النظام الدولي التحديات والطموحات

النظام الدولي... التحديات والطموحات

المغرب اليوم -

النظام الدولي التحديات والطموحات

عبدالله بن بجاد العتيبي
بقلم : عبدالله بن بجاد العتيبي

النظام الدولي عمرُه عقودٌ من الزمن، وهو نجح في إدارة صراعات العالم وحروبه الساخنة والباردة واستطاعَ تجاوزَها جميعاً، وما زال متماسكاً وجميع دول العالم حريصة على بقائه، ولكن الجديد أنه بات محل تساؤلات تزداد مع تزايد الأزمات الكبرى والصغرى حول العالم.

التساؤلات حول جدارة النظام الدولي آخذة في التصاعد، وهو نظام يخدم الجميع دون شكٍّ، ولكنَّه يراعي الدول الغربية وعلى رأسها أميركا أكثر من غيرها من دول العالم، والتغييرات التي بدأت تطرأ على السياسات الأميركية والأوروبية تجاه عدد من الأزمات الدولية والتوجهات الاستراتيجية منذ سنوات ليست بالقصيرة أجبرت الكثير من الدول حول العالم على طرح أسئلة ملحة عن انحيازاتٍ ما في هذا النظام وسوء استخدامٍ لمؤسساته ومنظماته وقوانينه وعدالته، والتساؤلات دليل تشكيك، والتشكيك يحرض على البحث عن البدائل.
الصين دولة كبرى، وقوتها في صعودٍ متنامٍ، وأداؤها الاقتصادي مذهلٌ تاريخياً حيث استطاعت الانتقال من الشيوعية إلى ثاني أقوى اقتصاد في العالم في عقودٍ فقط، وهي بدأت في محاولة عكس قيمتها الاقتصادية على قوتها الدولية في المجالات كافة، وأميركا والدول الأوروبية تحاول مقاومة هذا الصعود الصيني القوي، وهذا طبيعي ضمن الصراعات الدولية المستمرة منذ بدء البشرية، وهو يتم داخل النظام الدولي لا خارجه، ومع الصعود الصيني القوي والتذبذب في القوة الغربية على مستويات متعددة فإن دول العالم الحية تجد مخارج أكثر لأزماتها وأولوياتها.
لدى الدول الغربية حلفاء كبار حول العالم، ولكنها بدأت تخسر بعضهم أو تخفف من قوة تحالفاتها بناء على توجهات آيديولوجية أو سياسية تخرج على شكل منتجاتٍ ذات أبعاد شتى، وبالمقابل، فالصين لديها حلفاء أيضاً وهي تسعى لتوسيع تحالفاتها وزرع الثقة لديهم بقوتها وقدراتها، وضمن هذا السياق الدولي تجري الكثير من الأحداث المهمة.
من تلك الأحداث، الحرب الروسية الأوكرانية، والتشدد الغربي تجاهها الذي هدد النظام الدولي برمته، وما زال هذا مستمراً، وكم هو مثيرٌ أن تتجه «محكمة الجنايات الدولية» لإدانة الرئيس الروسي في جرائم حربٍ، ما يضع الكثير من المؤسسات الدولية محل تساؤلات حقيقية وتشكيك في التسييس المباشر والانحياز، وهذا ليس في صالح أحد وبالأخص ليس في صالح النظام الدولي.
الاتفاق السعودي الإيراني بضمان الصين هو اختراق دولي حقيقي لأزمة إقليمية طال أمدها وعجزت القوى الغربية عن إحداث أي اختراق فيها، وجاءت لحظة يمكن للصين أن تصنع الفارق، فكانت فرصة تاريخية وامتحاناً حقيقياً لقدرة الصين على التوسع من القوة الاقتصادية لتصبح قوة سياسية دولية قادرة على اجتراح الحلول وحمايتها، والاتفاق بنصه بانتظار التنفيذ والتطبيق والالتزام، ولكنه على كل الأحوال شكّل نقطة تاريخية مهمة لما يمكن أن يجري في العالم مستقبلاً.
روسيا وأهم منها الصين الصاعدة بقوة للمشهد الدولي بدأت تأخذ دوراً دولياً أكبر، والأهم أنه يلقى ترحيباً دولياً وتوافقاً على أهميته وفاعليته وضرورة وجوده، فالتذبذب في المواقف السياسية والتلكؤ في حل النزاعات الدولية ومحاولات ابتزاز دولٍ ومناطق حول العالم، وإن لم تكن صحيحة، تجبر الجميع على التفتيش عن مخارج عملية وفاعلة ومؤثرة، والمتقاعسون يخسرون.
الاتفاق السعودي الإيراني - كما تقدّم - هو اختراق سياسي حقيقي على الساحتين الإقليمية والدولية، وهو إذا استطاعت الصين ضمان الالتزام به سيشكل أهم حدث مؤثر على النظام الدولي منذ عقود، وسيكون له ما بعده من أحداث وتحالفات ومراكز قوى حول العالم.
في ساقية المنطقة جرت الكثير من المياه، فالمشروعات الثلاثة الكبرى التي كانت تصطرع في المنطقة لم تعد كما كانت عليه من قبل، فالمشروع الطائفي بدأ يخسر كثيراً على مستوياتٍ عدة؛ من أهمها المستوى الداخلي واللحمة الوطنية، وفشل مخططات التوسع وسياسات بسط النفوذ واضح وإن نجحت إلى أمدٍ معينٍ، ولكن كلفتها هددت المشروعَ برمته.
أما المشروع الأصولي فقد بدأ في اتخاذ خطواتٍ مهمة للتراجع وترك الطموحات غير العملية والالتفات لمشكلات داخلية كبيرة، وإعادة النظر في عداء الدول العربية والتدخل في شؤونها وحصيلة الأرباح والخسائر على مغامرات عقدٍ من الزمان ألزمت المشروع بالعودة إلى قواعده ومحاولات استدراك ما مضى وبناء علاقاتٍ مفيدة لكل الأطراف في المنطقة.
الناجح الأكبر بالحقائق والأرقام لا بالعواطف والرغبات كان مشروع الاعتدال العربي، وهذا حديث الواقع ومنطق الأحداث ولغة التطورات في المنطقة والعالم، وما تصنعه السعودية والإمارات ومصر ومن معها من الدول العربية اليوم، وما تبنيه على النجاحات السابقة لافتٌ للنظر في المنطقة والعالم، وما يفتحه ذلك نحو المستقبل مبهرٌ ويبشر بإمكانات هائلة يمكن أن تنقل المنطقة برمتها إلى مستوى جديد على الصعيد الدولي.
حديث ولي العهد السعودي عن أن المنطقة ستصبح «أوروبا الجديدة»، وأن هذا هو مشروع السعودية ومشروعه الشخصي لم يعد وعداً ورؤية فحسب، بل لديه من الإمكانات والفرص ما يسمح بتحوله لواقع ملموس في مدة أقصر مما يتوقع المراقبون والمحللون، وهذا سيحتاج إلى توظيف قدرات كل دول المنطقة، وتوحيد البوصلة ونزع فتيل الأزمات وتعظيم فرص التطور والتنمية والرخاء، وهو ما يدفع باتجاهه أحداثاً مهمة يقف على رأسها اليوم الاتفاق السعودي الإيراني.
ليس بعيداً في التاريخ، بل قبل عقدٍ من الزمان فقط، استطاعت الدول العربية قلب الطاولة على المشروعين الآخرين في المنطقة، وهما كانا يحظيان بدعمٍ أميركيٍّ غربيٍّ ضد الدول العربية خلافاً لما يوجبه التحالف القديم مع أميركا والغرب، واستحضار هذا النجاح اليوم يفتح الأمل على إمكانية صنع نجاحاتٍ أكبر مع تطور الرؤى الحاكمة والاستراتيجيات المعلنة والقيادات الشابة الطموحة التي تقود المنطقة.
رؤية السعودية 2030 معلنة، وسياسات السعودية الجديدة المؤثرة بعمقٍ في أحداث المنطقة وتوازنات العالم ظاهرة للجميع، فثمة تغييرات كبرى لتوازنات القوى في المنطقة والعالم في مجالات متعددة، ويمكن لصانع القرار حول العالم أن يرى هذه التغييرات ويراقب هذه التوازنات الجديدة ويستقرئ مستقبلها وأبعادها وتأثيراتها ليحدّد مواقفه وسياساته واستراتيجياته تجاهها، وهو ما صنعته فعلياً دولة مثل الصين استطاعت قراءة المشهد بدقة والتعامل معه بحذق.
أخيراً، فالعلاقات والتوازنات والأنظمة الدولية برسم التطور الدائم مع ترقي البشر وتعقّد المصالح وعلو الطموحات، والشرق الأوسط سيكون في قلب ذلك كله.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

النظام الدولي التحديات والطموحات النظام الدولي التحديات والطموحات



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 06:07 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صادرات الحبوب الأوكرانية تقفز 59% في أكتوبر

GMT 06:23 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صندوق النقد يتوقع نمو اقتصاد الإمارات بنسبة 5.1% في 2025

GMT 06:50 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح لتحديد أفضل وقت لحجز رحلاتكم السياحية بسعر مناسب

GMT 04:32 2020 الإثنين ,23 آذار/ مارس

ستائر غرف نوم موديل 2020

GMT 15:48 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتسرّع في خوض مغامرة مهنية قبل أن تتأكد من دقة معلوماتك

GMT 05:27 2015 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تشن حملة ضد ممثلة نشرت صورها دون الحجاب

GMT 07:16 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

الهاتف "ري فلكس" يطوى ليقلب الصفحات مثل الكتاب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib