ماذا وراء صفقة إدلب

ماذا وراء صفقة إدلب؟

المغرب اليوم -

ماذا وراء صفقة إدلب

بقلم : راجح الخوري

بعد 10 أيام على قمة طهران الثلاثية التي فشلت في التفاهم حول حلٍّ للوضع في محافظة إدلب السورية، جاءت المفاجأة من قمة سوتشي الثنائية بين فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان، اللذين كانا قد اختلفا حول مصير تلك المنطقة، عندما أعلنا التوصّل إلى الاتفاق على إقامة منطقة عازلة منزوعة السلاح على طول خطوط التماس في إدلب.
الإعلان عن الاتفاق جاء بعد أسابيع من الاستعدادات والحشود العسكرية، فقد كانت إدلب هدفاً لهجوم عسكري كبير قُرعت طبوله في موسكو ودمشق وطهران، وبدأت عملياته عبر قصف النظام الخطوط الأمامية في جسر الشغور ومعرّة النعمان، في حين شنّ الطيران الروسي هجمات عنيفة على المنطقة، بينما كانت تركيا تصعّد من التحذير والتهديد، معتبرة أن الهجوم على إدلب سيكون بمثابة هجوم عليها، في حين ارتفعت التحذيرات في واشنطن والأمم المتحدة والدول الأوروبية من وقوع كارثة إنسانية وحمام دم كبير!
ما الذي حصل في سوتشي وقلب المعادلات إلى درجة جعلت بعض الأوساط تعتبر أن بوتين خسر جولة مهمة أمام إردوغان؟
عملياً كل شيء كان ينتظر ساعة الصفر، الإيرانيون أرسلوا ميليشياتهم إلى أطراف المنطقة دعماً للنظام، وبشار الأسد أوفد وزير دفاعه علي أيوب إلى خطوط التماس في أرياف إدلب وحماة واللاذقية، حيث أعلن «الجاهزية لإنهاء وجود أي تنظيم إرهابي في سوريا»، وبوتين أعلن أن من حق النظام السوري تحرير محافظة إدلب، وأنه من الضروري استئصال الإرهابيين من المنطقة، في حين أعلن سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي أن المتطرفين يأخذون المدنيين رهائن قبل العملية، وأعلن ليونيد سلوتسكي رئيس لجنة الدوما للشؤون الخارجية أنه تم تخطي الخلافات بين موسكو وأنقرة، «وأن أهم ما سيحدث في القريب العاجل هو بدء هجوم متفق عليه ضد الإرهابيين هناك»!
على خلفية هذا الجو وقرقعة طبول الحرب، جاء الإعلان عن الاتفاق مفاجئاً، لكن من الواضح أن المحتوى الميداني لهذا الاتفاق، لا يقدّم حلاً ناجزاً ونهائياً لمشكلة إدلب وما فيها من مسلحين، بينهم عناصر إرهابية مثل «جبهة النصرة» و«الحزب الإسلامي التركستاني»، رغم أن خريطة المنطقة العازلة التي اتفق عليها تضع هذه العناصر بين فكّي كماشة روسية تركية، حيث من المفترض وفق الاتفاق سحب الأسلحة الثقيلة وتفكيك «النصرة»، ولكن إلى أين سيتمّ تصدير الإرهابيين الذين توافدوا من الخارج، ويقال إن عددهم في إدلب يتجاوز 3 آلاف مقاتل ترفض دولهم استقبالهم؟
الطبيعة الجغرافية للمنطقة العازلة منزوعة السلاح المتفق عليها تثير تساؤلات محقة، ذلك إنها ستكون بعمق يتراوح بين 15 و20 كيلومتراً، لكن من الجهتين، بمعنى أن النظام سيتراجع نصف هذه المسافة على حدود المحافظة، وتركيا ستضمن سحب المسلحين نصف المسافة شمالاً وغرباً، لتقام نقاط عسكرية روسية تركية في المنطقة تقوم بدوريات مشتركة، ويفترض أن يتمّ هذا مع منتصف الشهر المقبل، بما يعني أن على تركيا أن تجد حلاً لهذا الموضوع الصعب والمعقد، أي مصير «النصرة» والمسلحين المتشددين، وهو ما يدفع إلى طرح السؤال تكراراً، إلى أين سيتم تصدير الإرهابيين؟
مصادر في المعارضة السورية حاولت الرد على هذا السؤال، بالعودة إلى النظرية التي وضعت في التداول قبل أن يقوم النظام وحلفاؤه بجعل إدلب مصيدة للإرهابيين، الذين تمّ إبعادهم من دوما والغوطة وحلب والجرود اللبنانية. وتلحظ هذه النظرية 3 قواعد أو مخارج للخلاص من الإرهابيين، هي التذويب الداخلي، وإعادة التصدير إلى الخارج، والتصفية عبر القتال في حال عدم الاستسلام!
التذويب الداخلي ليس عملية سهلة فـ«جبهة النصرة» مثلاً منقسمة بين من يقبل أن يلقي السلاح أو يلتحق بالمعارضة المعتدلة، لينخرط بالتالي في العملية السياسية عندما تبدأ، وبين من يصرّ على القتال. أما إعادة التصدير إلى الخارج فتبدو مستحيلة رغم الحديث عن أنها يمكن أن تقوم على قاعدة تفاهم استخباري دولي، لكنه ليست هناك دولة تقبل بانتقال عناصر إرهابية إلى أراضيها، ولهذا ترى مصادر المعارضة المعتدلة أن المنطقة العازلة منزوعة السلاح، ستدفع «النصرة» والمتشددين شمالاً
في اتجاه الحدود التركية، في حين تعرب أنقرة عن رغبة في أن ينتقل هؤلاء الذين يصرّون على القتال إلى منطقة تسمى البلعاس وتقع شمال شرقي حماة، وهي منطقة شبه محاصرة.
مصادر دبلوماسية غربية في بيروت تقول إن التوصل إلى الاتفاق بين بوتين وإردوغان لم يكن مفاجئاً، فقد سبقته حركة دبلوماسية سرية ناشطة بين البلدين، أدت إلى التفاهم على صفقة تبادلية واسعة تندرج في بنودها مجموعة مهمة من المصالح الاقتصادية تصل قيمتها إلى ما يتجاوز 100 مليار دولار.
وفي هذا الإطار تم التفاهم على صفقة تزويد تركيا بمنظومة صواريخ «إس 400» الروسية، وهو ما يخدم البلدين سياسياً على خلفية مواجهة المصالح الأميركية، ذلك إن واشنطن عارضت وتعارض بشدة أن يدخل الروس بصواريخهم إلى تركيا، وهي ثاني أكبر دول حلف الأطلسي، وكذلك يبدو الأمر رداً موجعاً من إردوغان على دونالد ترمب بعد العقوبات الأميركية على أنقرة، ثم إن دخول بوتين الصاروخي إلى الحلبة التركية يشكّل صفعة مؤلمة أولاً للأميركيين، وثانياً للأوروبيين الذين يستمرون في العقوبات على موسكو بسبب أوكرانيا.
إضافة إلى منظومة الصواريخ الروسية، تتحدث التقارير عن تفاهم بين بوتين وإردوغان على بناء مفاعلات نووية، وهو ما يتناقض مع موقع تركيا الأطلسي طبعاً، وكذلك عن اتفاقات استراتيجية تتصل بخطوط نقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر الأراضي التركية، أضف إلى ذلك حزمة من التفاهمات المبدئية على المبادلات التجارية والسياحية!
وهكذا لا يبدو بوتين خاسراً في سوتشي أمام إردوغان، عندما يقرّب تركيا البلد الأطلسي من موسكو بمقدار ابتعادها عن واشنطن، وكذلك لا يبدو إردوغان خاسراً... أولاً عندما يتلافى الآثار المدمرة التي كانت ستعصف بتركيا نتيجة أي عملية عسكرية كبيرة في إدلب، وثانياً عندما يسعى إلى الردّ على عقوبات ترمب باتفاقات مع روسيا لها طعم العقوبات على أميركا!
بالعودة إلى مستقبل الوضع في إدلب، من الواضح أن مسؤوليات دقيقة باتت تترتب الآن على تركيا بعد تفاهم سوتشي، لأن عليها أن تسعى إلى تذويب «جبهة النصرة» والمتشددين الآخرين، ولكن ليس من الواضح إذا كانت ستتمكن من القيام بهذا من اليوم إلى 15 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، ولعل ما يزيد من جدّية هذا الالتزام التركي وحساسيته، قول إردوغان بعد القمة: «إن المعارضة التي تسيطر على بعض الأراضي ستبقى فيها، وسنسعى مع الروس إلى إزالة الجماعات المتطرفة من تلك المناطق» ولكن كيف؟ وإلى أين؟
في المقابل، بدا بوتين مستعجلاً عندما قال إن روسيا وتركيا مصممتان على مواصلة استخدام مسار آستانة بكل قوته، وفرض إيجاد حلول سياسية طويلة الأمد في جنيف برعاية الأمم المتحدة، وإن العمل سيستمر لتشكيل اللجنة الدستورية من ممثلي القيادة السورية وقوى المعارضة والمجتمع المدني.
في موازاة هذا، كانت فيديريكا موغيريني المسؤولة عن السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي تبحث مع المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا تطورات الوضع السوري والتحضير في جنيف لتشكيل اللجنة الدستورية واستئناف عملية الانتقال السياسي الشامل على أساس قرار مجلس الأمن 2245، قائلة إن هذا شرط لمساهمة الدول الأوروبية في إعادة إعمار سوريا.
وسط كل هذه التطورات يبرز سؤال جوهري مهم؛ أين كان النظام السوري في قمة طهران؟ ثم أين كان في قمة سوتشي التي قررت نيابة عنه، وبعدما كان يقرع طبول الحرب مع حلفائه الإيرانيين؟ لماذا سارع معهم للإعراب عن الارتياح إلى اتفاق بوتين - إردوغان، الذي قرر تراجع الجيش السوري عن جبهة إدلب؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماذا وراء صفقة إدلب ماذا وراء صفقة إدلب



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:33 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
المغرب اليوم - أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 16:17 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"القوس" في كانون الأول 2019

GMT 21:52 2019 السبت ,03 آب / أغسطس

"الفيل الأزرق 2" يعيد قوة موسم الصيف

GMT 16:19 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

انتبه لمصالحك المهنية جيداً

GMT 14:20 2019 السبت ,29 حزيران / يونيو

طارق مصطفى يساند المنتخب أمام ساحل العاج

GMT 00:51 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

إسعاد يونس تعدّد صفات شريف مدكور برسالة دعم

GMT 09:39 2019 السبت ,06 إبريل / نيسان

أفضل الطرق لتسريحات الشعر الكيرلي في المنزل

GMT 05:32 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

قطر تُقرر مقاطعة نجوم " روتانا " بسبب الأزمة الخليجية

GMT 03:41 2015 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

ستيفن كاري يشيد بجهود ليونيل ميسي مع "برشلونة" في الدوري

GMT 01:31 2018 الإثنين ,31 كانون الأول / ديسمبر

أحمد صلاح حسني يشيد بشخصيته في مسلسل "أبواب الشك"

GMT 18:51 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الديكورات الفرنسية الكلاسيكية لمنزل أكثر أناقة

GMT 14:23 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

ميلان الإيطالي يبدأ التفاوض مع لاعب تشيلسي فابريغاس
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib