لبنان الراقص على حافة هاوية

لبنان الراقص على حافة هاوية!

المغرب اليوم -

لبنان الراقص على حافة هاوية

بقلم : راجح الخوري

أين ذهبت كل تلك المفاخرات التي بلا معنى؟ وأين صارت المراوحة في الدائرة المفرغة لتشكيل الحكومة اللبنانية؟ وإلى متى يمكن أن يتحمل الوضع الاقتصادي اللبناني هذا الفراغ المتمادي، الذي بات يهدد كل وعود الدعم والمساعدة التي كان قد حصل عليها في «مؤتمر سيدر» في باريس؟
ليس هناك من يملك أجوبة واضحة أو تصوّرا تقريبيا لهذا الوضع، بعد ما وصل في الأيام الأخيرة إلى ما يشبه الحائط المقفل على نقاشات وتصريحات أشبه بالعض على الأصابع، بدلا من التعاون لتشكيل الحكومة الجديدة، والبدء بتنفيذ سلسلة طويلة من التعهدات التي قطعها لبنان على نفسه في باريس، كما يقطعها المسؤولون على أنفسهم أمام اللبنانيين، الذين ينامون على قنوط ويستيقظون على يأس، في ظل سلسلة متلاحقة من الإفلاسات التي بدأت تضرب في قطاعات عدة!
في لبنان ليس في وسعك أن تستمع إلى نشرة أخبار تلفزيونية، لأن هذه النشرات باتت منذ عامين أشبه بصفحات الوفيات، سواء لأخبار التراجع في الوضع العام أم لأخبار الإضرابات والتحركات المطلبية المتراكمة، وسواء للفساد والسرقات، وكلها تنتهي عادة بتوجيه التحذيرات إلى المسؤولين من «التصعيد»، ولكن ليس من تصعيد فعلي سوى الولوج أكثر فأكثر في الأزمات المتراكمة!
قبل أن تجري الانتخابات النيابية في 6 مايو (أيار) الماضي، أفرط المسؤولون في المفاخرة المضحكة المبكية طبعاً، بأنهم اتفقوا أخيرا بعد تمديد تكرر 3 مرات لمجلس النواب، على قانون انتخابات جديد يأخذ شيئا من النسبية في الاعتبار، ثم غرقوا في المفاخرة من جديد، بأنهم تمكنوا من إجراء هذه الانتخابات، رغم كل ما قيل حول شوائبها في بعض المناطق، ومنها تحديدا منطقة بعلبك الهرمل!
الرئيس ميشال عون دأب على تكرار القول دائماً، منذ انتخابه قبل عامين تقريباً، إن عهده لم يبدأ بعد، وإنه سيبدأ فعليا مع تشكيل الحكومة الجديدة بعد الانتخابات، ولكن بعد 4 أشهر على هذه الانتخابات، وإجرائه استشارات نيابية ملزمة، سمّت الرئيس سعد الحريري بأكثرية 112 صوتا من أصل 128، لا يزال الوضع يراوح في الفراغ والبلاد تزحف في ظل حكومة تصريف الأعمال.
ولا يزال النقاش يدور داخل الدائرة المفرغة، التي لم تعد تستحي من الحديث عن الحصص الوزارية، وعلى أي أساس ستقوم المحاصصة، أعلى أساس نسبية الأصوات الانتخابية التي أفرزتها الصناديق، أم على أساس التكتلات والتحالفات النيابية التي تم تركيبها بعد الانتخابات؟ ثم إنه في سياق الحديث عن المحاصصات كان الرئيس عون ينتقد دائماً، فيمن سبقوه في الرئاسة، أي حديث عن ضرورة تخصيص حصة للرئيس في الحكومة، ولكن ها هو الآن يتمسك بالحصول على هذه الحصة، التي لا علاقة لها طبعاً، بالحصة التي يطالب بها صهره الوزير جبران باسيل «للتيار الوطني الحر» وكتلة «لبنان القوي» التي تشّكلت إثر الانتخابات!
حتى بداية هذا الأسبوع كان الرئيس المكلّف سعد الحريري قد عرض على الرئيس عون 4 صيغ لحكومة «الوحدة الوطنية» التي يصر عليها محقاً، ومن منطلق أن مشروع النهوض بالبلد، يفرض التعاون بين جميع المكونات السياسية في لبنان، لكن هذه الصيغ كان عون يحيلها دائما إلى الوزير باسيل رئيس «التيار الوطني الحر»، ثم تصطدم بعقدتين، أُضيفت إليهما تعجيزا عقدة ثالثة، الأولى حصة حزب «القوات اللبنانية»، والثانية حصة «اللقاء الديمقراطي» في التمثيل الدرزي، ثم عقدة افتعلها «حزب الله»، وهي تمثيل النواب السنة من خارج كتلة الحريري، ومعظمهم من رموز عهد الوصاية السورية!
حتى الآن مورست على الرئيس الحريري محاولات للضغط، أولا عبر اقتراح البعض تشكيل «حكومة أكثرية»، خلافا لإصراره على «حكومة وحدة وطنية»، وخرجت تسريبات وتلميحات حاولت أن تقول، إنه يمكن العودة عن تكليفه تشكيل الحكومة عبر عريضة نيابية وما شابه، ولكن كل هذا يبقى في إطار «الحرتقة»؛ لأن الدستور اللبناني صريح ولا يحدد مهلة لتشكيل الحكومات، ولا ينص قطعا على إمكان العودة عن التكليف، وقد سبق أن تأخر تشكيل الحكومات 7 و8 أشهر، ولهذا فإن محاولات الضغط والإحراج لن تثني الحريري عن مهمته الوطنية، تشكيل حكومة وفاق وطني، يحتاجها لبنان أكثر من أي وقت مضى، في حين يستمر التمسك بحصة «النصف زائد واحد» أي 16 وزيرا من أصل 30 لتحالف الثنائي الشيعي و«التيار الوطني الحر»، ما يعني عمليا امتلاك أكثرية مقررة، تلغي مفهوم وقواعد حكومة الوحدة الوطنية!
4 أشهر من المراوحة في الحلقة المفرغة، ليبدو لبنان تكرارا وكأنه يرقص على حافة هاوية، رغم أن طقوس الرقص وعمق الهاوية باتا مختلفين جداً.
وفي هذا السياق كان فريد بلحاج نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا قد زار بيروت قبل أيام، والتقى المسؤولين وأبلغهم رسائل واضحة جدا تدعوهم إلى الخروج سريعا من دوامة التعطيل وتشكيل الحكومة أمس قبل اليوم، وقال لهم صراحة إن لبنان الذي خُصص له مؤتمران دوليان لدعم اقتصاده ومؤسساته العسكرية، يقف الآن تحت مجهر المراقبة، لمعرفة مدى قدرته وصدقيته في ترجمة البرامج الإصلاحية، التي تعهد بها أمام مؤتمري باريس وروما، محذرا من أن التأخير ستكون له نتائج سلبية ومضرّة، ومنها:
أن التأخير في المشاريع المعقودة بقيمة مليار و100 مليون دولار والعالقة في الحكومة والبرلمان، ستوجّه رسائل سلبية جدا إلى الدول المانحة في مؤتمر «سيدر»، وستؤثّر على مستوى صدقية لبنان أمام المجتمع الدولي، ثم إن الأموال المعقودة للبنان لا يمكن أن تنتظر انتظام المؤسسات الرسمية فيه إلى الأبد، ويمكن بالتالي أن تُعاد برمجتها وتنتقل إلى دول أخرى، وفي رأي الخبراء أن مثل هذه النتائج ستعجل بدفع لبنان إلى مصاف الدول الفاشلة!
المؤسف أن تأتي التحذيرات لمصلحة لبنان من الخارج، في وقت يستمر الخلاف بين المسؤولين على الحصص الوزارية وعلى الأحجام وعلى الحقائب، وآخر فصول هذا أن اللبنانيين ناموا يوم الثلاثاء الماضي على ما يشبه الإنذار أو التحذير وجّهه عون إلى الحريري، عندما حدّد للرئيس المكلف 48 ساعة ليحزم أمره وإلا فلتكن حكومة أكثرية بمن حضر، ولكن الرئيس الحريري رد بحزم على هذا الكلام عندما قال: إن مشكلات التشكيل مفتعلة، مشدداً على أنه حصل على 112 صوتا من النواب لتسميته رئيسا لحكومة وحدة وفاق وطني!
وفي ردٍ واضح على عون قال: أنا لست مع حكومة أكثرية بل على العكس، الإجماع الذي حصلنا عليه والتسوية التي قمنا بها، هما فقط لكي يكون كل الأفرقاء في الحكومة، ولنتحمل جميعا مسؤولية الأمور في البلد، أما غير ذلك فسيكون تفريطا في أمر فعّال ومهم، مكننا من إنجاز الانتخابات بقانون جديد ووفّر لنا مؤتمرات الدعم الدولي، وبالتالي نكون قد فقدنا صدقيتنا!
صباح الأربعاء في عيد الجيش كانت المصافحة باردة جدا بين عون والحريري، ما يبقي الأزمة داخل الدائرة المفرغة ويبقي الرقص على حافة الهاوية، رغم أن عون تراجع عن «إنذاراته» بحكومة الأكثرية ليدعو في خطابه إلى حكومة جامعة للمكونات اللبنانية دون تهميش أحد، وألا تكون الغلبة فيها لفريق على آخر…
ولكن كيف يمكن ترجمة هذا في علم سياسة المحاصصة؟!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان الراقص على حافة هاوية لبنان الراقص على حافة هاوية



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:16 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
المغرب اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:14 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 18:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 14:11 2015 السبت ,23 أيار / مايو

العمران تهيئ تجزئة سكنية بدون ترخيص

GMT 17:38 2022 السبت ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه الذهب يسجل رقماً قياسياً لأول مرة في مصر

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب

GMT 15:12 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

عمران فهمي يتوج بدوري بلجيكا للمواي تاي

GMT 08:03 2018 الأربعاء ,14 آذار/ مارس

ما الذي سيقدمه "الأسطورة" في رمضان 2018؟

GMT 20:50 2018 السبت ,24 شباط / فبراير

خفيفي يعترف بصعوبة مواجهة جمعية سلا

GMT 17:06 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

وليد الكرتي جاهز للمشاركة في الديربي البيضاوي

GMT 06:59 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

كليروايت تغزو السجادة الحمراء بتشكيلة متميزة

GMT 17:54 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

الفالح يُعلن أهمية استمرار إجراءات خفض إنتاج الخام

GMT 19:57 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

مهرجان أسوان لأفلام المرأة يفتح باب التسجيل بشكل رسمي

GMT 05:45 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

ابتكار روبوت مصغر يتم زراعته في الجسم

GMT 23:06 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

مشروع الوداد يؤخر تعاقده مع غوركوف
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib