في 2020 محنة وسقوط مسلّمات

في 2020... محنة وسقوط مسلّمات

المغرب اليوم -

في 2020 محنة وسقوط مسلّمات

آمال موسى
آمال موسى

بعد أقل من أسبوع نودع هذا العام ونستقبل غيره. 3 أرباع العام الراهن قضاها العالم وهو يكابد محنة جائحة كورونا، وبعض المؤشرات تشير إلى أن هذه المكابدة قد تتواصل إلى أجل غير مسمى.من غير الممكن الحديث عن سنة 2020 من دون إثارة أزمة «كوفيد - 19»، الأمر الذي طبع حصاد هذا العام بطعم الجائحة، حيث فعلت فعلها في النفوس والأفكار والاستراتيجيات وأحدثت إرباكاً على أصعدة مختلفة. كانت سنة سريعة الإيقاع ومكتظة بالرّجات والهزات الرمزية والمادية وكأنّها نقلت العالم من طور في التفكير والمقاربة، إلى آخر لم تتضح ملامحه بعد.

المؤكد أنّ هذا العام كان صعباً، وسيؤرخ له بكونه عام الجائحة مع ما يعنيه ذلك من فجيعة ومرض وموت وتغيير في الحياة اليومية. فمن الصعب إذا ما أردنا وضع هذا العام في الميزان أن نقسم العالم إلى بلدان حققت انتصارات وأخرى بارحت مكانها وأخرى تخلفت نحو الوراء. لقد ضربت الجائحة العالم برمته، حتى إن كان تحصين كل دولة لنفسها يختلف من دولة إلى أخرى. بل إن الجائحة ألمت بشكل كبير بما نسميه نادي الدول القوية والمتقدمة رغم صمودها على مستوى البنية الصحية والإمكانات المادية، إذ خسرت من الأرواح البشرية بسبب الفيروس ما تجاوز بكثير ما خسرته البلدان الفقيرة.

ولعل أبسط توصيف لتداعيات الجائحة على العالم أمام قتله للملايين هو القول إننا فعلاً عشنا محنة حقيقية سواء الذين تمت إصابتهم أم نجوا من الفيروس إلى حين.. نقول هذا الكلام لأن هذا الفيروس أصاب الفقير والغني والوزير والرئيس والصغير والكبير وصاحب الصحة الجيدة والمصاب بمرض مزمن. لذلك، فإنه من الصعب أن يخلو حديث عن عام 2020 حالياً ومستقبلاً عندما يصبح تاريخاً من دون ربطه بالعنوان الكبير؛ جائحة «كوفيد - 19».

إذن هو عام المحنة. وطبعاً المحن تفعل فعلها في التصورات وكيفية رؤية الأشياء وتعيد ترتيب الأفكار والمسلّمات على نحو مختلف، وأحياناً انقلابي. ومن المسلّمات التي سقطت في هذا العالم مسألة انتصار الإنسان على الطبيعة، وأنها خضعت بفضل العلم والتكنولوجيا لترويض نهائي.
لقد عاش العالم الحجْر بدرجاته المختلفة خوفاً من الفيروس وأصبح عقله مبرمجاً على التباعد الجسدي.أي أنه استعاد زمنية الخوف من الطبيعة التي كانت السبب الأول وراء تحسين ظروف عيشه وابتكار السكن الذي يقيه من الطبيعة وبردها وحرّها وضباعها وأسودها. حالة الخوف تلك عاد إليها وكأن ما فصله عن تلك اللحظة من زمن وإنجازات قد تلاشى. لذلك عاودت الإنسانية الرهان على العلم والعلماء، وتسمرت أمام القنوات التلفازية للإنصات للأطباء ومحاولة تلبية إجراءات الوقاية من الفيروس. لم يهرع الناس إلى رجال الدين والمساجد، بل كان الأطباء هم الملاذ، خصوصاً أن الفضاءات الدينية تم إغلاقها منعاً للتجمعات لفترة طويلة وكان سلوك المتدينين امتثالياً وعقلانياً أكثر من المتوقع. وهو ما يعني أن الشعور بالخوف من الموت بسبب الفيروس ورهبة الموت خاصة في الأسابيع الأولى بداية من شهر مارس (آذار) الماضي كان أقوى.

أيضاً في هذا العام تلقى الفكر الرأسمالي الليبرالي صفعة حقيقية؛ إذ إن جشعه من أجل الربح إلى حد أربك البيئة والطبيعة واعتدى عليهما بشكل سافر جعل أصابع الاتهام تتجه نحوه والأسئلة حول آثاره السيئة على الإنسانية محل نقاشات وحوارات جادة وحقيقية. ومما زاد في تعرية الرأسمالية أن مجابهة الوباء جعلت الجميع يستنجد بالدولة، فعاد الحديث عن دور الدولة الاجتماعي، وكيف أن التفريط في هذا الدور للخواص ورجال الأعمال هو جريمة في حق الفقراء، حتى المنتمين للطبقة المتوسطة، حيث إن تكاليف المعالجة باهظة جداً وفوق قدرة المواطن على التحمل.
وتأتي هذه التجربة في ذروة انصراف السياسات في بعض دول العالم العربي مثلاً نحو الخوصصة، فإذا بالجائحة تحرج أجهزة هذه الدول التي لم تكن مستعدة، وتظهر أن الرهان على الرأسمال الخاص في موضوع الصحة فكرة يجب العدول عنها، وفي أقل الحالات تنسيبها بشكل كبير.

لكن الواضح أن ما تكبدته أجهزة الدول الفقيرة من ضغوطات وأزمات اقتصادية، سواء بسبب استحقاقات مواجهة الجائحة، أو تعطل نسق العمل، والشلل الذي أصاب السياحة، وتعرض قطاعات كبيرة للبطالة القسرية، كل هذا، قد أنهك الدول الغنية والأخرى المحدودة الإمكانات، ما يفيد بأن سقوط الرأسمالية يظل نظرياً وظرفياً بالمعنى الرمزي، إذ ستكون الحاجة للرأسمال كالعادة إثر المحن كبيرة. ذلك أن الواقع يؤكد أنه رغم الخيبة التي عاشها العالم من أصحاب رؤوس الأموال والأعمال في مجال الصحة، مثل المصحات، أو تسريح أعداد كبيرة من الموظفين والعاملين في المؤسسات الخاصة، فإن الدرس الجدير بتعلمه من عام 2020 هو أن فكرة تهميش الدولة مخاطرة، وأن الوظائف الاجتماعية من صالح الشعوب أن تظل تحت هيمنة الدولة، لأن أصل فكر الدولة هو أنها للجميع، في حين أن القطاع الخاص يتعامل مع حرفاء، لا مواطنين، والفرق بينهما كبير.
وكما نلاحظ، فإن سقوط المسلّمات لا يعني التخلي عنها في الواقع، بقدر ما هو سقوط فكري رمزي.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في 2020 محنة وسقوط مسلّمات في 2020 محنة وسقوط مسلّمات



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 17:34 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"
المغرب اليوم -

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 06:07 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صادرات الحبوب الأوكرانية تقفز 59% في أكتوبر

GMT 06:23 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صندوق النقد يتوقع نمو اقتصاد الإمارات بنسبة 5.1% في 2025

GMT 06:50 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح لتحديد أفضل وقت لحجز رحلاتكم السياحية بسعر مناسب

GMT 04:32 2020 الإثنين ,23 آذار/ مارس

ستائر غرف نوم موديل 2020

GMT 15:48 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتسرّع في خوض مغامرة مهنية قبل أن تتأكد من دقة معلوماتك

GMT 05:27 2015 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تشن حملة ضد ممثلة نشرت صورها دون الحجاب

GMT 07:16 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

الهاتف "ري فلكس" يطوى ليقلب الصفحات مثل الكتاب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib