ليس مجرد جواز للسفر

ليس مجرد جواز للسفر..

المغرب اليوم -

ليس مجرد جواز للسفر

بقلم المختار الغزيوي

وفي حكاية الجواز الأخضر لي حساسية لا أستطيع التخلي عنها، مفادها أنني أهوى تلك الوثيقة الإدارية التي قد لا تعني للآخرين شيئ لكنها تعني لي كل شيء
في مطارات الدنيا أشهرها دلالة الانتماء لهاته الأرض، ولم أتصور يوما أنني سأتوفر على بديل لها، فهي تغنيني عما عداها وهي تعني لي المغرب والسلام. لذلك وعندما أسمع أن مسؤولا مغربيا رفيع المستوى أو دنيئه يتوفر على وثيقة تعادلها لكنها تحمل لونا آخر أصاب بالاستغراب وأقول لنفس « وغدا أو بعد غد إذا ما كان هذا المسؤول مجبرا على الفصل في قضية بين بلده الأول الذي يحمل جوازه الأخضر وبين بلده الثاني الذي يحمل جوازه الأحمر أو الأزرق كيف سيكون موقفه؟”
لم أجد يوما جوابا ولم أفهم كيف يمكن أن تكون مسؤولا عالي المستوي رفيع القدر تقام لك الدنيا ولا تقعد في البلد تمتلك حنفيات الإشهار وصنابير الدعم ولديك هواتف كبار الناس في البلد لكنك مع ذلك تعاني من نقص فظيع: لا هوية لك أو لنقل لديك هويتان تتنازعانك ولاتدري لمن أنت في النهاية تنتسب.
الحكاية ليست حكاية أشعار وأناشيد، وانتشاء بالوطن لأجل الانتشاء.
الحكاية أكبر من شخص واحد ينفيها الآن. القضية قضية انتماء فعلا، وقضية موقعنا بعد مرور كل هاته السنوات على استقلالنا من الهوية ومما تعنيه هاته الهوية. قديما وللتدليل على قيمة “الباسبور” لدى المغربي العادي لم يكن يوضع مع الأوراق العادية التي يخرجها الإنسان معه إلى الشارع. لا، كانت تخصص له اتكاءة إخفاء في الدولاب، ولا يستل من هناك إلا حين الضرورة، حين السفر، حين الحج في غالبية الأحايين أو حين زيارة أقارب من المغتربين أو حين المرض والاضطرار للسفر إلى الخارج للعلاج.
وحتى عندما حلت التأشيرة، ومست جوازنا الأخضر وجعلته مثلما كان يقول المغاربة “حدو طنجة” لم يفقد قيمته. بقي هناك في مكان يعرف المغربي أنه لن يسافر به إلى أي مكان، لكن يحرص على تجديده كلما انتهت مدة صلاحيته تحسبا لشيء بعيد في الغالب لن يقع أبدا، لكنها السليقة الشعبية العادية، والحدس البديهي الأول.
هذا المغربي العادي هو الذي يحس بالألم أكثر حين يسمع أخبار المسؤولين رفيعي المستوى من حملة الجوازات المختلفة. يقول لنفسه إن الدنيا قست عليه ولم تمنحه كثير الامتيازات مثلما منحتهم، وهم في الغالب لا يحتاجون طلب التأشيرة ولا الوقوف في الصف انتظارا لها، لكنهم لا يكتفون
هم في الغالب أيضا بالنسبة للمغربي العادي من يجب أن يفخروا بالانتساب للبلد الذي أعطاهم كل هاته الحظوة، والذي منحهم كل هذا الجاه. لكن العكس هو الحاصل، وفقراؤنا الذين لايسافرون ولا يملكون حق تذكرة تصل الرباط بالبيضاء هم الذين يتمسكون أكثر برموز هويتهم فيما غالبية من النافذين تجد أمنها وأمانها في الإطلالة بين فينة وأخرى على العبة الخشبية الفاخرة، والتأكد أن الجواز الأحمر أو الأزرق موضوع فيها رفقة جوازات الزوجة الأولى فالثانية فالثالثة والأولاد ثم بقية الخليلات
لا نعمم، وأعرف عددا كبيرا من مسؤولي هذا البلد المرموقين يرفضون هاته الحكاية ويجدون فيها احتقارا غير مقبول لأنفسهم ولبلادهم، لكننا نتحدث عن القلة القليلة التي تضع رجلا معنا هنا وأرجلا عديدة مع الآخرين هناك، والتي – حين الضيق أو حين الاختلاف – تشهر في وجوهنا أول ماتشهره علامة تميزها عنا وانتمائها للعالم الآخر، وتقززها من أي شبهة انتساب لعالمنا نحن العادي، البسيط، المغربي الذي يبدو لنا كل شيء.
ربما كانت حادثة مطار بكين فرصة طيبة لمراجعة عديد الأمور في هاته الحكاية بالتحديد.
ربما والله أعلم على كل حال بالانتماءات، المعلن منها والمبطن المختفي بين الأوراق..
ملحوظة لاعلاقة..
جميل أن تسارع الهيآت الكروية في البلد إلى معاقبة مسؤولين في فريقين للهواة بعد التلاعب بنتيجة مباراة وأن توقف المسؤولين مدى الحياة واللاعبين لمدة عام.
لكن الأجمل فعلا أن نرى نفس الحزم مع تصريحات رئيس أكبر ناد في المغرب الذي اتهم الجامعة بالتلاعب بالنتائج دون أن نرى متابعة للأمر.
كيل بأكثر من مكيال؟ أليس كذلك؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليس مجرد جواز للسفر ليس مجرد جواز للسفر



GMT 04:18 2017 الجمعة ,04 آب / أغسطس

الملك والشعب…والآخرون !

GMT 04:27 2017 الجمعة ,28 تموز / يوليو

أطلقوا سراح العقل واعتقلوا كل الأغبياء !

GMT 06:11 2017 الخميس ,01 حزيران / يونيو

ولكنه ضحك كالبكا…

GMT 05:21 2017 الإثنين ,01 أيار / مايو

سبحان الذي جعلك وزيرا ياهذا!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:33 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
المغرب اليوم - أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة

GMT 16:17 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"القوس" في كانون الأول 2019

GMT 21:52 2019 السبت ,03 آب / أغسطس

"الفيل الأزرق 2" يعيد قوة موسم الصيف

GMT 16:19 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

انتبه لمصالحك المهنية جيداً

GMT 14:20 2019 السبت ,29 حزيران / يونيو

طارق مصطفى يساند المنتخب أمام ساحل العاج

GMT 00:51 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

إسعاد يونس تعدّد صفات شريف مدكور برسالة دعم

GMT 09:39 2019 السبت ,06 إبريل / نيسان

أفضل الطرق لتسريحات الشعر الكيرلي في المنزل

GMT 05:32 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

قطر تُقرر مقاطعة نجوم " روتانا " بسبب الأزمة الخليجية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib