الرجل العربي ما زال يسيطر على اللغة

الرجل العربي ما زال يسيطر على اللغة

المغرب اليوم -

الرجل العربي ما زال يسيطر على اللغة

د. آمال موسى
بقلم : د. آمال موسى

تحتلُّ اللغة في مجال التغيير الاجتماعي والثقافي وظيفة أساسيّة ولكننا لا نكاد نثير أهميتها أو حتى نطرح دورَ اللغة في تغيير النسق الثقافي والعقليات، وإذا ما وضعنا فوق طاولة الدرس اللغة في وسائل الإعلام ولغة الأدب العربي بشكل عام، وأردنا الحفر في خصائص هذه اللغة فإننا سنصل إلى نتائج محبطة. ذلك أن الحق في عدم التمييز على أساس الجنس يشترط أيضاً لغة منصفة للجنسين وتعبّر عن الجنسين وتتسع للجنسين وتتعامل معهما كذاتين لغويين.
إننا نطرح مسألة اللغة لأنَّها معطى مهم وخطير، وهي عامل أساسي في عملية التغيير الثقافي ذلك أنَّ ظاهرة الهيمنة الذكوريّة أسّست أبنيتها في حقل اللغة وباللغة أيضاً تتم عملية توريث القيم والأبنية الرمزيّة للنظرة إلى الذات وإلى الجنس الآخر وإلى العالم ككل.
فاللغة ليست كلاماً فقط بل إنّها نظام من التفكير، أي إنَّ اللغة لصيقة الفكر وليست في معزل عنه. طبعاً مسألة اللغة بين الذكورة والتأنيث تُطرح كقضية جوهريّة تهمّ الأدب بشكل عام شعراً وسرداً وسواء المكتوب للكبار أو للأطفال، وهو ما يعني أنّها من القضايا التي هي بصدد المعالجة والانتباه باعتبار حداثة المرأة في دخول حقل الكتابة مقارنةً بالرجل، إضافةً إلى مصاعب ومخاضات الانتقال من كونها موضوعاً للكتابة أو هي «المعنى» إلى أن تتحول إلى ذات فاعلة في اللغة، وفي هذا السياق يشير عبد الله الغذامي إلى أن اللفظ هو أخطر ما في اللغة، والرجل أحكم سيطرته على الفكر اللغوي والثقافي. فعلى مستوى اللفظ نلاحظ في الخطاب الإعلامي المكتوب والسمعي البصري، وفي كمٍّ هائل من الأشعار والأعمال السرديّة استعمالاً لأفعال ذات سجل ذكوري في سياقات أو على لسان شخصيات أنثويّة. كما أن الأفعال الآمرة في القصص تصدر بالأساس عن شخصيات ذكورية في حين أن الشخصيات الذكوريّة تستخدم اللغة للتعبير عن ذواتها لغوياً (أحبّ - أحلم - أرى - أريد - قررت...) وهي أفعال كما نلاحظ تكشف عن إرادوية ذكوريّة حاضرة في اللغة وتؤسس فعلها في اللغة قبل الواقع. ولقد تناول هذه المسألة الألسني إميل بنفيست، مبرزاً أن الإنسان يتشكل من حيث هو ذات في اللغة وباللغة، إذ هي وحدها التي تؤسس في حقيقة الأمر مفهوم «الأنا» ضمن واقعها الذي هو واقع الوجود. فالذاتية تتحدد بواسطة المنزلة اللغويّة للشخص.
أيضاً أسهمت كيفية توظيف الوصف في إظهار النقل الخفي لأوصاف لطالما قسّمت الصفات وفق ثقافة موغلة في الذكورة حيث الصفات الإيجابية التي تعبّر عن القوة والشجاعة وحبّ المغامرة حافظت على انتمائية لجنس الذكور، وظلت مشاعر الخوف والضعف مستمرة الأثر في كينونة الجنس الأنثوي. فكل حالات الخوف التي يعبَّر عنها في المسلسلات وفي جزء كبير من القصص والروايات في القصص ذات صلة بالإناث، رغم أن الخوف شعور إنساني ارتبط به الإنسان منذ بداية الخلق وكان دافعه للتفكر وللإبداع وللسيطرة على الطبيعة التي هي مبعث الخوف الأول. مع الإشارة إلى أن الأعمال الفنية والأدبية المقصودة بالنقد إنما تعيد إنتاج صورة الأنثى الخائفة المتجذرة في التمثل المحافظ الأبوي وذلك مقابل الذكر الشجاع.
من ناحية أخرى يمكننا ملاحظة استعمال لغة فيها نوع من الخنوع وشيء من التبعية بين الجنسين. وهنا لا تفوتنا الإشارة إلى كون اللغة تفعل فعلها في تشكيل التمثلات وفق اللغة وما توحي به من تقسيم وما تحدده من منزلة للشخص، بدليل أن مقياس الإيجابية والسلبية والحياد الذي تتضمنه مقاربة «اليونيسكو» للجندر يتم اعتماده بناءً على الألفاظ والوصف والأفعال الحركية وغير الحركيّة. فالذات تحضر باللغة وعبر العناصر المذكورة مشفوعة بالنظام الفكري الثقافي المنتج والصانع لها.
إن مسألة اللغة رئيسية في مجتمعات ترنو إلى نقد النسق الثقافي وبناء نسق جديد يقطع مع ثقافة الهيمنة الذكورية والتمييز بين الجنسين. كما أن الخطاب الإعلامي والأدبي يسهمان في صنع تخييل يعزز المساواة بين الجنسين ويهدم التمايزات التقليدية التي تعبّر عن مجتمع ذكوري الثقافة والقيم، نطرح هذه المسألة لأن اللغة كما أسلفنا القول ليست وعاءً والتنشئة الاجتماعية التي تُنقل عن طريق اللغة تبني التمثلات والخيال، والتمثل هو شكل من أشكال المعرفة يُبنى اجتماعياً.
ولمّا كانت اللغة هي النظام الفكري الذي يتكون فيه بُعد جوهري من أبعاد مضامين التنشئة الرمزيّة فإن إيلاء اللغة، في ندواتنا وخطابنا الإعلامي بشتى أنواعه وما يُنشر من أعمال إبداعية وما يتم تصويره من مسلسلات وأفلام، الانتباه المخصوص يصبح مسألة ذات أولويّة. ذلك أن اللغة هي أيضاً ناقلة للتمايز بين الجنسين كما يمكن أن تكون عامل هدم لمظاهر التمييز والهيمنة الذكوريّة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرجل العربي ما زال يسيطر على اللغة الرجل العربي ما زال يسيطر على اللغة



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 06:07 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صادرات الحبوب الأوكرانية تقفز 59% في أكتوبر

GMT 06:23 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صندوق النقد يتوقع نمو اقتصاد الإمارات بنسبة 5.1% في 2025

GMT 06:50 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح لتحديد أفضل وقت لحجز رحلاتكم السياحية بسعر مناسب

GMT 04:32 2020 الإثنين ,23 آذار/ مارس

ستائر غرف نوم موديل 2020

GMT 15:48 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتسرّع في خوض مغامرة مهنية قبل أن تتأكد من دقة معلوماتك

GMT 05:27 2015 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تشن حملة ضد ممثلة نشرت صورها دون الحجاب

GMT 07:16 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

الهاتف "ري فلكس" يطوى ليقلب الصفحات مثل الكتاب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib