فقراء ميزانية الدولة

فقراء ميزانية الدولة

المغرب اليوم -

فقراء ميزانية الدولة

بقلم : نور الدين مفتاح

قال السيد وزير المالية الجديد إن ميزانية المغرب لا تكفي للقضاء على الفقر الضارب في البلاد، وزاد أن الواجب يفرض أن يتم تقاسم أعباء محاربة الفوارق الاجتماعية، وترجمة هذا الكلام بلغة الوضوح هي ألا يعول المواطنون المغاربة المحرومون على الدولة لإنصافهم، وأن أحلامهم ستبقى معلقة إلى أن تتحقق في الجنّة إن شاء الله

ومشكلة السيد بنشعبون، المدير العام للبنك الشعبي السابق، هي أنه اقتلع من بيئته الطبيعية كتكنوقراطي جيد وبنكي ناجح ليزرع في مناخ آخر غريب عنه، وبالتالي، فقد وجد نفسه في رمشة عين يتحول من رعاية أرقام أرباح بنكه إلى تدبير أرقام ميزانية الدولة، وهناك فرق شاسع بين عالمين لا طاقة لبنشعبون لإدراكه، وبالتالي التفاعل مع متغيراته. فأرقام البنك لا يساءل عنها الرئيس إلا في حدود حجم الأرباح التي يحققها لأرباب المؤسسة وحاملي أسهمها، أما أرقام الميزانية فالحساب عند المواطنين، وهي تخفي وراءها مصائر ملايين الأفراد، وهي التي تجسد التعاقد المفترض بين من يدبر الشأن العام ومن انتخب هذا المدبِّر.

فهل يعقل أن يتهافت الناس على الناخبين ويغرقوهم وعوداً بتحسين أحوالهم، وعندما يصبحون في الحكومة، يخرج وزير المالية ليقول للمنتظرين: "الله يجيب"! هل هناك بلاد في الدنيا يقول فيها وزير في الحكومة إننا لا نستطيع التغلب على الفقر ولا على الفوارق الاجتماعية؟ إنها المغرب الذي لا يخالف فيه وزير المالية فقط طبيعة السياسة كسياسة من حيث إنها فن إيجاد الحلول حيث لا توجد، ولكنه يخالف حتى فريقه، والأخطر أنه يخالف حتى ملكه الذي جعل من الملف الاجتماعي عنوان صيف وخريف هذه السنة، والذي وقعت أمامه خلال الأسبوع المنصرم في يومين أكثر من 100 مليار درهم كلها ضخت في برامج اجتماعية!

 

السيد بنشعبون يجب أن يتناظر مع الدكتور سعد الدين العثماني، وهو الذي لا يحسب أي تقدم لحكومته إلا بتقدمها في الملفات الاجتماعية، وهذا هو المنطوق ولا يمكن له أن يصبح ملموسا إلا عبر القانون المالي الذي يعدّه بنشعبون، فأيكما نصدق؟ بل من الرئيس ومن المرؤوس في هكذا حكومة ماتزال آهات ولادتها العسيرة ترن في الآذان؟! فلو أن حكومة جاءت عند المغاربة لتقول لهم إنني حكومة الأغنياء أو حكومة المقاولة لكانت منسجمة مع ما يذهب إليه السيد بنشعبون، ولكنها حكومة الفقراء، تحت مظلة ملك الفقراء ورغم كل شيء يقع المحظور.

 

إن المشكل في هذه الألغاز سياسي، فالسيد بنشعبون على غرار سادة كرام كثر في الحكومة لم يدخلوا إلى المعترك  السياسي إلا صدفة، لم يعرفوا لا حزبا ولا فرعاً ولا حملة انتخابية ولا شبيبة، وكل ما في الأمر أنهم كانوا مسؤولين في القطاع الخاص أو أرباب شركات ونودي عليهم ليصبحوا ليس فقط مدبرين للشأن العام ولكن أعضاء قياديين مباشرة في أحزاب الصباغة. وها هو السيد بنشعبون، الذي كان في مكتبه في قلب الدار البيضاء يدبر أموال البنك الشعبي بعيدا عن صداع التدافعات الجماهيرية، يصبح بعد بضعة أيام قياديا واقفا في الصف الأمامي لحزب التجمع الوطني للأحرار، بجانب الرئيس عبد العزيز أخنوش، وهو يصدح بالشعارات مع الشبيبة الزرقاء. فهل هكذا تحول يدخل في إطار مشروع "مسار الثقة" الذي بشر به الأحرار؟ وهل ينسجم ما قاله بنشعبون مع ما قاله  رئيس حزبه عندما كتب الإثنين الماضي أن "ما يشغل بال المواطنين هو التعليم والصحة والتشغيل، ولأننا حزب الإنصات فإن أولويات المواطنين هي أولوياتنا"؟ أين وزير المالية من وزير الفلاحة وهما في حزب واحد وحكومة واحدة حين يقول الرئيس إن رؤية  الحزب هي "أفكار لتشجيع مناخ الأعمال وجذب الاستثمار وتوفير فرص العمل والحد من معدل البطالة المقلق في المغرب"؟

 

نحن لا يمكن أن نحاكم النوايا، ولكن على الحزب الذي يطلق هذه الوعود أن ينسجم أعضاؤه معها حتى وإن كان العضو قد التحق بالأمس كما هي حالة السيد بنشعبون، على الرجال والنساء الذين يريدون أن يقودوا المغاربة ألا تكون وعودهم بالجنّة وتدبيرهم بالاعتراف بالعجز.

 

إننا بلد قليل الموارد، هذا صحيح، ولكن لماذا يوجد عندنا أغنياء قارون وفقراء الدرجة تحت الكرامة؟ لماذا توجد عندنا أكبر فوارق اجتماعية في العالم؟ لماذا يضطر ملك البلاد إلى التساؤل عن أين الثروة؟ لماذا نعجز عن تحقيق ما استطاعت قبلنا دول كانت مشابهة لنا أن تحققه؟ لماذا لم ننجح في التنمية ولم ننجح أيضا في الديموقراطية وعنوانها استمرار الأحزاب الإدارية بأسلوب جديد ومضمون قديم؟ ألا يستحق المغرب أن تكون له أحزاب يمين ليبرالية حداثية ديموقراطية نابعة من تيار مجتمعي حقيقي تنافس الإسلاميين وغير الإسلاميين، بدل أن نعيد إنتاج وصفات عفا عليها الزمان وتكسرت ساعتها في الثمانينيات؟

 

إننا بلد يزخر بالطاقات والكفاءات والمهندسين والناجحين في الأعمال وفي التدبير، ولكن هذه الأوصاف لا تكفي وحدها لتعطي شرعية الحكم، لأن التكنوقراطي عندما يوضع أمام الأرقام العنيدة لا يمكن أن يقول إلا ما قاله بنشعبون، ولكن السياسي النابع من تربة المجتمع يطوع الأرقام بترتيب الأولويات ويستخدم الخبراء لترويض الواقع حتى يساير الإرادة الشعبية وينسجم مع حلم الأمة في الرقي والازدهار.

 

فهل هذا السياسي هو المتجسد في فريق حكومة سعد الدين العثماني المتشظيّة؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فقراء ميزانية الدولة فقراء ميزانية الدولة



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:33 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
المغرب اليوم - أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 12:48 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الميزان السبت 26-9-2020

GMT 11:52 2020 السبت ,07 آذار/ مارس

تشكيل الوداد لمواجهة النجم الساحلي

GMT 04:35 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

إليكم أفضل الأماكن في لبنان لهواة رياضة ركوب الشواطيء

GMT 12:34 2019 الخميس ,13 حزيران / يونيو

موزيلا ستطرح نسخة مدفوعة من فايرفوكس

GMT 01:29 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

10 صنادل مميّزة تكمل أناقة الرجل العصري في 2019

GMT 19:33 2019 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

بايرن ميونخ يفقد أحد أسلحته أمام بريمن
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib