من «صفر مشاكل» إلى عش دبابير

من «صفر مشاكل» إلى عش دبابير!

المغرب اليوم -

من «صفر مشاكل» إلى عش دبابير

حسن البطل
بقلم : حسن البطل

لا أعرف: هل «التكية السليمانية» على ضفاف بردى، وقرب جامعة دمشق، منسوبة لسليمان شاه، جد عثمان الأول، ووالد أرطغرل، لكن لقبر سليمان المتنقل قصة تذكر بنقاط المراقبة التركية في إدلب. هاكم ملخصاً لما تعتبره تركيا ضريحاً: حسب معاهدة فرنسية ـ تركية 1921 كان للقبر ثكنة تركية تحرسه، وبعد إقامة سورية سد الفرات نُقل القبر 85 كم شمالاً، وفي العام 2015 نقل مرة أخرى شمالاً على بعد 27 كم من حدود تركيا. محافظة إدلب تجاور محافظة حلب، وكذلك لواء الاسكندرون السليب، وكذا محافظة اللاذقية حيث لروسيا قاعدة «حميميم» صارت إدلب «مقلباً» لتجميع المعارضة السورية المسلحة، المهزومة في غوطة دمشق، ثم حماة وحمص، وأخيراً حلب. حلب موصوفة بالشهباء، لأبنيتها الحجرية البيضاء، وهي العاصمة الصناعية التجارية لسورية. دمشق العاصمة السياسية موصوفة بالفيحاء لغوطتها الخضراء، وبين العاصمتين، طريق استراتيجي يرمز إليه بـ M5، وجرى تحريره كلياً من سيطرة المعارضة في حملة للجيش السوري بدأت في كانون الأول، كما تم للنظام السوري استعادة معظم محافظة إدلب، تاركاً ما تسميه تركيا «نقاط المراقبة» معزولة، كحال قبر سليمان شاه المتنقل. لا بأس من عودة إلى التاريخ، حيث بدأ التوسع العثماني في سورية، بعد معركة مرج دابق، وكانت سورية أرض الغروب الأخير للإمبراطورية العثمانية، قبل قرن من الزمان، وخسارة ما يطلق عليه الأتراك «أرض شام شريف»، ولكن منقوصة لواء الإسكندرون السليب (محافظة هاتاي) عام 1936، إلى أن اعترف حافظ الأسد، في ثمانينيات القرن الماضي، بإلحاقها بتركيا. إلى عودة أقرب للتاريخ، حيث قامت تركيا ببناء سد على نهر قويق الذي يسقي حلب، كما يسقي نهر بردى غوطة دمشق، فاضطرت سورية إلى تعويضه بنقل مياه نهر الفرات إلى حلب، المرتفعة طبوغرافياً، فإلى فوضى ربيع سورية حيث قامت تركيا وحلفاؤها في المعارضة المسلحة بنقل زهاء 1000 مصنع ومشغل من حلب إليها، وكذا أهراءات القمح في الجزيرة السورية، عدا شراء نفطها من «داعش» بأثمان بخسة، قبل سيطرة قوات سورية الديمقراطية على حقول النفط. قبل الفوضى السورية، رفع رئيس وزراء تركيا، أحمد داود أوغلو شعار «صفر مشاكل» وكان رئيس تركيا هو عبد الله غُل، والاثنان كانا من «حزب الفضيلة» ثم «حزب العدالة والتنمية» برئاسة رجب طيب أردوغان، الذي كان رئيس بلدية استانبول الكبرى، ثم رئيساً للجمهورية عام 2014. مع انتخاب أردوغان، طوي شعار «صفر مشاكل» وشكل احمد داود أوغلو حزباً ينافس حزبه السابق بعد خسارة أردوغان للمجلس البلدي لاستانبول، وطرده من الحزب الحاكم، وشكل أوغلو «حزب المستقبل»، كما تشكل في إسرائيل حزب الجنرالات المنافس لحزب الليكود. أيضاً، انشق الداعية الإسلامي المنفي فتح الله غولن عن حزب اردوغان، واتهم بمحاولة انقلابية فاشلة، أعقبها حملة تطهير لأنصاره في الجيش والحكومة والجامعات.. إلخ. تقول سورية الرسمية إن الوجودين الإيراني والروسي تمّا بموافقتها، وبفضلهما تمّ للنظام السوري استعادة 70% من أراضي بلاده، لكن إدلب خاضعة لاحتلال غير مباشر، وغير شرعي من تركيا، وأن المعارضة الإسلامية المسلحة في إدلب في دور «جيش لبنان الجنوبي» الذي شكلته إسرائيل حتى انهياره في العام 2000. شكلت ثلاث دول نوعاً من الوصاية على سورية، وهي: روسيا، ايران، وتركيا في ما عرف بثلاثي الدول الضامنة، حسب اتفاقية سوتشي لخفض التصعيد في محافظة إدلب، لكن روسيا انحازت إلى حق النظام في استعادة إدلب، وكذلك ايران إلى حد ما. إلى ذلك، تسبب أردوغان بخلاف مع أميركا للموقف المتعارض من قوات سورية الديمقراطية، ولمعارضة أميركا لشراء تركيا منظومة دفاع جوي روسية من جهة، وطائرات حربية أميركية متقدمة من جهة أخرى. رداً على قرار الكونغرس الأميركي الاعتراف بوقوع المذبحة الأرمنية في تركيا، عارض أردوغان خطة «صفقة العصر» الأميركية، وتفكر إسرائيل والاتحاد الأوروبي بالاعتراف أيضاً، وسبقهما قرار من مجلس الشعب السوري بهذا الخصوص. رغم أزمة سفينة مرمرة التركية مع إسرائيل، فإن العلاقات التجارية بين البلدين تتطور، ولا تأبه إسرائيل لدعم أنقرة لحركة حماس، كما تأبه لدعم إيران لها، لكن أردوغان لا يستطيع ان لا يبالي بدعم الطائرات الروسية، انطلاقاً من حميميم لجهود الجيش السوري لاستعادة إدلب، ومن المستبعد أن تتكرر حادثة إسقاط تركيا لطائرة روسية بعد صفقة الدفاعات الجوية المتقدمة مع روسيا. الأزمة التركية مع الاتحاد الأوروبي قديمة، رغم عضوية حلف «الناتو»، لكن من المستبعد أن يستجيب «الناتو» لطلب تركيا دعمها ضد سورية وروسيا في مشكلة إدلب. ليس بين تركيا وليبيا حدود مشتركة كالتي مع سورية كأطول حدود لها مع تركيا، لكن أردوغان ضالع بشدة في التدخل بالخلاف الليبي ـ الدولي في الحرب الليبية بسبب الغاز والنفط، وكذلك من موقع العداء التركي لمصر. بسبب إدلب انهارت سيبة تحالف سوتشي مع ايران وروسيا، وبسبب ليبيا اتسعت شقة الخلاف التركي مع الاتحاد الأوروبي، وحلف «الناتو». صحيح أن الجيش التركي هو الأكبر والأقوى في ذلك الحلف، لكنه يواجه جيشاً سورياً أرهقته الحروب، لكنه اكتسب تجربة قتالية، عدا عن الدعم الروسي الحربي له، والدعم السياسي أيضاً. وفي المحصلة فإن طموح أردوغان أدى إلى سياسة «عش الدبابير» مع جواره ومع دول العالم، بدلاً من سياسة «صفر مشاكل» زمن أحمد داود أوغلو، ومن غير المستبعد أن يخسر حزب العدالة والتنمية الحكم في الانتخابات المقبلة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من «صفر مشاكل» إلى عش دبابير من «صفر مشاكل» إلى عش دبابير



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 12:48 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الميزان السبت 26-9-2020

GMT 11:52 2020 السبت ,07 آذار/ مارس

تشكيل الوداد لمواجهة النجم الساحلي

GMT 04:35 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

إليكم أفضل الأماكن في لبنان لهواة رياضة ركوب الشواطيء

GMT 12:34 2019 الخميس ,13 حزيران / يونيو

موزيلا ستطرح نسخة مدفوعة من فايرفوكس

GMT 01:29 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

10 صنادل مميّزة تكمل أناقة الرجل العصري في 2019

GMT 19:33 2019 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

بايرن ميونخ يفقد أحد أسلحته أمام بريمن

GMT 09:02 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

عراقيل متنوعة تسيطر عليك خلال الشهر

GMT 03:32 2019 الإثنين ,04 شباط / فبراير

إطلالات العمل مستوحاة من مريم سعيد

GMT 11:02 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 09:37 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

"بيكيني" إميلي راتاجكوسكي يتسبب في حيرة المعجبين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib