العمر أولاد

العمر أولاد ... ؟

المغرب اليوم -

العمر أولاد

بقلم - حسن البطل

صبحية ـ عَصرونية يوم الجمعة في متحف الشاعر، وأمسية تقديم كتاب «ميلاد الكلمات» في المسرح البلدي ـ رام الله. صباح السبت. طرأ في البال عنوان درويشي جميل، وظُهر السبت، غيّرت العنوان إلى أعلاه.. لماذا؟
قلّبت صفحات كتاب امتياز دياب. وجدت في الفصل الأخير، السابع عشر، قصيدة درويشية مبكرة، كُتبت في ستينيات القرن المنصرم ونشرت في «الغد»، ولا أجدها في دواوينه الكثيرة المطبوعة، معنونة: «من ذكريات الطفولة» ومطلعها: «كان عمري يومها.. سبع سنين/ كان عمري الوردة البيضاء.. غُصن الياسمين/ وأماني بلا حدّ.. وكلّ الكون لي».
هو القائل، لاحقاً: «العمر أولاد هربوا من القبلة» وفي صُبحية اليوم المفتوح «يلاّ .. عَ البروة» في متحفه كان أطفال يلهون ويلعبون في حديقة المتحف، وأعمارهم بين السابعة والثامنة، يتأرجحون ويتوازنون في خطواتهم على سور قبر الشاعر.. ويتضاحكون.
سيل من الأفكار في رأسي (استعارة من قول الشاعر: سيل من الأشجار في دمي.. أتيتُ أتيتُ». مضت سنوات على رحيل الشاعر، أكثر من عمر أولاد يلهون بخطوات موزونة على جدران قبره.. ويتضاحكون، وفي أيديهم مناقيش زعتر وجبنة من تقديمات اليوم المفتوح؛ يوم ربيعي، كما ولد الشاعر في الربيع، كما عيد أمهاتهم، كما يوم ربيعي مشمس.. وللآباء والأمهات مشاريب من قهوة وشاي ونباتات عطرة.. وموسيقى.
فكّرتُ، مثلاً، هل لشاعرهم الأشهر «بياليك» متحف كما لشاعرنا، كأنه «زقورة» عرضانية، مشجرة الدرجات ومزهرة بالورود.. وقبر تعلوه شاهدة: أثر الفراشة لا يزول.
فكّرتُ، مثلاً، أن الفدائي الشهيد، عمر أبو ليلى، كان يحبو زمن اندلاع الانتفاضة الثانية. هل زار في السابعة من عمره متحف الشاعر ومشى متوازناً على جدران قبره. هل قرأ شعر درويش؟ جيل ولد بعد رحيل الشاعر، وجيل ولد بعد الانتفاضة الثانية، لجيل له ضحكات الطفولة، وللشهيد ابتسامة غامضة.. وللاثنين قَصّة شَعْر «على الموضة».
«الكنز» يكون جوهرة مطمورة. مومياء اكتشفت حديثاً. زجاجة مختومة أُلقيت في المحيط، وعُثرت على شاطئ رملي.. وأيضاً ما يشبه «كنزا» مرصودا في «كرتونة مغلقة، تنقّلت مع محمد ميعاري. نبّشتها امتياز دياب، وساعد الشاعر زكريا محمد على التحرير والشطب والاستبدال، وقال: «هذه فكرتك. أنت عثرت على الكنز.. هذا الكتاب لك وحدك» فأستحق شكراً.. وغاب عن تقديم «ميلاد الكلمات» غلافه صورة الشاعر مظللة بـ»الكلمات». سيّد الكلمات كتب عن «سيّد أرواحنا».
من بين فصول كتاب صقيل الورق، جميل الإخراج لحبيب خوري، ومحمد الجولاني، استوقفني الفصل الثالث: «رسائل حُبّ من وإلى محمود درويش» والفصل السادس عن قصة قصيدة: «سجّل أنا عربي». 
قبل تقديم الكتاب ـ الكنز، وتدقيقه من امتياز، كانت في صالة المسرح البلدي صور مرسومة للشاعر ولبعض الشعراء، بينهم راشد حسين، صديق الشاعر الذي مات شاباً في نيويورك. خطر لي أن أستفتي من أعرف: هل لو عاش راشد لكان شاعراً لا يقلّ عن درويش؟ لماذا؟ أعرف أن قلب راشد كان مثل جمرة.
لمّا كان الشاعر طفلاً في السابعة، كان نحيفاً هش البنية، وكان صحبه «يتنمّرون» عليه.. والآن، ترون الجنود يتنمّرون على أولاد في السابعة بعد أن «يراجدوا» الجنود بالحجارة «والنقّيفة».. ويهربون.
لماذا الفصلان الثالث والسادس، لأنه في الأول صورة بخط يد الشاعر لقصيدته: «سجّل أنا عربي»، وكتبها بخط قلم سريع في باص مهتزّ، بعد حوار بالعبرية مع موظف في وزارة الداخلية.. وفي أمسية بالناصرة، العام 1963، ألقى قصائد، فاستجاب الجمهور واستزاد، فما كان من الشاعر سوى أن أخرج من جيبه الخلفي أوراقاً مجعلكة.. وقرأ «سجّل أنا عربي»، التي عرّفت الناس العرب على الشاعر.. ولاحقاً سيعرفه يهود إسرائيل بقصيدة «عابرون» خلال الانتفاضة الأولى. ويعرفه الفلسطينيون: «أنت منذ الآن.. غيرك».
في الفصل الثالث رسائل حب متبادلة خلال عامي 1965 ـ 1967، بينها أربع رسائل من «ريتا» التي هي تمار بن عامي، الشيوعية المجنّدة، صاحبة قصيدة «ريتا والبندقية» ورسالتان منه إلى ريتا/ تمار. يبدو أن خطّ درويش بالعبرية أجمل من خط تمار. هي تقول: «لن أسألك متى سنلتقي؟ لأننا معاً» ويرد: «لا تحسمي في موضوع مستقبل علاقتنا.. ليبحر الزمن والريح بسفينتنا كما يشاء» مع اربع صور تجمعه مع تمار، «وواحدة مع شولا. بعد أن تجنّدت تمار قال: ذهبت للجيش تقشّر البطاطا وتطلق النار على الفلسطينيين.. هي خائنة».
كيف كانت طفولة الشاعر؟ من ذكريات تلاميذ صف درويش: «كان فقيراً.. يلبس بنطالاً قصيراً، وبلوزة خفيفة في عزّ المطر والبرد.. كنّا نغضب منه وندعوه باللاجئ» أيضاً: كان المفتّش الإسرائيلي يأتي إلى المدرسة باحثاً عن أولاد الفلسطينيين المتسلّلين من لبنان.. كان مدير المدرسة في دير الأسد يخبّئ الصغير محمود في غرفة المكانس».. المتسلّل الصغير صار الشاعر الأشهر.
السيدة امتياز كانت كتبت ما يعتبر أفضل ريبورتاج طويل نشرته «الكرمل» عن مجريات ووقائع الانتفاضة الأولى، ثم الثانية، ولعلّ «ميلاد الكلمات» يسجّل لها، بعد جهد جهيد، وبحث، وتنقيب باعتباره يسجّل ويدوّن ويصوّر طفولة الفتى محمود، وباكورته الشعرية ومراسلاته الأولى وصداقاته في البلاد قبل أن يصبح الشاعر العربي الأول، وهو كذلك إنجاز لوزارة الثقافة الفلسطينية، وشعار وزيرها «الثقافة ـ مقاومة».
هو القائل عن البلاد وشعبها: «ذات يوم، ذات عام، ذات جيل».
وقال درويش: «لا تذكروا بعدنا إلا الحياة». 
حسن البطل

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العمر أولاد  العمر أولاد



GMT 15:33 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر عربي اخترته للقارئ

GMT 15:29 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر المتنبي - ٢

GMT 15:18 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

من شعر المتنبي - ١

GMT 23:58 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

شعر جميل للمعري وأبو البراء الدمشقي وغيرهما

GMT 21:18 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

أقوال بين المزح والجد

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:33 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
المغرب اليوم - أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة

GMT 12:48 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الميزان السبت 26-9-2020

GMT 11:52 2020 السبت ,07 آذار/ مارس

تشكيل الوداد لمواجهة النجم الساحلي

GMT 04:35 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

إليكم أفضل الأماكن في لبنان لهواة رياضة ركوب الشواطيء

GMT 12:34 2019 الخميس ,13 حزيران / يونيو

موزيلا ستطرح نسخة مدفوعة من فايرفوكس

GMT 01:29 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

10 صنادل مميّزة تكمل أناقة الرجل العصري في 2019

GMT 19:33 2019 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

بايرن ميونخ يفقد أحد أسلحته أمام بريمن
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib