أزمة السودان والتفريق بين الأشياء

أزمة السودان والتفريق بين الأشياء

المغرب اليوم -

أزمة السودان والتفريق بين الأشياء

عبدالله بن بجاد العتيبي
بقلم : عبدالله بن بجاد العتيبي

طبيعة الحياة وتفاعلات البشر لا تسمح بوضع نماذج مستقرةٍ كتلك التي يستخدمها الذكاء الصناعي لمعالجة الأرقام والإحصائيات، فالحياة متقلبة والبشر متغيرون، ومن هنا فقد تعبت العقول البشرية طويلاً في تأسيس الفلسفات والعلوم المتنوعة التي تحاول قراءة الإنسان وطبيعة المجتمعات ومنطق التاريخ.
كل ذلك التطور العلمي المتراكم إنما جاء ليرفع قدرة البشر على فهم الظواهر والأحداث ورصد المعاني التي يمكن استنتاجها والبناء عليها من كل تفاعلات البشر مع محيطهم وصراعاتهم مع بعضهم البعض، وهو تطور يقدم ذخيرة للإنسان العالم والمفكر حين تتعقد المشاهد وتتشابك المصالح وتختلط الصورة.
الأزمة في السودان متعددة الأبعاد، والجميع يسعى لإخمادها قبل أن تأكل أخضر السودان ويابسه، فمعاناة الشعب السوداني وصلت إلى مرحلة شديدة الضيق ولم تكن بحاجة لمثل هذا الصراع العسكري الدامي لتزداد ضيقاً وسوءاً، والمواطن السوداني يرى منطقته في بعض الدول العربية وفي أفريقيا وهي تقدم نماذج تنموية ناجحة قادرة على صنع أمن الدولة واستقرارها وتوفير الرفاه للشعوب والمجتمعات، ويأمل أن تجد بلاده طريقها إلى نموذج مشابه.
الرباعية الدولية تشكل مخرجاً حقيقياً يمكن للسودان الاتكاء عليه للخروج من أزمته، والرباعية الدولية (السعودية والإمارات وأميركا وبريطانيا) يمكنها أن تقدم خريطة طريقٍ للفرقاء السودانيين، وتحديداً السعودية والإمارات لما تمتلكانها من علاقات أخوةٍ عميقةٍ مع كافة تيارات الشعب السوداني، وما تحتفظان به من تاريخ طويلٍ من الوقوف بجانب السودان في كل الأزمات التي مرّ بها في تاريخه الحديث.
لقد بدأ عمل الرباعية يؤتي ثمارها مبكراً بخلاف المعروف عن الأزمات التي تشمل صراعاً عسكرياً مسلحاً، فعمليات إجلاء الأجانب من السودان قائمةٌ على قدمٍ وساقٍ، وهي تعد مفخرةً بكل المقاييس في حسن التنظيم وسرعة الاستجابة وتحقق النتائج، وهو نجاح يمكن أن يبنى عليه في تدارك ما يمكن تداركه في لحظة حرجة جداً من تاريخ السودان الحديث. الشعب السوداني تعب من التنمية المعاقة والصراعات التي فتكت به والأصولية التي حكمته لعقودٍ، وهو لا يريد المشاركة بأي شكلٍ في صراعٍ مسلحٍ يودي بآماله في بناء دولة وإشادة تنمية وصناعة رفاه.
ومع استمرار ونجاح عمليات الإجلاء، فإن الشعب السوداني لا يمكن إجلاؤه من بلده ولا يريد مغادرتها لأي مكانٍ في العالم، بل على العالم أن يجبر القوى المتصارعة على التوقف عن إطلاق النار وبناء أسس جديدةٍ لسلامٍ دائم يجنب السودان صراعاتٍ مستقبلية دامية.
كما يكمن الشيطان في التفاصيل فإن العلم كذلك، والقرب أكثر من تفاصيل المشهد السوداني وتاريخه وعناصره الفاعلة تمنح المراقب قدرة أكبر على الرصد والتحليل وتلمس المخارج، وقد كتب مونتسكيو قديماً: «يكمن الحس السليم أكثر ما يكمن في معرفة الفروق بين الأشياء»، فالجيش مثلاً هو مؤسسة وطنية محبوبة لدى الشعوب ما لم يتم تشويهها أو اختراقها، ونموذج تشويه الجيوش مثل ما جرى إبان «الربيع الأصولي» قبل سنواتٍ عشرٍ.
دون اتفاق الفرقاء السودانيين من عسكريين وسياسيين على مشروعٍ جامعٍ، فإن الدول الأخرى إقليمياً ودولياً لا يمكن أن تقدم مشروع إنقاذٍ حقيقيٍ متكاملٍ كمشروع «مارشال» لإنقاذ ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، والمشكلة أنه في أزمنة الفوضى وما يشبه الفوضى يصبح الفرقاء قادرين دائماً على الاختلاف أكثر من قدرتهم على الاتفاق، على الهدم أكثر من البناء. أخيراً، فأي بلدٍ يشهد صراعاً مسلحاً دموياً يكون بحاجة ماسة للدول الشقيقة والصديقة لمساعدته على رسم طريق للخروج من أزمته. *كاتب سعودي

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أزمة السودان والتفريق بين الأشياء أزمة السودان والتفريق بين الأشياء



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 06:07 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صادرات الحبوب الأوكرانية تقفز 59% في أكتوبر

GMT 06:23 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صندوق النقد يتوقع نمو اقتصاد الإمارات بنسبة 5.1% في 2025

GMT 06:50 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح لتحديد أفضل وقت لحجز رحلاتكم السياحية بسعر مناسب

GMT 04:32 2020 الإثنين ,23 آذار/ مارس

ستائر غرف نوم موديل 2020

GMT 15:48 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتسرّع في خوض مغامرة مهنية قبل أن تتأكد من دقة معلوماتك

GMT 05:27 2015 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تشن حملة ضد ممثلة نشرت صورها دون الحجاب

GMT 07:16 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

الهاتف "ري فلكس" يطوى ليقلب الصفحات مثل الكتاب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib