عقلنة المنجز والمنشود

عقلنة المنجز والمنشود

المغرب اليوم -

عقلنة المنجز والمنشود

آمال موسى
بقلم - آمال موسى

كيف يُحدّدُ العالم المتقدم اليومَ نقاطَ تقدّمِه في مجالات بذاتها، وكيف يضبطُ الناقص في مسارات الإصلاح والمعالجة والتنمية؟
لنتفق أولاً، أن كل إصلاح أو تحديث أو انخراط في مشروع الديمقراطية مثلاً، إنّما هو يخضع بالضرورة إلى مسار كامل، ويشترط السيّر في طريق طويلة حتماً، وهي طريق تقوم على تراكم المشاريع، بشكل يجعل من التقدم فيها رهينَ مجهودات أجيال متعاقبة.
من الخطأ الاعتقاد أنَّ الشعوب تنجز نقلتها من التخلف إلى التقدم في سنوات. وليس ممكناً الانتقال من التقليد إلى التحديث، ولا من النظام الشمولي إلى الديمقراطي، ولا من المجتمع الأبوي الذي يهيمن فيه الذكور على الأدوات الرمزية والمادية في المجتمع، إلى مجتمع المساواة في وقت قياسي أو في زمن يمكن تحديده. ذلك أننا في سياق الانتقال القيمي والذهني والنسقي، وهو أكثر أنواع الانتقال صعوبة ومخاضاً واشتراطاً للزمن المفتوح.
إنّ التغيير صعب وشاق وينطوي على محن وجهد. بل إنّ التغيير هو أصعب امتحانات الإنسان الفرد وأيضاً الجماعات والمجتمعات.
وإذا ما توفرت الإرادة السياسيّة وأدّت النخب الطلائعية دورها باقتدار وجرأة وشجاعة، وحتى بتوفر هذين العاملين لن يجعل من التغيير عملاً سحرياً سريعاً بقدر ما يمثل نوعاً من التأطير والتحصين لمشروع التغيير.
من هذا المنطلق، فإن المسار من الصعب تركه يخلق تراكمه دون متابعة وقياس دوري يحدد المسافة، التي تم قطعها ويعرض المتبقي من المسار.
ففي هذا الإطار من المتابعة والحرص الدقيقين نضع بعض ما تقوم به بعض المنظمات الدوليّة، وكذلك بلدان العالم المتقدم (في المجال الاجتماعي بالخصوص؛ لأن المؤشرات الاقتصادية والسياسية أحياناً تخضع لاعتبارات الشد والجذب الدوليين) من إعلان لمؤشرات دولية وإقليمية عما قطعته من أشواط في بعض المسائل الجوهرية، وهي مؤشرات تنبني بدورها على وثيقة منهجية تتضمن مؤشرات رصد تخضع بدورها إلى أرقام ونسب مئوية، أي القياس الكمي للمنجز وللمنشود.
ولضمان النجاعة؛ فإنَّ هذه المؤشرات تتم متابعتها لتحديد إذا ما كانت تعرضت إلى التراجع، أو أنها ظلت على حالها أو أنها شهدت تقدماً ضعيفاً أو متوسطاً أو قوياً.
وكما نرى، فإنَّ هذه المنهجية العلمية التي يتولى تطبيقها في الهياكل والأطر الأممية والدولية خبراء ذوو دربة، تجعلنا نغادر لغة الشعارات والمبالغة في الرصد، ومنح المجال لبلاغة المؤشرات التي تصف وفق المتحقق مما يجعل أي خطاب يستند إليها دامغاً في حججه.
مسار أي إصلاح أو مشروع يرمي إلى تحسين وضع المرأة مثلاً، أو الرّفع في امتيازات وحقوق العاملين، أو تقصي واقع النّساء المطلقات، أو توصيف منظومات التربية والصحة والتعليم، يحتاج إلى تشخيص مستمر للمقارنة زمنياً، وأيضاً للمقارنة مع دول العالم. بمعنى آخر، تمكن المؤشرات التقويمية من التصنيف بدقة، وتجعل المصنف قادراً على الذهاب مباشرة نحو المؤشرات الضعيفة التي تحتاج إلى العمل والمراكمة النوعية. والجيد، أن هذا الانخراط في إخضاع تجاربنا ومشاريعنا إلى المؤشرات المعتمدة للقياس يوضح لنا الخطوات المنقوصة بكل دقة ووضوح. بل إن خريطة الطريق تصبح واضحة.
وكي نؤكد أهمية اعتماد منهجية المؤشرات الإقليمية أو الدولية المعتمدة، فإن الدول التي استوعبت ضرورة عقلنة مساراتها وقبلت مبدأ عرض المعلومات التي تخص منظوماتها التربوية والاجتماعية والاقتصادية في يد الخبراء وإخضاعها لسلطة مؤشرات القياس المعتمدة، يعد ذلك إرادة جدية للإصلاح وشجاعة السباق مع تجارب مختلفة التميز فيها ليس مضموناً.
لنضرب المثال التالي: تم في نهاية الأسبوع المنقضي في مدينة عمَّان الأردنية عقد مؤتمر لإطلاق المؤشر الإقليمي بشأن العنف ضد النساء والفتيات لعام 2021، ولقد قامت منهجية العمل على سبع فئات من المؤشرات، تتمثل في مؤشر الإطار القانوني والسيّاسات العامة، ومؤشر الإجراءات والأنظمة المعيارية، ومؤشر تقديم الخدمات الممولة من الدولة، ومؤشر نظم البيانات والإحصائيات، ومؤشر البرامج والتدابير الوقائية، ومؤشر القدرات المهنية للمستجيبين الأوائل، ومؤشر التنسيق على الصعيد الوطني والتعاون على الصعيد الإقليمي.
وكل فئة من هذه المؤشرات تتضمَّن مؤشرات تفصيلية عدّة، تمكن من القياس العام لأي بلد من البلدان المندرجة في التقويم، في مجال العنف ضد النساء والفتيات.
ويمكن للبلد المشارك أن يعتمد على المؤشرات التي تحصل عليها بإعادة تطبيقها على مساره دورياً ليقيس مدى تطور الوضع عنده.
ففي مجال الإطار التشريعي، يمكن أن يعرف أي بلد نقطة تموقعه برصد المنجز في إطار التشريعات من تاريخ إطلاق آخر مؤشر شارك فيه إلى حدود التاريخ الجديد.
والشيء نفسه بالنسبة إلى إصلاح التعليم؛ فمن خلال مؤشرات الجودة ومعاييرها المتعارف عليها دولياً تصنف أي منظومة تعليمية نفسها دونما حاجة إلى تصنيف خارجي.
وبهذه الطريقة وغيرها تتم عملية تقويم المسارات والتجارب والمشاريع، وهكذا تقوم الدول بعمليات التعديل الذاتي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عقلنة المنجز والمنشود عقلنة المنجز والمنشود



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 06:07 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صادرات الحبوب الأوكرانية تقفز 59% في أكتوبر

GMT 06:23 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صندوق النقد يتوقع نمو اقتصاد الإمارات بنسبة 5.1% في 2025

GMT 06:50 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح لتحديد أفضل وقت لحجز رحلاتكم السياحية بسعر مناسب

GMT 04:32 2020 الإثنين ,23 آذار/ مارس

ستائر غرف نوم موديل 2020

GMT 15:48 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتسرّع في خوض مغامرة مهنية قبل أن تتأكد من دقة معلوماتك

GMT 05:27 2015 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تشن حملة ضد ممثلة نشرت صورها دون الحجاب

GMT 07:16 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

الهاتف "ري فلكس" يطوى ليقلب الصفحات مثل الكتاب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib