سلام «المقاومة» و«الممانعة»

سلام «المقاومة» و«الممانعة»

المغرب اليوم -

سلام «المقاومة» و«الممانعة»

عبدالله بن بجاد العتيبي
بقلم : عبدالله بن بجاد العتيبي

لأجل حفنةٍ من «العنب» ذهبت هباء منثوراً تنظيراتٌ وعقائدٌ دينية ومذهبية وسياسية شكلت أيديولوجيا وخطاباً ممتداً لأربعة عقودٍ من الزمن، ولم يتكلف أصحابها سوق أي تبريراتٍ أو تخريجاتٍ مقنعة لأتباعهم سوى الرغبة الجامحة في المال.
بعد أربعين عاماً من قتل النواطير والفتك بالإنسان والحيوان والشجر والحجر في لبنان وعددٍ من الدول العربية تذكرت «المقاومة» و«الممانعة» أن بالإمكان «أكل العنب» دون قتل الناطور، يا ضياع الأعمار وما أرخص الإنسان، شباب لبناني وعربي من دول عدةٍ ضحّوا بأرواحهم وذهبوا في معارك بلا راية وحروبٍ بلا طائل حتى تستطيع «المقاومة» أكل العنب.
الآلاف والآلاف من الشعوب العربية قتلت وفجرت وانتهكت حياتها ومعيشتها وأمنها واستقرارها وحرمت من العيش الكريم ومن الماء النظيف والدواء والصحة من أجل شعاراتٍ كبرى ومبادئ عظمى كانت تخنق وتذلّ بها الشعوب ليتضح في نهاية المطاف أن المقصود هو «أكل العنب لا قتل الناطور»! «الله» وعشرات العقائد والأصول وطوفان من الأدبيات في شتى الفنون شعراً ونثراً، وبحارٌ من الإصدارات الإعلامية والمواقع الإلكترونية والقنوات الفضائية والخطب الرنانة، كل ذلك ذهب أدراج الرياح من أجل حفنة من «العنب» والنفط والغاز.
من أجل الهدف الديني الأسمى والغاية المذهبية الأعظم تمّ توريط العشرات من الشباب في «الدم الحرام» وقتل المسلمين الأبرياء في لبنان وسوريا والعراق واليمن وفي «المال الحرام» من «تجارة المخدرات» إلى عمليات العصابات من «خطفٍ» و«فديةٍ» وتفاوضٍ، وتم خوض الحروب التي دمرت «لبنان» وبنيته التحتية وإنسانه ومجتمعه، وفي النهاية ظهر الهدف الأسمى والغاية الأعظم مجرد حفنةٍ من «العنب». هذه لحظة تاريخية كاشفة لأرتالٍ من الخديعة المتقنة، «عقائد» و«مفاهيم»، «مبادئ» و«شعارات» هي أهم بكثير من التناول السياسي المباشر والتفصيلي لاتفاق الغاز، ومن «ما بعد بعد حيفا» صار الواقع إلى «ما قبل قبل كاريش».
«ترسيم حدود» وليس سلاماً، «تفاهم» وليس «اتفاقاً» و«لا مشاحة في الاصطلاح» كما تحدث حسن نصر الله قائد «حزب الله اللبناني» واللغة المستخدمة لغة لطيفة تتحدث عن انتصار الطرفين اللبناني والإسرائيلي وهي إحدى مفردات خطاب السلام العالمي وقوة الصوت ولغة الجسد الهادئة والمسالمة بعكس كل الخطابات السابقة حيث كانت اللغة قاسية والصوت عالياً بالتهديد والوعيد ولغة الجسد تنذر بعظائم الأمور.
لم تتحدث «المقاومة» ولا محور «الممانعة» دولاً وجماعاتٍ وتنظيماتٍ بأي شيء عن هذا الاتفاق اللبناني الإسرائيلي، وبالتأكيد ستنطلق منظومة فكرية جديدة وخطاب ديني ومذهبي وسياسي مختلفٌ في المستقبل القريب، والمثير حقاً أن أحداً من هؤلاء لم يستشعر أي قيمةٍ للأتباع ليشرح لهم هذه التغيرات وهذا الانقلاب على الذات والفكرة والحزب والمحور، فهم أقل شأناً من ذلك، لأن طبيعة جماعات الإسلام السياسي سنيةً كانت أم شيعية تتعامل مع أتباعها كقطيعٍ يساق ذات اليمين وذات الشمال دون أن يكون له رأيٌ أو اختيار.
كان يمكن «ترسيم الحدود» و«صناعة السلام» مثلما صنعت العديد من الدول العربية بخطط استراتيجية واضحة وخيارات سياسية جليةٍ وتطلع لتنمية مستدامة ومستقبل أفضل، دون الحاجة لكل الجرائم التي ارتكبت بحق الشعوب ودون تحويل الدولة إلى «دولة فاشلة» ولكنها الأيديولوجيا حين تفتش عن السلطة بنهمٍ غير مسبوقٍ وطموحٍ جامحٍ تستبيح في طريقها كل شيء دولاً وحكوماتٍ، أفراداً ومجتمعاتٍ.
أخيراً، فستطرح المنظومة الجديدة التي ستصنعها «المقاومة» و«الممانعة» ما تظنه فروقاتٍ بينها وبين النماذج العربية الأخرى، وستسوق مبررات لا تساوي شيئاً للتفريق بين النماذج، وهي في النهاية لا تغني عن الحقيقة شيئاً.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سلام «المقاومة» و«الممانعة» سلام «المقاومة» و«الممانعة»



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 06:07 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صادرات الحبوب الأوكرانية تقفز 59% في أكتوبر

GMT 06:23 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صندوق النقد يتوقع نمو اقتصاد الإمارات بنسبة 5.1% في 2025

GMT 06:50 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح لتحديد أفضل وقت لحجز رحلاتكم السياحية بسعر مناسب

GMT 04:32 2020 الإثنين ,23 آذار/ مارس

ستائر غرف نوم موديل 2020

GMT 15:48 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتسرّع في خوض مغامرة مهنية قبل أن تتأكد من دقة معلوماتك

GMT 05:27 2015 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تشن حملة ضد ممثلة نشرت صورها دون الحجاب

GMT 07:16 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

الهاتف "ري فلكس" يطوى ليقلب الصفحات مثل الكتاب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib