نهاية رأس من رؤوس الإرهاب

نهاية رأس من رؤوس الإرهاب

المغرب اليوم -

نهاية رأس من رؤوس الإرهاب

عبدالله بن بجاد العتيبي
بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

طواغيت الإرهاب كثرٌ منذ أوائل فرقة الخوارج، مطلع الإسلام، إلى هلاك «أيمن الظواهري» بغارة أميركية، مطلع هذا الشهر، وكلّما هلك منهم هالكٌ نقص الشرّ وإن لم ينتهِ، وذبل غصنٌ من الإرهاب وبقيت غصونٌ، ومقتل الظواهري مهمٌ، وإن جاء متأخراً، وشخصيته المضطربة وسيرته الدموية وأفكاره السوداوية، كلها عناصر صبغت حقبة مظلمة من تاريخ الإرهاب.
باستعراضٍ موجزٍ، فقد اشتهر الظواهري في شبابه المبكر بهدوئه وحبه للشعر ورفضه للعنف، وكان يرى أن «رياضات الملاكمة والمصارعة هي رياضاتٌ غير إنسانية»، كما نقل منتصر الزيات في كتابه: «أيمن الظواهري كما عرفته»، ودرس الطبّ ليعالج الناس، ثم التحق بجماعة الإخوان المسلمين، وتأثر تأثراً كبيراً وطاغياً بأفكار الإخواني العتيد سيد قطب.
في السبعينات الميلادية، كان ثمة ثلاث جماعاتٍ انبثقت من جماعة الإخوان المسلمين وأفكار «سيد قطب» التكفيرية شديدة التطرف، وهي «جماعة الجهاد»، يقودها محمد عبد السلام فرج وأيمن الظواهري، و«جماعة التكفير والهجرة»، يقودها شكري مصطفى، و«تنظيم الفنية العسكرية»، يقوده صالح سرية.
في الثمانينات كان ثمة تداخل بين «جماعة الجهاد» و«الجماعة الإسلامية» حتى أعاد الظواهري تنظيم «جماعة الجهاد» في باكستان، وانخرط مع «الأفغان العرب»، وكان يهاجم «عبد الله عزّام»، ويعتبره «خائناً» و«عميلاً»، ولكنه يمشي في جنازته، وتعرّف حينها على أسامة بن لادن، وتقارب معه في التسعينات، بعد نهاية الحرب الأفغانية، وترافقا معاً في «السودان»، وعادا معاً إلى «أفغانستان طالبان»، وقد أعلنا معاً عن تأسيس «الجبهة العالمية» و«تنظيم القاعدة»، وقاما بتفجيرات سفارتي أميركا في نيروبي ودار السلام وتفجير المدمرة «كول» في عدن.
من «أفغانستان طالبان» قام بن لادن والظواهري بالتخطيط، مطلع الألفية الجديدة، لتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) المشؤومة في أميركا 2001، ودخل العالم معهما حقبة جديدة من الإرهاب.
الظواهري متطرفٌ وليس فقيهاً، وتحصيله من العلوم الشرعية ضئيل وسطحي، وله بعض الكتب التي أطال فيها، وهي تنظيمية فكرية لا علاقة لها بالعلوم الشرعية، مثل كتاب «الحصاد المر: جماعة الإخوان المسلمين في ستين عاماً»، وكتاب «فرسان تحت راية النبي»، وكان يعتمد في التنظير على غيره، من أمثال سيد إمام شريف، أو عبد القادر عبد العزيز، وغيرهما.
لتذكير الأجيال الجديدة ولغير المتخصصين بمدى قتامة العقود الأخيرة من حيث سيطرة الأصولية والتطرف والإرهاب على الخطاب الديني، وتأثيره على الرأي العام والأولويات الاجتماعية والسياسية، يمكن تقسيم الحركات العنفيّة، عبر تصورها لمفهوم «العدو»، إلى ثلاث مراحل: الأولى، العدو القريب أولى بالقتال من العدو البعيد. القريب يعني الأنظمة السياسية العربية والمسلمة، والبعيد يقصد به دول العالم والغرب تحديداً، وهذه المرحلة نظّر لها «فرج» و«الظواهري»، وللظواهري عبارة مشهورة هنا هي: «الطريق إلى القدس يمرّ من القاهرة»، وهي عنوان مقالة له في نشرة «المجاهدون»، نشرها عام 1995.
الثانية، مرحلة العدو البعيد، وكتب عنها «أبو مصعب السوري» و«أبو بصير الطرطوسي». والثالثة، مرحلة العدو القريب والبعيد، أو «عولمة الجهاد»، وهي المرحلة التي وصل إليها «بن لادن»، و«الظواهري»، بعد فشله في مواجهة الأنظمة العربية والمسلمة.
بدعمٍ تنظيري وعقدي وشرعي من «الإخوان المسلمين» و«السرورية» قاد الظواهري تحالفاً مع «النظام الإيراني» ضد الدول العربية والعالم، وقد أبانت عنه رسالته لقائد «تنظيم القاعدة» في العراق، أبو مصعب الزرقاوي، 2005.
وقبل أقل من عامٍ، أكتوبر (تشرين الأول) 2021، خرج الظواهري في إصدار لمؤسسة «السحاب»، الذراع الإعلامية لـ«تنظيم القاعدة»، تهجم فيه بطبيعته الفجة ولغته المنحطة على السعودية والإمارات.
توقيت اغتيال الظواهري مهمٌ - أيضاً - ففي وقتٍ يشتد فيه الصراع الدولي مجدداً بين أميركا من جهة، وروسيا في أوكرانيا والصين في تايوان من جهة أخرى، وفي مواجهة انتخاباتٍ نصفية للكونغرس الأميركي، فإن هذا الاغتيال المهم كان لحساباتٍ سياسية تأثير في توقيته، وعلى كل حالٍ، فأنْ تصل متأخراً خيرٌ من ألا تصل.
تبادل الاتهامات بين «طالبان» وأميركا حول عملية الاغتيال، ومَن مِن الطرفين انتهك «اتفاق الدوحة»، مؤشرٌ على الانسحاب الأميركي المستعجل من أفغانستان، العام الماضي، الذي حوّل أفغانستان مجدداً لمكان استقطابٍ آمنٍ لكل عناصر الإرهاب العالمية، وعلى رأسها أيمن الظواهري، ويمكن للمراقب أن يتوقع أن عشرات الأسماء من قياداتٍ إرهابية عسكرية وفقهية وفكرية قد التحقت بأفغانستان خلال عامٍ، وحصاد هذه السنة من تجمع الإرهابيين الآمن في أفغانستان سوف تظهر نتائجه في المستقبل القريب تفجيراتٍ وعملياتٍ إرهابية.
طوال عمره، عانى الظواهري من كونه شخصاً ثانياً، ومن افتقاره إلى «الكاريزما» والجاذبية، مع محمد عبد السلام فرج وصالح سرية، وأخيراً مع بن لادن، وكان يغطي على ذلك بالمبالغة في الوحشية والدموية والتطرف في آرائه ومواقفه، وذلك الطبيب المحب للشعر الرافض للملاكمة والمصارعة أقدم، عام 1994 في السودان، «على قتل صبي (عمره 15 عاماً) هو ابن أحد المقربين إليه من قادة الجماعة أمام عيني والده»، وهذا الطفل هو ابن محمد شرف، القيادي في جماعة الظواهري.
ظلّ الظواهري غيوراً يسعى لتحطيم كل أصدقائه ورفاق دربه، كلما شعر ببروزهم أكثر منه، وامتلك ثقة مفرطة بنفسه أوردت تنظيمه وعناصره المهالك، ومعروفٌ عن الظواهري اهتمامه المفرط بالجانب الإعلامي، الذي كان يحرص عليه أكثر من غيره من قيادات التنظيم، وهو جزء مهم من شخصيته لم يصبه التقلب والتناقض، كما هو شأنه في غالب الأمور الأخرى.
الإرهاب لا ينتهي بموت إرهابيٍ، والأصولية لا تموت بمقتل أصوليٍ، واغتيال قيادات الإرهاب مهمٌ، وأهم منه قطع جذور الإرهاب وتجفيف منابعه وحماية الواقع والمستقبل من تغلغله مجدداً، واعتبار عمليات الاغتيال نهاية لتنظيمات الإرهاب والأصولية ورموزهما هو مجازفة علمية وحماسة ظرفية لا تثبت للتحقيق الرصين والقراءة المتعمقة.
الخلافات بين جماعة الإخوان المسلمين وكل الجماعات والتنظيمات التي انبثقت منها، أو انشقت عنها، هي خلافاتٌ يمكن تداركها، وأوضح الأمثلة هنا ما جرى إبان ما كان يُعرَف بـ«الربيع العربي»، حيث ذهبت خلافاتٌ معلنة لعقودٍ بين الطرفين أدراج الرياح، وتجمعوا وتوافقوا وحكموا «مصر»، لولا انتفاضة «الشعب» و«الجيش» ضدهم.
أخيراً، فهلاك الظواهري مبشرٌ، مثل هلاك سلفه بن لادن، وهو خطوة في الاتجاه الصحيح.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نهاية رأس من رؤوس الإرهاب نهاية رأس من رؤوس الإرهاب



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 09:19 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن
المغرب اليوم - فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن

GMT 04:55 2018 الثلاثاء ,07 آب / أغسطس

" Chablé" يمثل أجمل المنتجعات لجذب السياح

GMT 07:57 2018 الثلاثاء ,06 آذار/ مارس

أسوأ من انتخابات سابقة لأوانها!

GMT 20:53 2015 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

شجار بالأسلحة البيضاء ينتهي بجريمة قتل بشعة في مدينة فاس

GMT 22:28 2020 الجمعة ,25 أيلول / سبتمبر

ولي عهد بريطانيا يقدم خطة لإنقاذ كوكب الأرض

GMT 05:06 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

"Hublot" الخزفية تتصدر عالم الساعات بلونها المثير

GMT 09:11 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

فتاة منتقبة بطلة فيلم "ما تعلاش عن الحاجب"

GMT 07:11 2018 السبت ,25 آب / أغسطس

فولكس" بولو جي تي آي" تتفوق على "Mk1 Golf GTI"

GMT 16:49 2018 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

مكرم محمد أحمد ضيف "الجمعة في مصر" على "MBC مصر"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib