام بما نستطيع لا ما نريد كما قال السيد العثماني نهاية الأسبوع.
 
إذا لم تكن إرادتكم بيدكم فاتركوها لمن إرادته بيده، فسيفعل أحسن للغلابى والمحزونين، لأن وجودكم بكل نظافتكم هو عرقلة لإصلاح لا يريدون أن يحسب لكم. وهذه الوضعية إن استمرت، وهذا هو الراجح، فلا تنتظروا لا ترميما ولا إصلاحا، ومرحبا بالطريق إلى المزيد من الانبطاح والانحطاط.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يوم بيوم يوم بيوم



GMT 05:24 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

قمة الاستخفاف.. العاصمة الجديدة في القطرانة

GMT 06:11 2017 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

الملك والعثماني يعزفان لحنين مختلفين

GMT 05:02 2017 الخميس ,27 تموز / يوليو

الرواية لم تكتمل فصولاً بعد

GMT 06:25 2017 الثلاثاء ,04 تموز / يوليو

العثماني أطلق رصاصة فارغة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:33 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
المغرب اليوم - أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة

GMT 12:48 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الميزان السبت 26-9-2020

GMT 11:52 2020 السبت ,07 آذار/ مارس

تشكيل الوداد لمواجهة النجم الساحلي

GMT 04:35 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

إليكم أفضل الأماكن في لبنان لهواة رياضة ركوب الشواطيء
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib