جلالة الملك، توفيق بوعشرين وحرب الثروة

جلالة الملك، توفيق بوعشرين وحرب الثروة

المغرب اليوم -

جلالة الملك، توفيق بوعشرين وحرب الثروة

بقلم - نور الدين مفتاح

أسبوع حزين بكل ما في الكلمة من معنى. والبداية بالوعكة الصحية التي ألمت بعاهل البلاد الملك محمد السادس، بحيث اضطر لإجراء عملية جراحية غير معقدة لضبط دقات القلب، وكانت الصورة العائلية التي تم تعميمها بشكل غير رسمي جد معبرة، بحيث بدا فيها كل أفراد الأسرة -باستثناء الأميرة للاسلمى- بدون بروتكول والملك على سريره كأي مريض، وهي بالتأكيد أجرأ صورة في تاريخ الملوك العلويين تصل إلى حدود إظهار الملك وهو على فراش المستشفى. إن الذات الملكية في التقاليد المرعية لها ضوابط بين حال شخص الملك وصورته في المخيال العام، إلا أن هذا تكسر بنوع من التدرج إلى أن وصل إلى هذه الصورة التي ستدخل إلى التاريخ. فحمداً لله على السلامة جلالة الملك، وبالشفاء العاجل إن شاء الله.

أما المسألة الثانية، فهي القنبلة التي تفجرت في الوسط الإعلامي المغربي في قضية توفيق بوعشرين، مالك مجموعة "ميديا 21" المصدرة ليومية "أخبار اليوم" وموقعي "اليوم 24" و"سلطانة". ومنذ مداهمة مقر يوميته مساء الجمعة الماضي، وإلى غاية صدور البلاغ المزلزل للوكيل العام للملك حول متابعته في حالة اعتقال من أجل جنايات تتمحور كلها حول جرائم جنسية، أقيمت المحاكمات وصدرت  الأحكام على رأس كل ساعة سواء من طرف الذين كانوا معه أو الذين كانوا ضده، وهكذا أدينت الأجهزة منذ الساعة الاولى للاعتقال وصدر الحكم باستهداف حرية "الصحافة"في المغرب، وفي المقابل تم التشفي في الرجل وإدانته وهو ما يزال لم يكسب حينها حتى صفة المتهم بعد! والذي غاب في هذه القضية، التي ستكون بالفعل "قضيّة القرن" كما قال أحد محاميي بوعشرين، هو التريث والاحتكام إلى صوت العقل ببناء الأحكام على الوقائع التي لا يعرف كل حقيقتها لحد الآن أحد،وحتى  عندما قرر  الوكيل العام للملك متابعته 

توفيق بوعشرين بتهم ثقيلة، منها الاتجار بالبشر والاغتصاب وتسجيل 51 فيديو لتوثيق ممارسات جنسية مفترضة، فإنه في عرف القانون وأمام القاضي لا يصبح محضر الإتهام إلا بيانا وليس حكما ، ولا يحكم القاضي إلا حسب ما يدور أمامه في الجلسة. ولهذا، وحتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وكذا حتى نكون نزهاء فكريا ومنصفين مع أنفسنا قبل غيرنا، وكي نعرف من هو الضحية في هذا الملف ومن هو الجاني، لابد أن نستند إلى الوقائع التي ستعرض على المحكمة ابتداء من 8 مارس القادم، وكل ما جرى خلال أطوار الإحضار أو الاستنطاق أو التكييف أو الشهود أو وسائل الإثبات المادية سيكون محط دفوعات شكلية تعقبها استنطافات ومواجهات ومرافعات في الجوهر، وحينها ستنجلي حقيقة مع من يجب أن نتضامن، وكل هذا مشروط بضمانات المحاكمة العادلة. ومع احترامي لكل الآراء، أظن أن كل اندفاع في هذا الاتجاه أو ذاك هو وضع للعربة أمام الحصان.

وأما عن الملف الثالث، فإنه يتعلق  بوافعتين مقلقتين تلقيناهما باندهاش في ما يتعلق بقضية وحدتنا الترابية.  فمن جنوب إفريقيا، قررت المحكمة العليا هناك في 23 فبراير الماضي مصادرة شحنة باخرة الفوسفاط المغربية المقدرة بـ 50 ألف طن، بدعوى أنها مستخرجة من أراضي لا سيادة لبلادنا عليها! وكأن قضاء جنوب إفريقيا أصبح محكمة دولية تقرر في نزاع معروض على الأمم المتحدة!

وفي 27 فبراير أصدرت محكمة العدل الأوربية قرارا بخصوص اتفاقية الصيد البحري المزمع توقيعها بين الاتحاد الأوربي والمغرب بأن هذا الاتفاق لا ينطبق على الصحراء!

وبغض النظر عن حجم الأضرار المباشرة التي يمكن أن تمس المغرب من مثل هذه القرارات، كالإغلاق العملي للطريق البحري الذي يمر عبر جنوب إفريقيا في وجه المنتجات المغربية، أو تهديد مداخيل الصيد البحري التي لا تتجاوز بالنسبة للمغرب 36 مليون أورو، فإن السؤال الأهم هو لماذا في الوقت الذي يحقق المغرب على الأرض تحولا هائلا في المقاربة التدبيرية للثروات الطبيعية بالأقاليم الجنوبية، نجده يتعثر دوليا في ملف ثروات الصحراء الذي أخذته البوليساريو منذ 2010 كرأس حربة في معاركها ضد المغرب؟ لماذا في الوقت الذي يخصص المغرب 140 مليار درهم لأكبر مشروع تنموي في تاريخه خاص بالجنوب، نجده يراكم الأحكام التي تعتبره فاقدا لشرعية استغلال ثروات الصحراء؟

إن المغرب لن يتضرر أكثر من إسبانيا مثلا إذا لم يتم إبرام اتفاق الصيد البحري، ولا المغرب محتاج لفوسفاط الصحراء، بحيث إن احتياطيه من فوسبوكراع لا يتجاوز 1,6٪ من الاحتياطي الوطني، وإنه منذ 1975 لم يصل التوازن المالي لشركة الفوسفاط بالصحراء إلا سنة 2008، وإن كل ما يستخرج من هناك تصرف أضعافه في الصحراء، وهلمّ حججا ومرتكزات وحقائق يصاب إزاءها الإنسان بالغبن وهو يرى هذا المآل لبعض القضايا التي يقفز خصومنا فرحاً بانتصارات قزمية بها. صحيح أن المغرب في صحرائه وأن سيادته عليها ليست للمساومة، ولكن لابد للمسؤولين عن الملف من أن يستيقظوا، وأنا أحيلهم على الحوار العميق للأستاذ ادريس الكراوي، الأمين العام للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، لكي لا يرتكنوا إلى ارتياح ذاتي زائف أو يعلقوا تقصيرهم على شماعات متهالكة. إن التشخيص موجود، والوصفة جاهزة، فهل من منفذ قوي  ومحارب جسور كفء؟ والله لا أدري، ولكن من خلال ما جرى في الاتحاد الإفريقي في قمة أديس أبابا الأخيرة، وما جرى في جنوب إفريقيا وبالمحكمة الأوربية، أعتقد أن وضع نقطة استفسار أو استنفار أصبح ضروريا، والغريب أن لا أحد من المكلفين بالملف، وعلى رأسهم السيد وزير الخارجية ناصر بوريطة، يكلف نفسه حتى عناء الخضوع لمساءلة الرأي العام، وهذا قلناه قبل أسابيع ونعيده اليوم، فلعل التكرار يساهم في وقف تثاؤب من هم مسؤولون عن مواجهة الأخطار.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جلالة الملك، توفيق بوعشرين وحرب الثروة جلالة الملك، توفيق بوعشرين وحرب الثروة



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:16 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
المغرب اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 17:56 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
المغرب اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 17:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 01:29 2023 السبت ,23 أيلول / سبتمبر

فيسبوك يغير شعاره إلى اللون الأزرق الداكن

GMT 20:43 2023 الإثنين ,01 أيار / مايو

المغرب يُنافس في بطولة العالم للملاكمة

GMT 21:54 2023 الجمعة ,17 شباط / فبراير

الليرة تسجل تدهوراً جديداً فى لبنان

GMT 23:47 2023 الأحد ,15 كانون الثاني / يناير

أسواق الخليج تتباين ومؤشر "تداول" يتراجع 0.2%

GMT 20:22 2022 الأربعاء ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

عملة "بيتكوين" تخسر أكثر من عشر قيمتها في 24 ساعة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib