في ذروة الحماس الوطني، والابتهاج الواسع في كل مكان بعد العمل البطولي الأسطوري الهوليودي، تتسلل أصوات تنثر للأسف سموما بائسة، بالقفز إلى استنتاجات وتحليلات غير منطقية، لا تستقيم مع العقل السليم، تستخدم عقلية المؤامرة في كل شيء.أساس هذا التفكير يعتمد على أسئلة ضعيفة كيف حفر هؤلاء الأبطال النفق بالملعقة، وأين ذهبوا بالتراب الطمم بعد ذلك؟!
والأغرب؛ عندما يقولون إن إسرائيل وراء هذه الرواية لأنها تهدف إلى قتل هؤلاء الأسرى وتبرير إجتياحها المحتمل لأرض الضفة الغربية.هكذا تُطرح الأسئلة والافتراضات، ولا يعلم هؤلاء كم كانت درجة الزلزال الذي ضرب بنيان الكيان الصهيوتي الأمني والاستخباراتي في هذه العملية التي كشفت بالفعل أن هذا الكيان هزيل ويمكن هزيمته في أية لحظة، فقط إرادة حقيقية وقيادة وطنية شجاعة، وعندك شعب عزيمته أقوى من صوان جبال الخليل وعرابة.
هذه العقلية للأسف، لا تعرف أنها بهذه الاستنتاجات والتحليلات، تصب في مصلحة الكيان الصهيوني، وفيها نوع من تبرئتهم من أفعالهم المشينة، وتعظيم إمكاناتهم، ومستوى الأهداف التي يتطلعون إليها.
نعرف جيدًا أن منطقتنا العربية تمر بمرحلة من أشد مراحلها حِلكَةوسوادًا في تغييب العقل، والمنطق، والعلم، وانتشار الجهل بعناوين عريضة، لا تسيء فقط لعروبتنا وإنسانيتنا، بل تسيء عن جهل وتَقَصُّد إلى حضارتنا التي فاخرنا بها الدنيا في فترات ما.
نحتاج أكثر ما نحتاج إليه هذه الأيام، إلى تغليب العقل في رؤية كل شيء، وتغليب الفكر العلمي المتقدم على فكر الطوائف والمِلَل، وتعظيم الوطنيات القومية والإنسانية والأممية أمام فكر الانعزاليين بعناوينهم المختلفة .
نحتاج من مراكز الدراسات المحترمة أن تَنْشَط لتفكيك العزلة عن العقل العربي المُغيّب في غياهب تضر بحياتنا ومستقبلنا.
نحتاج من مفكرينا أن ينشطوا أكثر هذه الأيام، لتعظيم الفكر العلمي التقدمي الإنساني، وألّا يتركوا الساحة لفكر التجهيل والعتمة.
لكل مَنْ يَطرَحون أسئلة على اعتبار أنهم غير مُصدَّقين للحدث المزلزل الذي أعاد الروح لهذه الأمة في زمن الانكسارات، أن يكونوا على يقين أن أبطال نفق الحرية هم من بني جلدتنا ولم يهبطوا من المريخ، فقط عزيمة وإصرار على هزيمة العدو الصهيوني بكل الوسائل، حتى وهم داخل الزنازين.
شاهدوا أفلاما سينمية صورت قبل عقود عن عمليات حقيقية للهروب من السجون بعضها يجيب على الأسئلة المتناثرة في بطن الشبكة العنكبوتية، للأسف معظمها تشكيكي وليس استفساري.
إقرأوا نبوآت الشاعر الكبير مظفر النواب ماذا قال قبل عشرات السنين….
لا تخف… لا تخف…إننا أمة
-لو جهنم صبت على رأسها -واقف
ما حنى الدهر قامتها أبدا
إنما تنحني لتعين المقادير إن سقطت أن تقوم
تُتم مهماتها الهادفة
يا حفاة العرب…يا حفاة العجم…
ادفعوا الهدي البشري المسلح
اضحكوا على عنق السفن الأجنبية
إلووا مدافعها في ادعاءاتها الزائفة
حشدوا النفط
فالنفط يعرف كيف يقاتل حين تطول الحروب
وقد يتقن الضربة الخاطفة
يا جنود العرب ….
يا جنود العجم….
أيها الجند
ليس هنا ساحة الحرب
بل ساحة الالتحام لدك الطغاة
وتصفية بقايا عروش
توسخ في نفسها خائفة
أيها الجند
بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
حطموها على قحف أصحابها
اعتمدوا القلب
فالقلب يرف مهما الرياح الدنيئة سيئة جارفة
هل أرى …كل هذا السلاح
لقد داس متجها نحو يافا بنيرانه الجارفة
جاء يوم الجماهير ما أخطأت إنها لمقاديرها زاحفة
ليس واعدا على ذمة الدهر
غير الجماهير والعبقريات والعاصفة
مرحبا أيها العاصفة……..
أبطال نفق الحرية أعادوا لنا بعض الأمل الذي فقدناه منذ سنوات فلم يُرِد بعضهم تحت حجة الفهم والتذاكي أن يُخرِّب علينا فرحتنا…
لا تبتلعوا الأسافين والإشاعات الصهيونية بأن الذي حدث هو بتخطيط إسرائيلي، تيقنوا أن هذه معركة عقول وأدمغة، وفي هذه العملية مَرَّغ أبطالنا أنوف الصهاينة في الوحل وتغلبوا عليهم.
الدايم الله….