«تزحيط» إيران من سوريا

«تزحيط» إيران من سوريا!

المغرب اليوم -

«تزحيط» إيران من سوريا

بقلم - راجح الخوري

منذ بداية التدخل العسكري الروسي دعماً للنظام السوري في نهاية سبتمبر (أيلول) من عام 2015، أحسّ الإيرانيون الذين كانوا يوسّعون رقعة نفوذهم في دمشق، بأن هناك من يدخل على الخط ويمكن أن يسحب البساط السوري من تحت أرجلهم.
بدا ذلك واضحاً تماماً عندما قال حسن روحاني في 26 سبتمبر من ذلك العام: «إن الجيش الإيراني هو القوة الرئيسية لمحاربة الإرهاب في المنطقة، التي عليها ألا تعتمد على القوى الكبرى… نحن ساعدنا سوريا والعراق على مكافحة الإرهاب». لكن بعد ذلك الحين بدا أن الوضع في سوريا صار عند موسكو تقريباً، وصارت لهجة الرئيس فلاديمير بوتين تتعامل مع المسألة السورية بمنطق «الأمر لي»، خصوصاً في ظل سياسة التردد والحذر التي اتبعها الرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما.
تعارُض المصالح بين الروس والإيرانيين كان واضحاً تماماً، وأذكر أنني كتبت في هذه الزاوية من «الشرق الأوسط»، أن الأمور ذاهبة حتماً في النهاية إلى «قتال روسي إيراني على الجبنة السورية»، وهو ما يحصل الآن تماماً، ففي 16 مايو (أيار) الجاري، استقبل بوتين الرئيس بشار الأسد في سوتشي، ليبلغه بأنه مع تحقيق الانتصارات والنجاحات الملحوظة في الحرب على الإرهاب، ومع تفعيل العملية السياسية، لا بد من سحب كل القوات الأجنبية من سوريا، وفي هذا السياق قال بوتين إن الأسد سيرسل لائحة بأسماء المرشحين لعضوية مناقشة الدستور في أقرب وقت ممكن إلى الأمم المتحدة!
الحديث عن ضرورة سحب كل القوات الأجنبية من سوريا نزل على طهران مثل صاعقة، فبعد يومين وفي 20 مايو ردّ المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي على بوتين بالقول: «لا أحد يستطيع إخراج إيران من سوريا وإن وجودها العسكري سيستمر ما دام هناك طلب من الحكومة السورية، وإيران دولة مستقلة تتابع سياساتها على أساس مصالحها».
ووصل التحدي إلى مخاطبة الروس بالقول: «هم الذين يجب أن يخرجوا من سوريا، هؤلاء الذين دخلوا دون إذن من الحكومة السورية، ونحن سنبقى إلى الوقت الذي تحتاج إليه الحكومة السورية». وعلى خلفية هذا التراشق اشتعلت التحليلات التي تكذّب كلام قاسمي، على خلفية التذكير بتصريحات سيرغي لافروف في 17 يناير (كانون الثاني) من عام 2016 التي قال فيها: «إننا واثقون بأن قرارنا كان صائباً عندما استجبنا لطلب الحكومة السورية الشرعية التدخل العسكري، ومن الضروري التذكير بأن هذه الدولة العضو في الأمم المتحدة، كان يفصلها أسبوعان أو ثلاثة أسابيع عن السقوط في أيدي الإرهابيين»!
طبعاً هذا الكلام يذكّر أيضاً بتصريحات بوتين التي كرر فيها أن دمشق كانت على وشك السقوط، بما يوحي ضمناً بأن إيران وأذرعها العسكرية في قتالها إلى جانب النظام السوري كانت آيلة إلى الهزيمة لولا التدخل الروسي. وهو ما عاد وأكّده نائب رئيس الوزراء السوري الأسبق قدري جميل، معارض الداخل المقرب من الأسد، عندما قال في 26 مارس (آذار) 2017: «لولا تدخل روسيا لكانت دمشق سقطت في يد (داعش) و(جبهة النصرة)». ومن الواضح أن هذه التصريحات سبق أن شكّلت صدمة لإيران لأنها تعبّر ضمناً عن قناعة بشار الأسد!
جاءت هذه المواقف المتتابعة التي تدعو إلى خروج الإيرانيين من سوريا في وقت كان المسؤولون في طهران غارقين في المباهاة الواهمة طبعاً بأنهم باتوا يسيطرون على أربع عواصم عربية: بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت، لكن التطورات الميدانية والسياسية وصلت الآن إلى ما يُسقط كل هذه الأوهام.
ففي العراق يكفي أن يتأمل المرء في نتائج الانتخابات التي كرّست زعامة مقتدى الصدر الذي يدعو صراحةً إلى رفع اليد الإيرانية عن العراق، وعندما يقول يجب أن نكسر البندقية، وندخل العراق في حال من الديمقراطية والاستقرار والأمن، فمن الواضح تماماً أنه يدعو إلى كسر الهيمنة الإيرانية المتمادية على العراق منذ أيام نوري المالكي!
وفي سوريا، واضحٌ أن حسابات طهران آخذة في التداعي، فروسيا لا تتوقف عند حدود المطالبة بخروج الإيرانيين وأذرعهم العسكرية فحسب، بل يبدو أنها بعد زيارات بنيامين نتنياهو الأربع إلى موسكو ومحادثاته مع بوتين، باتت تقف موقف المتفرّج من الغارات الإسرائيلية المتتالية على المواقع والمخازن الإيرانية في سوريا. وفي السياق، من اللافت أنه بعد الغارات الأخيرة التي قال وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، إنها دمّرت كل المواقع الإيرانية في سوريا، حملت الوكالات تصريح حسن روحاني عن أن إيران لا تريد تصعيد الموقف في سوريا!
تأتي هذه التطورات في وقت بدأت الشركات الأوروبية بالفرار من إيران بعد «وصايا ترمب الـ12 العقابية ضد النظام الإيراني»، وفي وقت تغرق البلاد في أزمتين خانقتين؛ الأولى استمرار المظاهرات ضد النظام بسبب الوضع الاقتصادي المتردي والفساد، حيث إن نصف الشعب الإيراني عند خط الفقر، كما تعترف الحكومة العاجزة عن معالجة الأمر في حين تصرف المليارات على سياساتها التدخلية التخريبية في المنطقة، والأخرى انهيار قيمة العملة الإيرانية خصوصاً منذ قرار ترمب الانسحاب من الاتفاق النووي، ورغم أن الحكومة حددت سعر الدولار الواحد بـ42 ألف ريال إيراني، فإن سعره بلغ 74 ألفاً، وبعد حملة اعتقالات شملت 180 من عملاء الصرافة، كتبت إحدى الوكالات تقول إن تهريب الدولار في طهران بات أشبه بتهريب المخدرات!
بالعودة إلى الصراع الروسي الإيراني على الجبنة السورية، يبدو الموقف الروسي حازماً عندما يقول مبعوث بوتين الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرينتيف نهاية الأسبوع الماضي «إن انسحاب القوات الأجنبية من سوريا يجب أن يتمّ بشكل كامل، والحديث هنا يشمل كل القوات الأجنبية بمن في ذلك الأميركيون والأتراك و(حزب الله) وبالطبع الإيرانيون» في ما يشبه الرد الحاسم على الموقف الإيراني.
بعد قمة بوتين والأسد في سوتشي والدعوة إلى خروج كل القوات الأجنبية من سوريا، نشر موقع «تابناك» الإيراني التابع لأمين مصلحة تشخيص النظام محسن رضائي، تقريراً غاضباً جاء فيه أن النظام السوري وموسكو اتفقا على إقصاء إيران في مقابل إشراك الدول الغربية في الحل السياسي للأزمة السورية، واعتبر الموقع أن قبول موسكو والنظام بالعودة إلى مفاوضات جنيف، يدل على وجود توافقات مع الدول الغربية حول إنهاء النزاع في سوريا بطرد إيران وميليشياتها.
ويقول موقع «تابناك»: إن «هناك تفاهماً مستجداً بين موسكو ودمشق هدفه إقامة شراكة اقتصادية تُقصى بموجبه الشركات الإيرانية من النشاط الاقتصادي، خصوصاً في مرحلة إعادة الإعمار في سوريا، ولكن يجب ألا نسمح بأن تتحقق أهداف بشار الأسد وأي طرف يريد إبعاد اليد الإيرانية… إن محاولاتنا لحفظ الأسد كانت مكلفة على صعيد الخسائر اللوجيستية وفي الأرواح، وليحذروا من اللعب في أرض تمّ اختبارها سابقاً»، في إشارة واضحة إلى الصراع المستجدّ من الروس!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«تزحيط» إيران من سوريا «تزحيط» إيران من سوريا



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:16 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
المغرب اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:14 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 18:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 14:11 2015 السبت ,23 أيار / مايو

العمران تهيئ تجزئة سكنية بدون ترخيص

GMT 17:38 2022 السبت ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه الذهب يسجل رقماً قياسياً لأول مرة في مصر

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب

GMT 15:12 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

عمران فهمي يتوج بدوري بلجيكا للمواي تاي

GMT 08:03 2018 الأربعاء ,14 آذار/ مارس

ما الذي سيقدمه "الأسطورة" في رمضان 2018؟

GMT 20:50 2018 السبت ,24 شباط / فبراير

خفيفي يعترف بصعوبة مواجهة جمعية سلا

GMT 17:06 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

وليد الكرتي جاهز للمشاركة في الديربي البيضاوي

GMT 06:59 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

كليروايت تغزو السجادة الحمراء بتشكيلة متميزة

GMT 17:54 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

الفالح يُعلن أهمية استمرار إجراءات خفض إنتاج الخام

GMT 19:57 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

مهرجان أسوان لأفلام المرأة يفتح باب التسجيل بشكل رسمي

GMT 05:45 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

ابتكار روبوت مصغر يتم زراعته في الجسم

GMT 23:06 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

مشروع الوداد يؤخر تعاقده مع غوركوف
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib